القدس المحتلة- في حين بدأ القطاع الاقتصادي والتجاري في الجنوب ومنطقة “تل أبيب الكبرى”، إظهار ملامح التعافي وإمكانية الخروج من حالة ركود وشلل كافة المجالات جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا تزال منطقة الجليل الأعلى وشمالي البلاد مغلقة وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وبسبب تصعيد التوتر بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على الحدود اللبنانية، يُتوقع أن يزداد الوضع الاقتصادي والتجاري في المنطقة سوءا، مع تراكم خسائر أصحاب المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، وفروع السياحة، والمطاعم والمقاهي، والترفيه إضافة إلى الشلل الذي أصاب الزراعة وتربية الدواجن والثروة الحيوانية.
كما تُضاف يوميا مزيد من الأضرار الجسيمة للممتلكات والبنية التحتية والطرقات، والمباني العامة، والعمارات السكنية، والمراكز التجارية والصناعية، حيث تم إغلاق قطاع السياحة بشكل شبه كامل، فيما تواجه القطاعات الزراعية المختلفة صعوبة في العمل تحت النيران.
خسائر وأضرار
وبحسب استطلاع أجرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عشية قرب نهاية الشهر الثالث للحرب، أظهرت السوق الإسرائيلية مؤشرات انتعاش في الاقتصاد في معظم مناطق البلاد، باستثناء الجليل الأعلى والمنطقة الشمالية الحدودية مع لبنان.
وشمل الاستطلاع عينة من 1729 مصلحة توظف ما لا يقل عن 5 موظفين على الأقل.
ووفق المسح، فإن نسبة المصالح التي تم إغلاقها أو في حالة الحد الأدنى من التوظيف -أي توظف ما يصل إلى 20% من قوتها العاملة العادية- انخفضت إلى 10% في المنطقة الجنوبية في ديسمبر/كانون الأول الجاري، مقارنة بـ 59% في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن انتعاشا مماثلا ليس واضحا في المنطقة الشمالية والجليل الأعلى، حيث بلغ الرقم المقابل في ديسمبر/كانون الأول 27%، دون تغيير مقارنة بنوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبانخفاض طفيف مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول المنقضي.
ويُستدل من الاستطلاع على المصالح التي أبلغت عن حدوث ضرر جسيم في دخلها يزيد عن 50%، ومع ذلك، تبرز المنطقة الشمالية بشكل سلبي بنسبة 39% من الشركات التي أبلغت عن ضرر بدخلها، مقارنة بـ 42% في نوفمبر/تشرين الثاني و64% في أكتوبر/تشرين الأول.
وفي المنطقة الجنوبية، أبلغت 32% من الشركات عن الضرر بالمدخول، مقارنة بـ 39% في نوفمبر/تشرين الثاني و67% في أكتوبر/تشرين الأول.
بعد 3 أشهر من الحرب، ما زالت وزارة المالية الإسرائيلية غير قادرة على تقدير مدى خطورة الوضع التجاري والاقتصادي في الشمال، وحجم الخسائر التي تكبدتها المصالح التجارية ومختلف الفروع والقطاعات الاقتصادية.
وبناء على طلب صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية، الحصول على بيانات حول الأضرار الناجمة جراء التصعيد على الجبهة الشمالية، ردت وزارة المالية بأنه ليس لديها بيانات محدثة فيما يتعلق بالأضرار مثل خسارة الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل المصالح التجارية والشركات المغلقة.
وتعليقا على رد وزارة المالية، قال رئيس اتحاد الصناعيين في إسرائيل، رون تومر، “إنها ليست حاضرة وغائبة عن الشلل الذي أصاب الاقتصاد في المنطقة، هناك مئات من أصحاب كبرى المصانع في الجليل يطلبون الدعم وتوفير التحصين للمباني ليتسنى عودة الموظفين للعمل”.
ونقلت الصحيفة عن تومر قوله: “المصانع في الشمال والجليل الأعلى غير معتادة على الوضع، فبعضها لديه مناطق ليست محمية، وهي في مرمى الصواريخ التي يطلقها حزب الله، ولا يزال هناك أيضا خطر تسلل المسلحين، لذلك هناك عديد حالات التوقف عن العمل في كافة الفروع والقطاعات”.
نزيف اقتصادي وتجاري
تقول محررة قطاع التسويق في صحيفة “ذا ماركر” عدي دوفرات إن مشكلة نقص اليد العاملة في كافة القطاعات بارزة في الشمال والجليل الأعلى والمناطق الحدودية، لأن عشرات الآلاف من سكان المنطقة تم إجلاؤهم إلى أماكن بعيدة مثل القدس أو تل أبيب.
