تنفّس الديمقراطيون في الولايات المتحدة الصعداء يوم الاثنين الماضي 22 يوليو/تموز، وبين هؤلاء العديد من التقدميين، وذلك عند سماعهم أن الرئيس الأميركي المسنّ جو بايدن قد استجاب أخيرًا للدعوات المطالبة بتنحيه عن مساعي إعادة انتخابه لولاية ثانية، والانسحاب من السباق الرئاسي.
ورغم أن الأخبار انتشرت يوم الأحد ولم تكن مفاجِئة، فإن البلاد لم تتوقف عن حبس أنفاسها حتى يوم الاثنين. وبعد التكيف مع المعطيات الجديدة، بدا الأمر وكأننا نخرج ببطء من تحت غطاء من الهلاك مع بدء رئاسة ترامب الثانية التي كانت تبدو حتمية. سجل ترامب وطموحاته المعلنة كانا بمثابة نذير نهاية لهذه التجربة الأميركية في الحكم الذاتي.
وفقًا لبعض المؤرخين، لم تتعزز الديمقراطية الأميركية بإعلان الاستقلال، أو حتى التصديق على الدستور في عامي 1776 و1788 على التوالي، بل عندما ألقى جورج واشنطن خطاب الوداع وغادر البيت الأبيض، في أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ البلاد.
بذل ترامب قصارى جهده لإنهاء هذه السابقة التاريخية، واستمر “الانقلاب الغبي” الذي قاده في 6 يناير/كانون الثاني 2021 في هز أميركا حتى النخاع. عندما برزت كامالا هاريس فجأة إلى دائرة الضوء، أصبحت المنافسة الرئاسية ذات معنى مرة أخرى. كان الاختيار بين رجلين أبيضين في عقدهما الثامن يرمز إلى الصراعات المتكررة في عالم يحتاج إلى تحول شبه كامل.
بالطبع، من غير المرجح أن يحقق مرشح مرتبط ارتباطًا وثيقًا ببايدن، مثل كامالا هاريس، تطلعاتنا نحو عالم أفضل، لكن هذا ما شعر به الناس يوم الاثنين 22 يوليو/تموز.
مع قرب حملة انتخابية تفتقر إلى الجوهر وتركز على التوافه، فإن إلقاء نظرة، على ما قيل قد يقدم مؤشرات حول ما سيأتي. الإطار الإعلامي الذي كان يتابع موقف الأحزاب السياسية في الانتخابات، وخاصة الحزب الديمقراطي أثناء الانتخابات، سيطر عليه تعبير “الفوضى”، والتأكيد على أن “الحزب في أزمة”، مع عناوين مثل “تحليل: الديمقراطيون في حالة من الفوضى مع تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس بايدن سينسحب”.
ولكن بمجرد أن أعلنت هاريس أنها ستترشح، ارتفعت أرقام التبرعات لها بشكل كبير، مما أدى إلى تغطية إعلامية متحمسة. أظهرت التبرعات الصغيرة، وكثير منها من المؤيدين لأول مرة، أن هاريس تتمتع بدعم شعبي. اغتنم مدير حملتها كيفن مونوس الفرصة ليضيف أن التدفق التاريخي لدعم هاريس “يمثل بالضبط نوع الطاقة والحماس الشعبي الذي يفوز بالانتخابات”.
ومع انتشار هذا الخبر وورود التأييد من مندوبي بايدن ونخب الحزب الديمقراطي القوية، استمر المزاج في البلاد في التحول الزلزالي. أصبحت العناوين الرئيسية وآراء الخبراء أكثر تفاؤلًا.
ولكن مثل هذه اللحظات في الحملات التي تقودها وسائل الإعلام عابرة، وستواجه هاريس قريبًا دونالد ترامب، الذي سخر بالفعل من ضحكتها، قائلًا: إنها تجعلها تبدو “مجنونة”. يمكننا أن نتخيل وابل الهجمات السلبية القادمة لهاريس، ومعظمها اغتيالات للشخصية من الجمهوريين. وقد زعم بالفعل اليميني المتطرف جي دي فانس أن كامالا هاريس، كمهاجرة (رغم أنها ولدت في الولايات المتحدة) لا تعبّر عن امتنانها الكافي لأميركا.
بحلول ليلة الاثنين، قدم المذيع السابق في قناة “إم. إس. إن. بي. سي” مهدي حسن للمرشحة الرئاسية الجديدة سبع نصائح لحملتها. في حديثه على موقعه الإخباري الرقمي الجديد “زيتيو”، بدأ حسن بـ “الهجوم، الهجوم، الهجوم”، لأنه قال، “سوف يهاجمونك؛ سياساتك، جنسك، عرقك، ملابسك، والديك …”، نصحها بملاحقة ترامب، “والوقوف ضد إجرامه واستبداده”، وخاطبها قائلًا: أظهري لهم “المدعي العام الذي أنت عليه”.
