مراسلو الجزيرة نت
إدلب- تفك السيدة خالدية الشاهر خيمتها للمرة الأخيرة، وتحمل بعض الأثاث لتنقله إلى الشقة السكنية التي تسلمتها من فريق ملهم التطوعي في منطقة حارم، ضمن مشروع “قادرون” لإيواء متضرري الزلزال.
تُعرب خالدية عن فرحها بانتقالها إلى الشقة الجديدة، مؤكدة أنه “نهاية لفصل الشقاء” والعيش في الخيمة لمدة عام، بعد انهيار البناء السكني الذي كانت تعيش فيه في مدينة حارم، وتقول للجزيرة نت إن الزلزال تسبب بدمار شقتها وموت زوجها وطفلها، وسكنت في مخيم قرب منزلها المدمر، وأصبحت تخاف السكن في الأبنية، ولكن في نفس الوقت تعتبرها أفضل من الخيام.
وتتمنى خالدية أن تكون هذه الأبنية مصممة على أن تقاوم الزلازل، لأنها لم تعد تحتمل خسارات أخرى، فالموقف الذي مرت به في زلزال فبراير/شباط الماضي لن يُمحى من ذكراتها حسب تعبيرها.
إيواء بعد تشرد
افتتح فريق ملهم التطوعي والعامل في شمال سوريا مشروع “هلال ملهم”، وهو أول مشاريع حملة قادرون التي أطلقها بعد الزلزال المدمر، وجمعت ما يقارب 20 مليون دولارأميركي، واستلمت عشرات العوائل التي تضررت من الزلزال مفتاح بيتها، بعدما خسروا منازلهم وعاشوا سنة في مخيمات الإيواء والمخيمات العشوائية.
وقال محمد الشيخ المسؤول في فريق ملهم التطوعي للجزيرة نت “نحن في حملة قادرون، التي أطلقناها بعد يومين من الزلزال، نهدف إلى بناء كل ما هدمه الزلزال، من خلال شقق سكنية ضمن أبنية من طوابق، لنعوض من فقد منزله”.
وأضاف في حديثه “اعتمدنا في الحملة بشكل كامل على التبرعات التي تم جمعها من جميع دول العالم، لمساعدة الناس المتضررين، وسوف نعمل على مشاريع أخرى في مناطق أخرى، كما نعمل على بعضها حاليا وهي قيد التجهيز”.
وقال الشيخ “سلمنا المفاتيح للعديد من العوائل، وبعد اكتمال البنى التحتية سيتم الإعلان الكامل عن افتتاح المشروع، ليكون مأوى للعديد من العوائل في مناطق أخرى كمنطقة أرمناز بريف إدلب ومدينة أعزاز بريف حلب”.
وقال فريق “منسقو استجابة سوريا” أن “45% من البنى التحتية شمال سوريا تعرضت لأضرار جراء زلزال فبراير/شباط الماضي، بما يشمل العديد من المدارس والمنشآت الطبية والمنشآت الخدمية الأخرى”.
وأشار الفريق في بيان له إلى أن “عدد المباني السكنية المدمرة بشكل كلي بلغ أكثر من 950 مبنى، ونحو 2900 مبنى مدمر بشكل جزئي، في حين بات أكثر من 11 ألفا و893 مبنى آخر غير صالح للسكن، كما ظهرت التصدعات بمختلف أنواعها، الخطرة والعادية، على 7 آلاف و632 منشأة أخرى”.
وعملت المنظمات الإنسانية وفرق الدفاع المدني على إعادة تأهيل البنى التحتية شمال سوريا، من خلال بناء قرى سكنية تكون أبنيتها مقاومة للزلازل، بهدف نقل المتضررين من مخيمات الإيواء إلى شقق سكنية جديدة.
صعوبات التأقلم
تعدّ مدينة حارم في شمال إدلب على الحدود السورية التركية، والتي تم اختيارها لتكون مكانا للمشروع، أكثر المناطق التي تعرضت للدمار على نطاق واسع في شمال غرب سوريا، حيث سقطت مئات المباني فوق رؤوس ساكنيها، وتصدعت مئات المباني الأخرى.
وبعد عام كامل في مخيم للإيواء، استلم أحمد سعدو مفتاحا لشقة سكنية ضمن المشروع الجديد، ليسكن فيها مع والدته التي نجا معها من الزلزال، بعد أن فقد 3 أشقاء ووالده وشقيقته، ويقول للجزيرة نت إنه ذهب للعلاج عند طبيب نفسي، لأن مرضا نفسيا أصابه يسمى “فوبيا الأبنية السكنية”، فبمجرد دخوله لبناء سكني يشعر أن الأرض تهتز وأن البناء سوف يسقط، لأنه قضى ساعات طويلة تحت الأنقاض.
وأضاف في حديثه أنه رفض الأمر في البداية عندما أخبره فريق ملهم بأن له شقة سكنية، لكنه علم أن البناء تم تصميمه بطريقة هندسية مقاومة للزلازل، وهو ما دفعه للموافقة، “لأن المعيشة داخل الخيام صعبة للغاية” حسب قوله.
أما رياض الصدام الذي فقد منزله وعددا من أفراد عائلته جراء الزلزال في منطقة سلقين في ريف إدلب شمال سوريا، فلم يحصل حتى الآن على شقة سكنية من قبل أي منظمة إنسانية، ولم تُقدم أي وعود تذكر له.
ويقول رياض إنه يعيش حياة صعبة في مخيمات الإيواء منذ عام، دون وجود أدنى مقومات للحياة وسط الطقس البارد، مؤكدا أنه لم يعتد على المعيشة في الخيام قبل أن تتدمر شقته السكنية.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه يطالب بأن يكون لكل المتضررين من الزلزال شققا سكنية تعوضهم، لأنه “كان هناك تبرعات بملايين الدولارات بهدف بناء شقق سكنية للمتضررين، وهذا يتطلب عملا حقيقيا من المنظمات لإيواء الجميع”.
يُذكر أن الزلزال الذي وقع في فبراير/شباط عام 2023، قضى فيه 4 آلاف و256 مدنيا من شمال سوريا، وأصيب 11 ألفا و774 آخرون، بينهم 255 شخصا من العاملين في المؤسسات الإنسانية، في حين تضرر نحو 334 ألفا و821 عائلة، بمجموع عدد أفراد تجاوز مليونا و843 ألفا و911 شخصا متضررا.