وأوضحت أنه ليس بمقدور العمال الذين تم إجلاؤهم السفر لـ3 ساعات للوصول إلى عملهم، قائلة إن الشمال “ينزف اقتصاديا وتجاريا دون حتى أن تكون هناك مواجهة شاملة ودون الإعلان رسميا عن حرب مع حزب الله”.
وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فإن 85 مصنعا كبيرا في شمال البلاد والجليل الأعلى تراقبها الوزارة منذ بداية الحرب، انخفض متوسط إنتاجها لنحو 70%، ويرجع هذا الانخفاض إلى قلة العمالة والخوف من الوصول إلى المنطقة والعمل تحت النيران.
وأظهرت بيانات الوزارة أن هناك أيضا عشرات المصانع الصغيرة مغلقة بسبب قربها من الحدود، وإغلاق الطرق والمحاور الرئيسية خشية من صواريخ حزب الله.
وبشأن المصانع والمناطق الصناعية والشركات، يُستدل من بيانات الوزارة أنه منذ “طوفان الأقصى”، تم إخلاء قرابة 15 ألف مصلحة ومصنعا في شمال البلاد وجنوبها.
وتعليقا على الموضوع تقول المستشارة الاقتصادية في قسم الحوافز الحكومية، أفرات نيومان، إن “المتوقع أن يكون الثمن كبيرا وباهظا، هناك أضرار لحقت بممتلكات المواطنين الخاصة، فالحدث في الشمال لا يزال بعيدا عن الانتهاء”، مضيفة أنه لا يمكن تقدير الأضرار المباشرة التي لحقت بالمباني والبنية التحتية والزراعة وغيرها.
ولم تستبعد المستشارة في حال تواصل التصعيد الأمني أن تتجاوز الأضرار المباشرة المليار شيكل (نحو 300 مليون دولار)، وهذا المبلغ لا يشمل الخسائر التي لحقت بالأعمال التجارية والاقتصادية لمختلف الفروع والقطاعات.
نظام التعويضات
وبحسب بيانات سلطة الضرائب الإسرائيلية، حتى الآن، تم تقديم 204 آلاف دعوى بالتعويض عن الأضرار غير المباشرة التي لحقت بالمصالح التجارية في جميع أنحاء البلاد خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتم دفع 167 ألفا منها بقيمة 3.7 مليارات شيكل (أكثر من مليار دولار).
وتقدر سلطة الضرائب أنه عن شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده، سيتم دفع 8 مليارات شيكل ( 2.5 مليار دولار)، كتعويض عن الأضرار غير المباشرة فقط. أما بالنسبة للأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات، فقد تم دفع 600 مليون شيكل (167 مليون دولار) فقط حتى الآن من المليارات التي ستكون مطلوبة لتغطية الخسائر.
وبحسب صحيفة “غلوبس” الاقتصادية، فإن حوالي 80% من الشركات والمصالح التجارية في الجليل والجولان تعتمد على السياحة، كما أن المصالح والقطاعات والفروع -التي ليست ذات طبيعة سياحية مباشرة مثل أماكن المبيت والإفطار والفنادق والمعالم السياحية- ما زالت تعتمد بمداخيلها على السياحة المحلية وتكسب عيشها من السياح الذين يأتون إلى المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى أن الغالبية العظمى من الشركات والمصالح التجارية في الشمال والجليل الأعلى مغلقة، وبعضها موجود في مستوطنات تم إخلاؤها بقرار حكومي، وفي هذه المرحلة، يتم إغلاق جميع الأعمال والمعالم السياحية، باستثناء بعض الفنادق وغرف الضيوف التي تقدم خدمات متنوعة للنازحين أو الجنود.
وأضافت الصحيفة الاقتصادية أنه وفق مسح وزارة الزراعة الإسرائيلية، فإن معظم الأعمال بمختلف الفروع الزراعية في الشمال والجليل تعطلت، علما أن 70% من المراعي وبساتين الفواكه واللوزيات تقع في الجليل الأعلى والجولان المحتل.
ونقلت الصحيفة عن مدير صندوق التعويضات في مصلحة الضرائب أمير دهان، والمسؤول عن نظام التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات قوله: “في حال توقف القتال بهذه المرحلة على الحدود الشمالية، نقدر أن نتلقى ما بين 5000 إلى 7000 دعوى بالتعويض عن الأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات بقيمة 500 مليون شيكل ناهيك عن الأضرار غير المباشرة”.