في الواقع، فعلت هاريس ذلك بالضبط يوم الثلاثاء. في تجمع انتخابي، أشارت إلى دورها كمدعية عامة في قاعة المحكمة قائلة: “لقد واجهت مرتكبي الجرائم من جميع الأنواع: المعتدين الذين أساؤوا معاملة النساء، المحتالين الذين نهبوا المستهلكين، الغشاشين الذين خالفوا القواعد لتحقيق مكاسبهم الخاصة”. وسط تصفيق حار، اختتمت قائلة: “أنا أعرف نوع دونالد ترامب”.
الخبراء الآن في حالة انتظار وترقب؛ لأن المدعية العامة السابقة ستواجه المجرم المدان، وستعمل على محو ذكرى أداء بايدن غير المتماسك. ومن الواضح أن دونالد ترامب لا يتطلع إلى ذلك، حيث قال إنه لن يناظر على شبكة “إيه بي سي” الإخبارية، ويريد تغيير المكان إلى شبكة “فوكس نيوز” الإعلامية اليمينية المتعاطفة. ولن تمانع كامالا هاريس في التغيير وستهاجمه على أي وسيلة إعلامية.
كانت نصيحة حسن الثانية لهاريس؛ هي التركيز في هجومها على عمر ترامب، حيث ستشير بأصابع الاتهام الآن إلى ترامب باعتباره أقدم مرشح للرئاسة على الإطلاق. واعترف حسن بأن هذا أمر ساخر بعض الشيء “لكن افعلي ذلك على أي حال”.
النقطة الثالثة؛ هي اتخاذ موقف مختلف بشأن غزة. ويشير حسن إلى أنها كانت أول من طلب من الإدارة في البيت الأبيض أن تكون “أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين”. وذكرها بأنها وجهت نداء مبكرًا لوقف إطلاق النار. وقال لها: “يمكنك استعادة الناخبين في ميشيغان وجورجيا الذين صوتوا وهم غير ملتزمين في الانتخابات التمهيدية”، احتجاجًا على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
على الرغم من أن حسن وضع الحاجة إلى “إعادة ضبط غزة”، في المرتبة الثالثة على قائمته، فإن هذا بالنسبة للعديد من الديمقراطيين التقدميين الشباب هو الإجراء الأول، والأهم الذي يجب على هاريس اتخاذه للحصول على أصواتهم.
أجرت “الديمقراطية الآن!” مقابلة مع امرأة يهودية شابة كانت أول من استقال من إدارة بايدن؛ بسبب دعمها غير المشروط للإبادة الإسرائيلية. في الجزء الذي حمل عنوان “موظف بايدن السابق الذي استقال بسبب غزة يقول إن كامالا هاريس يجب أن “ترسم مسارًا جديدًا بشأن إسرائيل وفلسطين”، قالت ليلي غرينبيرغ كول، التي عملت في الحملة الرئاسية لهاريس في عام 2019، لأيمي غودمان، “يشاهد الناس، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إبادة جماعية تُبث مباشرة، وهم يدركون أن دولارات دافعي الضرائب والأسلحة الأميركية تُستخدم لقتل الأطفال، وهم غير راضين عن ذلك”.
لا، ما زلنا غير راضين عن ذلك. ففي وقت مبكر من 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا 80% من الديمقراطيين إلى وقف إطلاق النار. وأُرسلت عريضة إلى كامالا هاريس بسرعة تطلب منها عدم التصفيق لأي شيء قد يقوله بنيامين نتنياهو خلال خطابه في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي يوم الأربعاء.
وأثار الظهور المقرر لنتنياهو المتهم بجرائم حرب في “الكابيتول هيل” غضب الناخبين المناهضين للإبادة الجماعية، مما أدى إلى احتجاجات سلمية في واشنطن العاصمة حيث اعتقل أكثر من 500 متظاهر يهودي؛ لأنهم رفضوا مغادرة مبنى “الكابيتول” حتى تفرض الولايات المتحدة حظرًا على جميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.
لا يسعنا إلا أن نأمل أن تستمع هذه المرشحة إلى إرادة الشعب الأميركي وتعمل كممثلة لهم، وليس كحاكم استبدادي متحالف مع قوة استعمارية بيضاء، هي الآن دولة إبادة جماعية منبوذة. بينما نحاول إعادة تنشيط هذه الديمقراطية الهشة، فإن الخبر السار هو أن كامالا هاريس كانت قد قررت عدم حضور خطاب نتنياهو، فقد كان لديها مهرجان انتخابي في إلينوي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.