مراسلو الجزيرة نت
تونس- خلال الاحتجاج الذي نظمه اليوم السبت الاتحاد العام التونسي للشغل قبالة مبنى رئاسة الحكومة، توجه الأمين العام للاتحاد قبل إلقاء خطابه أمام المحتجين بعبارة لزوجة النقابي أنيس الكعبي، القابع في السجن منذ نحو سنة قائلا “الكل سيذهب (للسجن) ليس أنيس الكعبي فقط”.
لم تكن تلك العبارة الوحيدة التي يتفوه بها الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي أمام آلاف المحتجين في ساحة الحكومة بالعاصمة تونس للحديث عن تنامي الملاحقات القضائية وأحكام السجن بحق عدد من النقابيين، فقد دعا ساخرا النقابيين لتهيئة أنفسهم لإمكانية سجنهم.
وشغل أنيس الكعبي منصب الكاتب العام في شركة تونس للطرقات السيارة، وتم اعتقاله العام الماضي عقب إضراب بمحطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة للمطالبة برفع الأجور، ليخضع، بعد ذلك الإيقاف، عدد من النقابيين لجملة من التوقيفات والملاحقات القضائية بتهم الفساد وغيرها.
وقبل يومين اعتقلت السلطات الأمنية الأمين العام المساعد باتحاد الشغل الطاهر البرباري، قبل الإفراج عليه، على خلفية قضية رفعت ضده بـ”تحقيق مكاسب وهدر المال العام” نتيجة تفرغه النقابي، وهذه التهمة لاحقت أيضا عددا آخر من النقابيين “الذين أصبحوا مستهدفين من السلطة” كما يقولون.
تفرد بالحكم
يمثل اتحاد الشغل أكبر منظمة نقابية بالبلاد، وأحد الأطراف الأربعة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 2014 لرعايته الحوار الوطني لإخراج البلاد من أزمة سياسية آنذاك.
ويأتي الاحتجاج الذي ينظمه الاتحاد على خلفية “ملاحقة النقابيين وتعطل الحوار مع السلطة وتدهور الحريات” وفق وصفه، وعقب الزج بعديد من النقابيين في السجون، بتهم يعتبرها الاتحاد كيدية، لضرب الحق النقابي، وتفرد الرئيس قيس سعيد بالحكم، وتعطيل الحوار الاجتماعي، ورفض الحكومة تطبيق اتفاقيات سابقة لتحسين الأوضاع المادية للعمال، وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد.
كما يعتبر اتحاد الشغل أن “السلطة السياسية الحالية لم تتعظ من الأخطاء السابقة المرتبكة من قبل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وأنها فشلت في إدارة البلاد بسبب تفردها بالحكم، والذهاب في مسار أحادي بهدف العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد وقمع الحريات”.
وفي البداية، لم يكن اتحاد الشغل رافضا للتدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، والتي قام بموجبها بحل البرلمان والإطاحة بحركة النهضة، أبرز حزب حكم البلاد بعد الثورة، لكنه راجع موقفه، ولم يعد مؤيدا للرئيس سعيد لخياراته السياسية والاقتصادية.
وقال الأمين العام نور الدين الطبوبي اليوم أمام المحتجين إن “فرصة 25 يوليو/تموز بدأت تتلاشى، نتيجة المنهج الانفرادي الذي ذهب الرئيس سعيد في اتجاهه”، منتقدا خطابات الرئيس سعيد التي اعتبرها “خطابات تفرقة وتخوين وتشويه، وتأليب للرأي العام ضد اتحاد الشغل ونقابييه ومناضليه”.
وأضاف أن “اتحاد الشغل لن يقبل خطابات التهديد والوعيد القادمة من السلطة”، في رسالة تفتح الباب على مصرعيه أمام صراع مفتوح بين اتحاد الشغل والسلطة، في وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمة سياسية، واستمرار سجن عدد من أبرز قيادات المعارضة، بتهم التآمر على أمن الدولة.
صراع مفتوح
وانتقد الطبوبي ما اعتبرها “هجمة شرسة من السلطة”، بسبب مواقف الاتحاد الرافضة لمسار الرئيس سعيد، والرافضة لتنامي التعديات على الحقوق والحريات، والرافضة لما يعتبرها “إشاعة مناخ من الرعب والخوف، لتكميم أفواه وتقييد حرية التعبير والرأي، وضرب استقلال القضاء وغيرها”.
ورفض الطبوبي المزاعم القائلة بأن اتحاد الشغل لم يحرك ساكنا تجاه السلطة خوفا من تحريك ملفات فساد ضد قياداته، مؤكدا أن “الاتحاد كانت لديه روح وطنية حكيمة للتهدئة، في ظل المنعطفات الخطيرة والصعبة التي تمر بها البلاد، لكن السلطة اعتبرت ذلك ضعفا”.
ولا أحد يعلم ما سيؤول إليه الصراع المفتوح بين اتحاد الشغل والسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد، في ظل تواصل انقطاع التواصل وتعطل الحوار الاجتماعي بين الطرفين، لكن قيادات اتحاد الشغل تؤكد أنها ستتخذ كل أشكال النضال للدفاع عن كل مكاسب الحقوق والحريات.
وفي المقابل، يؤكد أنصار الرئيس قيس سعيد أنه “اتخذ القرار الصائب بحشر اتحاد الشغل في الزاوية”، محملين اتحاد الشغل -خاصة بعد الثورة- أسباب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لتنامي الإضرابات في كل القطاعات، مما أثر على الإنتاج والنمو والاستثمار والتشغيل.
ويتهمون اتحاد الشغل بما اعتبروه “تخريبا للمرافق العمومية، من صحة وتعليم ونقل وغيره”، فضلا عن “إغراق الوظيفة العمومية بالانتدابات جراء المحسوبية والفساد”، كما يتهمون قياداته بالحصول على منافع، جراء التفرغ النقابي وعدم قيامهم بالمسؤوليات المنوطة بعهدتهم في وظائفهم.