قال مسؤول أمني في أنقرة- بينما كان يشرح مبررات اتفاقية الدفاع بين تركيا والصومال- : “التطورات في القرن الأفريقي لا تقتصر على اتفاقية إثيوبيا – أرض الصومال فقط. هناك تطورات خطيرة لا يمكنني الكشف عنها الآن”؛ وكان صوته قلقًا بعض الشيء.
من جانبه، قال البروفيسور أحمد كافاس، الذي شغل منصب سفير تركيا في تشاد والسنغال ويعتبر من أبرز الخبراء في الشؤون الأفريقية، فور سماعه بالاتفاقية: “هذه الاتفاقية السريعة ليست طبيعية. هناك تطورات كبيرة تحدث”.
ثم توالت الأخبار تباعًا. أخيرًا، عندما قررت الصين إرسال سفن حربية إلى البحر الأحمر، أصبحت خطورة الوضع أكثر وضوحًا.
انتشار حرب غزة إلى المنطقة
إن المشكلة الرئيسية وراء جميع الأزمات في الشرق الأوسط هي إسرائيل؛ فقد رأينا التأثير الأول هو تحوُّل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى صراع ساخن في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن. والآن هناك خطرٌ من صراع ساخن في منطقة القرن الأفريقي.
هذا أمر يجب أن يخيف الجميع؛ لأنه ساحة صراع جديدة في العالم، كما أن أي انسداد في هذه المنطقة – وهي المنطقة الأكثر إستراتيجية في التجارة البحرية العالمية – سيؤثر على العالم كله، من إنجلترا إلى الصين.
بالإضافة لذلك، 12 بالمئة من تجارة العالم البحرية تتم عبر هذه المنطقة. ففي العام الماضي؛ مرت 23 ألف سفينة عبر مضيق باب المندب واستخدمت قناة السويس، وبمقابل ذلك كسبت مصر 8 مليارات دولار، من هذه السفن العام الماضي.
ولكن الحجم الاقتصادي لـ 23 ألف سفينة هائل. تذكر أنه في عام 2021، جنحت سفينة “إيفر غيفن” أثناء دخولها القناة بسبب الرياح، مما أدى إلى إغلاق حركة المرور أمام السفن؛ حينها في غضون 15 يومًا، ارتفعت أسعار النفط، وارتفعت أسعار التجارة البحرية بنسبة 30 بالمئة.
الآن هناك فكر في كيفية تأثير الصراع في هذه المنطقة على التجارة العالمية. يجب أن يكون الصينيون قد فكروا في ذلك، حيث قرروا إرسال ثلاث سفن حربية إلى المنطقة.
البيئة الفوضوية في القرن الأفريقي
أينما وجد عدم الاستقرار؛ فاعلم أن هناك دولًا أجنبية موجودة. وأينما وجد إرهاب عالمي؛ فاعلم أن هناك منظمة استخبارات تقف وراءه. وأينما وجدت بيئة فوضوية؛ فاعلم أن تجار السلاح وأمراء الحرب وتجار المخدرات قد ظهروا.
لذلك، إذا لم تنتهِ الأزمة والفوضى والاضطرابات في مكان ما، فاعلم أن هناك صراعًا على المصالح بين الدول الكبرى، والسبب الرئيسي لوجود هذه الفوضى في جميع هذه الأراضي هو الثروة الباطنية والسطحية، والمكاسب التجارية، والهيمنة الجيوسياسية.
كل الأسباب التي يتم ذكرها مثل حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب والديمقراطية كاذبة تمامًا، فالقرن الأفريقي هو منطقة تشمل كل ما تحدثت عنه، وهو مهم للغاية من الناحية الجيوسياسية، والثروة الباطنية والسطحية الغنية.
حتى صراع البحارة اليابانيين والصينيين للحصول على المنتجات البحرية الرائعة قبالة سواحل الصومال، يكفي لشرح هذا الوضع.
حروب الوكالة وخطر الاحتلال
لقد سقطت في يدي مؤخرًا خريطة تُظهر فقط المجموعات العرقية والمنظمات والقبائل والمليشيات المسلحة في الصومال؛ حيث سيطرت حركة الشباب وتنظيم الدولة والقاعدة على مناطق محددة في البلاد؛ وهذا وحده أخافني.
وإذا قمنا بتكبير هذه الخريطة ستشمل كينيا، وإريتريا، وجيبوتي، وإثيوبيا، واليمن، والسودان، وهذا هو المشهد بالضبط الذي تريده الدول الأجنبية التي لديها أعين في المنطقة؛ حيث تُظهر الخريطة وجود العديد من المنظمات الإرهابية التي يمكن استخدامها، والقبائل التي يمكن شراؤها، والصراعات التي يمكن تأجيجها، وعدم وضوح الحدود، والجهل، والفقر، وعدم الاستقرار.
الآن، إسرائيل وأميركا، وإنجلترا، وفرنسا، وروسيا، والصين، ومصر، وإيران، والسعودية، والإمارات، وتركيا، هي أطراف صراع القوة في القرن الأفريقي. ولا يوجد الكثير مما يمكن للدول الفقيرة وغير المستقرة أن تفعله في وجود دول كبيرة وقوية.
ومع ذلك، فإن معظم الدول والشعوب المتضررة من الأزمة في المنطقة هم من المسلمين.
والآن يمكننا طرح سؤال آخر لا يمكننا أبدًا العثور على إجابة له: لماذا لا تتّحد الدول الإسلامية لحل هذه المشكلة؟
يميل الضغط الخارجي للحرب الإسرائيلية الفلسطينية إلى الانتشار من الشرق الأوسط إلى القرن الأفريقي الآن، وسيؤدّي هذا الصراع السّاخن إلى احتلالات جديدة وهجرات وأزمات اقتصادية.
والآن سنرى كيف ستسير الحرب العالمية الثالثة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.