منذ فترة طويلة، يخوض الملياردير الجنوب أفريقي، مالك منصة “إكس” (تويتر سابقًا) إيلون ماسك، حربًا ضد قاضٍ في المحكمة العليا البرازيلية، ألكسندر دي مورايش؛ بزعم الدفاع عن حق الشعب البرازيلي في “حرية التعبير” على منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة.
بيدَ أن هذا النزاع لم يحقق أي تقدم ملموس فيما يتعلق بتعزيز حرية التعبير للبرازيليين. بل على العكس، سلط الضوء على نفاق خطاب ماسك المطلق بشأن حرية التعبير، وكشف عن التهديد المباشر الذي يشكله قادة التكنولوجيا مثله – الذين يرون أنفسهم فوق القانون وإرادة الشعوب – على الديمقراطية.
بدأ الخلاف بين “المطلق” المزعوم لحرية التعبير والقاضي البرازيلي في يناير/كانون الثاني 2023، بعد أن اقتحم أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، اليميني المتطرف، الكونغرس الوطني، محرضين عبر ادعاءات كاذبة عن تزوير الانتخابات، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولوا الإطاحة بالعنف بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا من اليسار، لولا دا سيلفا.
تحرك مورايش، الذي كان يقود عدة تحقيقات تستهدف بولسونارو وعددًا من المقربين منه وأنصاره، وأصدر أوامر سريعة لشركة “إكس” بتقييد أو إزالة الحسابات التي ساهمت في تأجيج هذا الهجوم الصادم على الديمقراطية البرازيلية.
كانت طلبات مورايش قانونية ومتوافقة مع مسؤولياته بموجب الدستور البرازيلي، لكن ماسك صورها على أنها هجمات على حرية التعبير والديمقراطية من قبل قاضٍ مدفوع أيديولوجيًا ومدعوم من حكومة لولا اليسارية. وعلى الرغم من استجابته لطلبات مماثلة من حكومات استبدادية يمينية، مثل حكومة الهند، دون احتجاج كبير، فإن ماسك وضع نفسه في مواجهة مع السلطة القضائية في البرازيل، مما يعكس التزامه ليس بحرية التعبير، بل بحماية مصالح اليمين المتطرف العالمي الذي أصبح مرتبطًا به بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
في 3 أبريل/نيسان، نشر الصحفي الأميركي مايكل شيلنبرغر مجموعة من الاتصالات بين ممثلين مختلفين للقضاء وموظفي “إكس” في البرازيل. تم تصنيف هذه الاتصالات باسم “ملفات تويتر – البرازيل”، لكنها لم تكشف سوى عن جهود القضاء لإزالة المحتوى الضار والأفراد من المنصة. حتى طلب بيانات من القضاء في ولاية ساو باولو المتعلق بتحقيق في جريمة منظمة تم تضمينه في الملف، وتم وصفه من قبل أنصار ماسك بشكل غير مبرر كمثال على هجمات القضاء على حرية التعبير – والديمقراطية – في البلاد.
وبعد أشهر، شارك ماسك نفسه، من خلال حساب “الشؤون الحكومية العالمية” لمنصة “إكس”، اتصالات سرية من القاضي مورايش، التي كان يطلب فيها تعليق حسابات معينة. ومع ذلك، لم تسفر محاولات ماسك لإحراج النظام القضائي البرازيلي عن شيء، حيث لم تكشف الوثائق عن أي مخالفة للقانون البرازيلي من قبل القضاء.
منذ ذلك الحين، واصل ماسك استهداف القاضي مورايش علنًا، ووصفه بـ”الدكتاتور” وحتى بـ”دارث فيدر البرازيل” في منشورات عامة على “إكس”. “هذا القاضي خائن بشكل صارخ ومتكرر للدستور والشعب البرازيلي. ينبغي عليه أن يستقيل أو يتم عزله”، غرد ماسك. وصلت استفزازاته إلى ذروتها في 17 أغسطس/آب، عندما أعلن أنه سيغلق مكتب “إكس” في البرازيل – مما أدى إلى تسريح جماعي – لحماية موظفيه من القاضي مورايش. كما رفض تعيين مستشار قانوني لمنصة “إكس” في البرازيل، تاركًا الشركة في حالة انتهاك صارخ للقوانين المحلية.
وفي رد فعل، أمر القاضي مورايش في 31 أغسطس/آب بـ”التعليق الفوري والكامل والتام لعمليات منصة إكس” في البلاد “حتى يتم الامتثال لجميع أوامر المحكمة، وتسديد الغرامات المستحقة، وتعيين ممثل قانوني جديد للشركة”.
منذ ذلك الحين، لم يتمكن حوالي 40 مليون برازيلي من الوصول إلى حساباتهم على المنصة بشكل قانوني.
