لم تترك المجاعة القاتلة في قطاع غزة بيتا إلا طرقت أبوابه، ولا طفلا إلا ألقت بثقلها عليه، دون أن تفرق بين مريض أو سليم، كبير أو صغير.
ومع استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي -منذ شهور- في إغلاق معابر القطاع الفلسطيني المنكوب ومنعه إدخال الإمدادات الإنسانية، يعيش السكان كارثة إنسانية غير مسبوقة حيث بات الجوع مشهدا يوميا مأساويا يفتك بجميع الفئات، وعلى وجه الخصوص الأطفال والنساء وكبار السن.
ووسط هذا المشهد المأساوي، تتجلى واحدة من أكثر القصص إيلاما، يرويها المصور الصحفي مجدي قريع، عن ابنه المصاب بالتوحد الذي لم يفهم معنى الحرب أو الحصار، لكنه عبر بلغة الألم الصامتة عن جوعه، كما لم يفعل من قبل.
ولم يكن قريع يتخيل يوما أن يأتيه ابنه المصاب بالتوحد ليعبر عن جوعه، وهو لا يتكلم، إلا أن المجاعة المنتشرة في كافة أرجاء غزة جعلته يأتي إليه، يضرب بيده الصغيرة على بطنه بشدة، في صرخة غير منطوقة لكنها مفهومة “أنا جائع”.
ويقول الصحفي في منشور مؤلم عبر صفحته على فيسبوك “في ظل المجاعة القاتلة، سأتحدث لكم عن ابني المصاب بالتوحد. منذ أن اكتشفت إصابته، كرست وقتي وجهدي لمساعدته على التعلم وملء يومه بين المؤسسة التي يتأهل فيها، والأنشطة الترفيهية كركوب الدراجة الهوائية في ملعب اليرموك، والسباحة في مسبح خاص. ولم يكن يسأل عن الطعام بسبب كثرة خروجه من المنزل، وكان ذلك جزءا من علاجه وتفريغ طاقته السلبية”.
ويشار إلى أنه منذ بداية الحرب “اختفى كل شيء” وتوقف عن اصطحاب ابنه إلى الخارج بسبب موجات النزوح المتكررة، وتدمير الأماكن التي اعتاد الذهاب إليها معه، مضيفا “تغير سلوكه بشكل ملحوظ، وكأن كل ما بنيته معه على مدار سنوات قد انهار فجأة”.
ويتابع “بالأمس، ولأول مرة، جاءني يضرب بيده على بطنه بشدة. إنه لا يتكلم، وكأنه يقول لي بوضوح: أنا جائع. لا يوجد شيء أشتريه له ولا لإخوته. هو لا يعرف أننا في حرب أو في مجاعة.. هو فقط يريد أن يأكل”.
وقد لقي منشور المصور تفاعلا واسعا على منصات التواصل بالقطاع، وعبر كثير من المعلقين عن حزنهم العميق، مؤكدين أن قصة مرضى التوحد هذه ليست استثناء، بل تمثل شريحة واسعة من الأطفال الذين يعانون بصمت.
وعلق أحدهم قائلا “هذه قصة طفل واحد مصاب بالتوحد، لكن هناك مئات الحالات التي لم تكشف بعد في ظل الحرب الوحشية والمجاعة التي تضرب القطاع”.
وأشار مغردون إلى أن كثيرا من أطفال غزة يعانون من سوء تغذية حاد، وأن الحاجة ماسة لتوفير الغذاء والرعاية، لا سيما لذوي الاحتياجات الخاصة، لأنهم لا يفهمون معنى الحرب أو فقدان الطعام، كل ما يريدونه هو أن يأكلوا.
وكتب آخر تعليقا موجعا “بنتي عمرها سنة ونصف السنة، أمس قالت لي: بابا ننه (خبز).. لم أعرف ماذا أقول لها”.
وقد اعتبر مدونون آخرون أن أطفال التوحد في غزة يواجهون صعوبات مركبة، فإلى جانب نقص الغذاء، فإن أصوات القصف المتواصلة منذ ما يقارب 22 شهرا تؤثر عليهم نفسيا وسلوكيا، مما يستدعي تدخلا عاجلا لحمايتهم ورعايتهم.
صباح الخير… خلف كل صباح نعيشه، أطفال غزة يموتون جوعًا وحصارًا خانقًا، بلا ماء ولا غذاء، وبين الركام يبحثون عن الأمان.
🕊 لا تغلقوا قلوبكم عن وجعهم، وادعوا لهم بالفرج والرحمة. #غزة #أطفال_غزة pic.twitter.com/gwGRpHYLX0— Afaf Mugahed Ahmed (@Afaf_mugahed) July 24, 2025
وتساءل كثيرون عن دور المؤسسات الحقوقية والإنسانية فيما يتعرض له الأطفال في غزة، لا سيما المصابين بمرض التوحد وذوي الإعاقات الذهنية الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة لا تتوافر في ظل الحرب والحصار.