اندفع المدرس والناشط عبد الكافي الحمدو بسيارته باتجاه حلب هذه الجمعة عند سماعه خبر تحريرها، متجاهلا بذلك تحذيرات قوات المعارضة المسلحة السورية بأن الوضع لا يزال غير آمن كليا، وما كاد أن يدخل شقته التي نزح منها في 2016، حتى أمسك هاتفه المحمول وصور مقطعا من شرفة شقته، تماما حيث وقف قبل 8 سنوات.
بهذا افتتح تقرير لموقع إنترسبت قصة الناشط الحمدو الذي أكمل بدوره وصف يوم نزوحه، وكان آخر ما رآه حينها أكوام الأنقاض التي خلفها قصف القوات الموالية للحكومة السورية بدعم من روسيا، وكان الحمدو قد أمضى شهورا في توثيق الموت والدمار والمجازر من حوله على أمل أن تضع الدول الأخرى حدا للعنف الجاري، ولكن بلا طائل.
وفي آخر مقطع مصور قبل نزوحه تحدث إلى كاميرا هاتفه عن فقدانه الثقة في المجتمع الدولي، وأعرب عن قلقه على عائلته، وقهره من مشاهد جنود الحكومة وهم يحتفلون فوق جثث الثوار، وكان قد انضم للثورة السورية في 2011، التي “بثت في روحه الحياة” ضد “ديكتاتورية عائلة الأسد وحزب البعث الذي حكم البلاد لأكثر من 50 عاما”.
وفي السنوات الماضية، عاش وعائلته في منطقة قريبة من حلب تحت سيطرة المعارضة، وأمضى أيامه في تدريس الأدب الإنجليزي في جامعة حلب الحرة، حيث روى قصصا عن منزله لأولاده وطلابه، مؤكدا رغبته في التحرر من حكومة الرئيس المخلوع بشار الأسد، وواعدا نفسه وإياهم أن يكون من أول العائدين إذا ما تحررت مدينته، وفق الموقع.
جذور مفقودة
ومرت الأيام، وكبرت طفلة الحمدو التي كان عمرها 10 أشهر حين النزوح، وأصبح عمرها 8 سنوات، كما صار لها أشقاء بعمر 6 سنوات وسنة ونصف، وأصبح بإمكان والدهم هذا الأسبوع لأول مرة أن يريهم أن “لديهم جذورا تاريخية، وأن لديهم أقارب”.
وقال الحمدو لموقع إنترسبت “لا يمكنك أن تتخيل مشاعري لدى عودتي، كنت أركض كالطفل، كنت أبكي وأبكي”.
كما سمحت عودة الحمدو بلم شمله مع شقيقته وعمته وعمه، بالإضافة إلى والده الذي لم يره منذ 20 عاما، وعندما التقوا أخيرا، احتضن الأب البالغ من العمر 85 عاما ابنه بقوة، وقبله مرارا وتكرارا، قائلا إنه لم يكن يعتقد أنه سيعيش ليراه مرة أخرى.
وأخذ الجد أحفاده بعد ذلك ليريهم معالم المدينة القديمة -كما ذكر الحمدو- وزاروا باحاتها وأسواقها، وأخذهم لزيارة قلعة حلب التي لم يروها إلا بالصور.
أرواح ما زالت تبكي
وتابع الحمدو أنه زار قبور أصدقائه الذين قتلوا في الحرب، وبكى أمامهم ودعا لهم، وطلب منهم أن يسامحوه لأنه تركهم عندما أُجبر على الخروج في 2016.
ومضى إلى ذكر زيارته نهر قويق، وهو مجرى مائي قديم يمر عبر المدينة، حيث جرفت المياه في 2013 ما لا يقل عن 230 جثة من المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد، وقضى أغلبهم بطلقات نارية في الرأس، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم، وأفواههم مقفلة بشريط لاصق، وقد ألقت جماعات حقوق الإنسان باللوم على حكومة الأسد في مقتلهم.
وعلق الحمدو بمقطع مصور أمام النهر قائلا “عشرات الأرواح لا تزال تبكي من أجل العدالة، لهذا عدنا إلى حلب، لنجلب العدالة لهؤلاء الذين لم يحصلوا عليها”.
وأكمل “أيها العالم، أنت مسؤول أيضا عن محاسبة الذين ارتكبوا مثل هذه الجرائم”.
تطلع للمستقبل
ولفت التقرير، بقلم مراسل الموقع المتخصص بالسياسة جوناه فالديز، إلى أن هناك كثيرين مثل الحمدو، الذين عادوا إلى حلب حاملين معهم ذكريات الفقد والنزوح الطويل، محتفلين بفرصة رؤية مدينتهم لأول مرة منذ ما يقارب عقدا من الزمن، والعودة لمنازلهم وأقاربهم وأصدقائهم.
وفي حلب وحماة وصيدنايا وحول البلاد، أطلق الثوار سراح مئات السجناء الذين عانوا سنوات من “التعذيب والظلم في سجون النظام”، ليواجهوا الآن واقعا مختلفا، وفق التقرير.