رغم أن استهداف ماسك لقاضٍ يقوم بعمله أمر غير مقبول، وحظر منصة “إكس” يعد بالتأكيد مصدر إزعاج للشعب البرازيلي، فإن المسألة المطروحة تتجاوز بكثير مجرد قدرة الأمة على الوصول إلى منصة تواصل اجتماعي معينة أو خلاف شخصي بين قاضٍ وملياردير تقني. ما نتعامل معه هنا هو المثال الأحدث والأكثر فجاجة لمحاولة شركة متعددة الجنسيات – في هذه الحالة مملوكة لشخص يتعاون علنًا مع اليمين المتطرف – فرض سيطرتها على حكومة منتخبة ديمقراطيًا، وقوانين دولة ذات سيادة تحت ستار الدفاع عن الحرية والديمقراطية.
رفض ماسك العلني للامتثال للقانون البرازيلي، ومطالبته باستقالة قاضٍ في المحكمة العليا لأنه أصدر أوامر لا يوافق عليها، وإشارته إلى أنه هو، وليس قضاة أعلى محكمة في البلاد، مَن ينبغي عليه تفسير القانون البرازيلي وتحديد حدود حرية التعبير في البلاد، تظهر الخطر الذي يشكله المليارديرات “التقنيون” – الذين يسيطرون على وسائل الاتصال – على الديمقراطية.
هذا لا يعني أن القاضي مورايش أو المحكمة العليا نفسها فوق النقد. بالفعل، هناك نقاش حادّ في البرازيل حول مدى تناسب أفعال القاضي، وما إذا كانت بعض مطالبه من منصات التواصل الاجتماعي (خاصة إزالة الحسابات التي لا يبدو أنها تشكل تهديدًا فوريًا لأحد أو ترتكب جريمة في الوقت الحالي)، ترقى إلى مستوى “الرقابة المسبقة”. النقاش العام حول تصرفات القضاء رفيعة المستوى أمر طبيعي وصحي وضروري جدًا في الديمقراطية.
لكنْ هناك فرق كبير بين انتقاد سلوك قاضٍ في المحكمة العليا من داخل البلد الذي يخدمه، وبين حملة واسعة يقودها ملياردير أجنبي – بالتنسيق مع نشطاء وسياسيين من اليمين المتطرف – تهدف إلى تقويض تحقيقاته في محاولة انقلاب وجرائم أخرى ضد الديمقراطية البرازيلية. الأول هو عنصر مهم في الديمقراطية، بينما الثاني محاولة فاضحة لتقويضها.
التنسيق بين ماسك وعناصر اليمين المتطرف البرازيلية التي تستهدفها تحقيقات مورايش ليس سرًا. في 7 أبريل/نيسان، قدم عضو الكونغرس “الليبرتاري” جيلسون ماركيز مشروع قانون لسجن القضاة الذين يعلقون منشورات وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بسبب الآراء السياسية. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، رحب أنصار بولسونارو بماسك كبطل جديد لحركتهم اليمينية المتطرفة في مظاهرة بريو دي جانيرو حضرها عشرات الآلاف. خاطب بولسونارو الحشود وأشاد بماسك، مشيدًا به كرجل “يهتم حقًا بحرية الجميع”.
يحاول أنصار بولسونارو تصوير أنفسهم كضحايا للاضطهاد السياسي اليساري، ويصورون ماسك كمنقذ محتمل لهم. لكن الحقيقة هي أن قاعدة بولسونارو لا تهتم بالديمقراطية ولا تحترمها – كما أوضحت بمحاولة انقلابها في يناير/كانون الثاني الماضي – وهي الآن تشجع مليارديرًا أجنبيًا على مهاجمة قوانين ومؤسسات بلدها لإنقاذ زعيمها وحركتها من مواجهة العدالة أخيرًا.
في يوم الأربعاء الماضي، حاول ماسك الالتفاف على حظر “إكس” في البرازيل من خلال تحديث شبكته التواصلية، مما أتاح لبعض المستخدمين في البلاد الوصول إلى المنصة بدون استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، مما يوضح مرة أخرى أنه لا يحترم القانون البرازيلي.
يبقى أن نرى كيف سترد المحكمة العليا على هذا التصعيد الأخير، وما إذا كانت منصة “إكس” لا تزال تملك مستقبلًا في البرازيل كمنصة رئيسية. لكن الشيء المؤكد هو أن ما نشهده في البرازيل اليوم ليس مجرد نزاع بين ملياردير ليبرتاري وقاضٍ تقدمي متشدد حول حدود حرية التعبير. إنه محاولة فاضحة من قبل ملياردير تقني لديه روابط مع اليمين المتطرف لفرض هيمنته على نظام قضائي مستقل لدولة ديمقراطية ذات سيادة. ما نشهده هو هجوم على الديمقراطية البرازيلية، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.