يرى الكاتب الإسباني خوان غابرييل فاسكيز أن فوز دونالد ترامب بالرئاسة يعكس أزمة هوية في الولايات المتحدة، ويُعطي أملا للمستبدين في أنحاء العالم بأنه يمكنهم الوصول إلى السلطة إذا نجحوا في خداع شعوبهم واللعب على وتر مخاوفهم وتطلعاتهم.
وقال الكاتب في مقاله الذي نشرته صحيفة “إلباييس” الإسبانية، إن جميع الدول تستند في جوهر وجودها إلى نوع من الخيال، وقد يكون عبارة عن هوية موحدة متجاوزة للانقسامات مثل “الحرية والمساواة والأخوة”، أو قصة صعود إمبراطورية ثم أفولها، أو حلما طموحا لم يتحقق على أرض الواقع.
وحسب تعبيره، فمن بين جميع الخيالات الغربية يبقى الخيال الأميركي هو الأكثر جموحا، إذ سعت الولايات المتحدة منذ تأسيسها إلى بناء هوية موحدة في أحد أكثر المجتمعات الإنسانية تنوعا، وروّجت لتجربتها من خلال شعارات مثل “الحلم الأميركي” و”ملتقى الثقافات” و”أعظم أمة على وجه الأرض”.
وأضاف أن جميع السياسيين الأميركيين يرددون هذه العبارات بشكل متكرر، بل إن ترديدها أصبح شرطا أساسيا للوصول إلى أي منصب عام، معتبرا أن الهوية الأميركية -على عكس غيرها من الهويات- تتشكل وتتجدد باستمرار وتعتمد على تصور الأميركيين عن أنفسهم.
أزمة هوية
وفي سياق تنافس مرشحي الرئاسة في خضم الانتخابات الأخيرة على أي منهما يعبّر عن الهوية الأميركية، تحدثت المرشحة الديمقراطية التي خسرت الانتخابات كامالا هاريس في أحد خطاباتها عن الفرق بين رؤيتها ورؤية ترامب، وقالت إن خصمها يسعى إلى تقسيم المواطنين ونشر الخوف، وإنها جاءت لتؤكد لـ”أميركا أن هذا لا يمثل حقيقتنا”.
وأشار الكاتب إلى أن الرد جاء بعد أيام بـ73 مليون صوت لفائدة ترامب، وانتصار جمهوري في مجلس الشيوخ وحتى في مجلس النواب، لتصل رسالة واضحة إلى هاريس بأن ترامب هو من يعبر عن الهوية الأميركية في الوقت الراهن.
ويرى الكاتب أن فوز ترامب يعكس أزمة هوية في الولايات المتحدة، وقد يستغرق الأمر سنوات طويلة لفهم الأسباب التي أوصلت ترامب إلى الرئاسة مجددا، معتبرا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن ترامب نجح في صياغة رؤية قائمة على الاستياء والانتقام والكراهية، وقد وجدت هذه الرواية صدى واسعا لدى ملايين الناخبين.
ترامب نجح في صياغة رؤية قائمة على الاستياء والانتقام والكراهية، وقد وجدت هذه الرواية صدى واسعا لدى ملايين الناخبين.
وتابع قائلا إن الرؤية الخيالية التي روّج لها ترامب لم تكن تقوم على استعادة مجد أميركا السابق، بل حول حماية الواقع البائس، وفكرة أن هناك “عدوا داخليا” يهدد حريات الأميركيين، وأن “الغرباء” يمثّلون خطرا على قيم المجتمع.
كما أكد الكاتب أن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يبعث برسالة إلى المستبدين الطامحين إلى اعتلاء سدة الحكم في مختلف أنحاء العالم بأن المجتمعات الهشة قابلة لتصديق أي كذبة كبيرة، بشرط أن يكون قائلها بلا ضمير.
مخاوف من رئاسة ترامب
ووفقا للكاتب، فإن ترامب كان يرى في عودته إلى السلطة ضرورة ملحة لإنقاذ نفسه من الملاحقات القضائية واحتمال دخول السجن، لذلك من المنتظر أن يكون أحد أول قراراته عند استلام المنصب أن يصدر عفوا عن نفسه، وهو ما عبّر عنه في تصريح سابق قائلا إنه “سيكون دكتاتورا ليوم واحد”.
وأضاف الكاتب أن تجاوزات ترامب متعددة ومتنوعة لدرجة غير مسبوقة في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، ولم يصل أي رئيس أميركي آخر إلى هذا المستوى من السلوكيات المثيرة للجدل، مضيفا أن معارضيه أعلنوا مرارا مع كل فضيحة جديدة أن نهايته السياسية اقتربت، لكنهم كانوا مخطئين في كل مرة.
والأخطر -من وجهة نظره- هو أن ترامب ينوي الاستمرار في ألاعيبه السياسية، فبعد أن نجح في تسويق روايته المرعبة لجذب أصوات من يشعرون بالقلق جراء التحولات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أنه بحاجة لمواصلة هذا النهج ليتمكن من تثبيت سلطته خلال الفترة الرئاسية الثانية.