تونس- أعلن الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيد يوم 19 يوليو/تموز الماضي ترشحه بصفة رسمية للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وفي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، أقرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، حيث تضمنت إضافة إلى قيس سعيد، رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حركة “عازمون” عياشي زمال.
وإن كان الرئيس سعيد وأنصاره يرون الانتخابات القادمة محطة لمواصلة “حرب التحرير الوطني”، فإن الجدل متواصل في صفوف المعارضة بين من يعتبرها فرصة للتغيير ومن يراها “مسرحية صورية” لتجديد العهدة للرئيس وتعزيز شرعية نظامه المتراجعة.
وفي خضم الجدل المتواصل، يتعرض جل الذين أعلنوا ترشحهم للرئاسة للملاحقة القضائية والسجن، مما جعل عددا من الشخصيات والأحزاب تؤكد استحالة اختيار رئيس بطريقة ديمقراطية في ظل حكم قيس سعيد، بل تنادي بمقاطعة الانتخابات.
وعود وشعارات
ومنذ إعلان إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 -التي تصفها المعارضة بأنها انقلاب دستوري- ظهرت تكهنات بشأن مرجعية الرئيس الفكرية، وذهبت بعض الآراء إلى نسب قيس سعيد والمجموعات المحيطة به إلى اليسار الماركسي اللينيني، في حين شبه آخرون نظام الحكم الذي يروج له بنظام حكم القائد الليبي الراحل معمر القذافي.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع والناشط السياسي التونسي لمين البوعزيزي للجزيرة نت “من يريد أن يعرف مواقف قيس سعيد الحالية من الانتخابات الرئاسية المقبلة عليه أن يعود إلى مواقفه قبل أن يصبح رئيسا”.
ويضيف البوعزيزي أن قيس سعيد، منذ شتاء 2011، كان ضمن مجموعة يسارية صغيرة أطلقت على نفسها “قوى تونس الحرة”، وهي إحدى حلقات “الوطنيون الديمقراطيون” التي تميزت في مواقفها بالقطع مع مفاهيم الماركسية اللينينية في التحزب والمركزية الديمقراطية وأيضا بالنقد الجذري للديمقراطية عموما والترويج لمفاهيم أناركية (لا سلطوية) تعد أقرب إلى ما ورد في الكتاب الأخضر لمعمر القذافي، وفق تعبيره.
وبحسب الباحث والناشط السياسي التونسي، لا يمتلك الرئيس التونسي أي برنامج أو مشروع للبلاد سوى جملة من الوعود والشعارات “الشعبوية” من جهة وترذيل السياسة والسياسيين وتخوين المعارضين من جهة أخرى.
وكان سعيد قد صرح في السادس من أبريل/نيسان الماضي خلال إحياء الذكرى الـ24 لوفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بأنه لن يقبل بترشح مجموعات ترتمي في أحضان الخارج، وفق قوله.
معركة “التحرر الوطني”
في المقابل، ما فتئ قيس سعيد يكرر أنه صاحب رؤية جديدة ومشروع للتحرر الوطني. وفي أكثر من مناسبة دولية ومحلية، ذكر أنه يحمل مقاربات جديدة لتونس والعالم تختلف عن المقاربات والمفاهيم السابقة كما تقطع نهائيا مع الماضي.
وقد صرح خلال إعلان ترشحه بأن “الواجب المقدس دفعه إلى الترشح من أجل مواصلة مسيرة النضال في معركة التحرر الوطني”.
وقال وهو يقدم ملف ترشحه بشكل رسمي في إشارة إلى المحطة الانتخابية “إنها حرب تحرير نشنها وقد بدأناها، وحرب تقرير مصير نخوضها وثورة حتى النصر في إطار المشروعية الشعبية، وسننتصر من أجل تأسيس جمهورية جديدة، ولن نقبل بأن تدخل أي جهة أجنبية في اختيارات شعبنا”.
وتعد الانتخابات القادمة مناسبة تقييم حقيقي لشرعية قيس سعيد التي تتالت خطابات التشكيك فيها بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 وما لحقها من محطات انتخابية تميزت بمقاطعة واسعة لها.
وعرفت تونس خلال السنوات الثلاث الماضية انتخابات برلمانية لم يشارك فيها سوى مليونين و25 ألف ناخب من مجموع 9 ملايين و136 ألف ناخب مسجلين أي بنسبة 11.22% فقط، وهي النسبة نفسها تقريبا التي بلغتها نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية التي نظمها قيس سعيد في نهاية السنة الماضية.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حمزة المدب للجزيرة نت إن “سعيّد أراد أن يجعل من الانتخابات الرئاسية القادمة مناسبة لمحاولة تأكيد شرعيته المتراجعة خصوصا بعد المحطات الانتخابية الهزيلة التي وقع تنظيمها منذ انقلابه في 2021”.
انتخابات دون رهانات
ويتهم معارضون الرئيس التونسي بأنه يسعى إلى إجراء انتخابات صورية دون رهانات جدية، لتكون محطة يؤكد فيها شرعيته بالحد الأدنى من التعبئة ودون منافسة حقيقية بسبب حصيلة حكمه الهزيلة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بحسب تعبيرهم.
وفي هذا الصدد، يقول حمزة المدب الباحث في كارنيغي إنه “منذ البداية لم يكن سعيّد متحمّسا لإجراء انتخابات رئاسية والدليل ظروف الإعلان على هذه الانتخابات والتي أتت مقتضبة وفي ظروف غامضة ومن دون سابق إعلام في يوليو/تموز الماضي”.
ويضيف أن الغاية كانت تنظيم انتخابات على عجل دون رهانات، واستغلال فصل الصيف لتنظيم حملة انتخابية بشكل سريع في غياب الاهتمام الدولي وحتى التونسي.
واستدرك الباحث قائلا “رغم كل المحاولات لجعل الانتخابات دون رهانات حقيقية، فإن مراهنة المعارضة على جعلها موعدا لإحداث تغيير ولمجابهة سعيّد أكسبها نوعا من الزخم”.
ويرى المدب أن الرئيس التونسي المنتهية ولايته “سيخرج من هذه الانتخابات أكثر ضعفا من وضعه ما قبلها بالنظر للخروقات والقمع والانتهاكات التي شابت كل المسار بشهادة القضاء الإداري التونسي”.
وفي هذا السياق، قال الأمين العام لحزب العمال التونسي حمة الهمامي، في حديث لوسيلة إعلام تونسية، “قيس سعيّد يريد بيعة ولا يريد انتخابات أو ما عبّر عنه كارل شميت منظّر الفاشية والنازية بالاقتراع الاستفتائي، ولا يريد أن ينافسه أي أحد”.
ولم يختلف رأي رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي عن ما ذهب إليه حمة الهمامي، معتبرا أن السلطة عبّدت الطريق للبيعة من الدور الأول لقيس سعيد من خلال الاعتقالات والسيطرة على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.