نشر الرسام البولندي إيغور دوبرولسكي مشهدا ساخرا جسّد من خلاله ممارسات الجيش الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، من خلال عمل فني أطلق عليه عنوان “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.
في المشهد الساخر الذي نشره عبر صفحته على “إنستغرام”، أدى دوبرولسكي دور جندي إسرائيلي يدخل مدججا بالسلاح إلى أحد المنازل في قطاع غزة ليجد طفلا رضيعا نائما على سريره فيقوم بتفخيخ السرير بالمتفجرات.
بعدها، يجد الجندي دراجة في الغرفة فيركبها ويتجول بها داخل الغرفة، ثم يأخذ لقطة سيلفي مع سرير الطفل ليكتشف بعد ذلك أنه يقوم بأفعال خارج نطاق العقل فينزل عن الدراجة ويطرحها أرضا ويحرك هزاز السرير ويترك الغرفة وينصرف مسرعا.
ويبدو أن الفنان البولندي استلهم المشهد من مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر خلالها جنود إسرائيليون وهم يعبثون بمقتنيات منازل غزة، وهو ما علق عليه بالقول ساخرا، “تساءلت عدة مرات في حياتي كيف كانت الأجواء بين المضطهدين في معسكرات الاعتقال، والآن أنا مقتنع بأنهم قضوا وقتًا ممتعًا”.
وأضاف، “يظهر الفيديو الجنود في منطقة غزة وهم يسخرون من تدمير ضحاياهم وتجريدهم من إنسانيتهم. أود أن أذكركم بأن جيش الدفاع الإسرائيلي هو من أغنى الجيوش في العالم، وأن الفلسطينيين في منطقة غزة فقراء للغاية”.
ولم يكن هذا هو الموقف الأول الذي يعلن فيه الرسام البولندي تضامنه مع ضحايا غزة من الأطفال، ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشر دوبرولسكي صورة لجثث ثلاثة من الأطفال وكتب عليها “غزة.. الحرب”.
وقال، “الحرب قوة مدمرة تؤثر على جميع الأطراف المعنية، وتحول الضحايا إلى مضطهدين والجناة إلى ضحايا. إنها هاوية مظلمة تستنزف كل شيء وكل شخص. كثيرا ما نضفي طابعا رومانسيا على الحرب، ونتخيلها وكأنها فيلم من أفلام هوليود يضم أبطالا خالصين وأشرارا مظلمين. ومع ذلك، يجب أن نشعر بالرعب كلما سمعنا عن الحرب، لأنها لا تجلب سوى المعاناة”.
وأضاف، “في الحرب، يتم التعامل مع الضحايا وكأنهم قمامة يمكن التخلص منها، في حين أن حفنة فقط من الأفراد الأكثر ثراء يستفيدون ويحصلون على السلطة. إن دموع الأم لها نفس الطعم، سواء حدث الموت في فلسطين أو إسرائيل، أو أوكرانيا أو روسيا، أو العراق أو الولايات المتحدة، أو في أي مكان آخر”.
وتساءل، “ما الجريمة التي ارتكبها أطفال غزة غير ولادتهم فيما يمكن وصفه بمعسكر اعتقال منذ عام 2007؟ يعد قطاع غزة أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، فهو أكثر سكانًا من طوكيو. لا شيء ولا أحد يستطيع الدخول، لا أحد يستطيع الخروج. ونصف السكان الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة هم من الأطفال”.
وفي 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذهب دوبرولسكي إلى السفارة الإسرائيلية في العاصمة البولندية وارسو رافعا لافتة كتب عليها “نحن نشاهد الإبادة الجماعية التي ترتكبونها”، وعلق “أعبر عن معارضتي للإبادة الجماعية التي تجري في قطاع غزة. هذه الإبادة الجماعية مستمرة منذ 75 يومًا. الضم غير القانوني لفلسطين مستمر منذ 75 عامًا”.
وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشر صورة لمعسكرات الاعتقال التي أقامتها إسرائيل في غزة قائلاً، “هذه ليست ألمانيا النازية، هذه هي غزة في عام 2023. تخبرنا إسرائيل أنها تهاجم فقط جنود حماس، لكن في مقاطع الفيديو التي نشروها يمكننا أن نرى حرفيا أطفالا صغارا.. أطفال صغار!!!”.
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشر مقطع فيديو على صفحته بإنستغرام تحت عنوان “في كل مرة أنظر إلى وجهي أبكي… وأتمنى أن يعود وجهي كما كان… أصيب الطفل علي مشتهي (11 عاما) إثر انفجار قنبلة على منزل عائلته، أدى إلى مقتل 12 فردا من عائلته. وتطلب الأسرة المساعدة في السفر لتلقي العلاج”.
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2024، نشر مقطع فيديو لجنود إسرائيليين يطلقون النار على امرأة فلسطينية في غزة أثناء استسلامها ورفعها الراية البيضاء.
وعلق دوبرولسكي على المشهد قائلا، “تُظهر اللقطات مقتلها برصاص القوات الإسرائيلية في شوارع غزة يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بينما كانت المرأة وآخرون يحاولون الإخلاء وهم يحملون الأعلام البيضاء. ووفقا لكبرى منظمات حقوق الإنسان، يمكنك التأكد من أن إطلاق النار على المدنيين الذين يحملون العَلم الأبيض هو سلوك شائع جدا للجنود الإسرائيليين”.
من إيغور دوبرولسكي؟
ولد إيغور دوبرولسكي في عام 1987 في مدينة غيلينيا غورا بمحافظة سيليزيا السفلى جنوب غربي بولندا، وبدأ مغامرته مع عالم الفن في عام 2016، فاستطاع خلال وقت قصير أن يكون موضع تقدير واكتسب شهرة في جميع أنحاء العالم.
أمضى دوبرولسكي ساعات في الرسم مستمدًا إلهامه من مسقط رأس طفولته ومجموعة الكتب الفنية الخاصة بعائلته والتي كان لها تأثير عميق على ممارسته وهو ما عبر عنه بقوله، “في ذلك الوقت، كنت أقرأ عما يحدث في العالم وأذهلتني الصدمة والألم والمعاناة – أردت أن أفعل شيئًا ما. لقد كانت طريقتي للتعبير عن نفسي وشعرت بها في قلبي. كنت فقط أرسم وأنام. الرسم والنوم. تحاول أن تحدث فرقا”.
وبدافع من الرغبة في نقل قصص حقيقية، أطلق دوبرولسكي سلسلة من حملات فن الشارع في بلدان مختلفة، مستخدمًا فنه للجمع بين النزعة الاستهلاكية الغربية والمعاناة الإنسانية التي يعيشها العالم الثالث.
وعبر الفنان البولندي من خلال لوحاته التشكيلية عن التأثير الضار الذي أحدثه انهيار مصنع للأزياء الحديثة والموضة في بنغلاديش والذي أدى إلى وفاة أكثر من ألف عامل.
وفي عام 2017، أطلق من برلين حملة بعنوان “عيد الميلاد في اليمن” تضمنت مشاهد مجمعة من الحرب والفقر وعلق عليها بقوله، “أريد فقط أن أعطي صوتًا لمن لا صوت لهم. لأن العالم بالنسبة للكثيرين هو شيء لا يرحم”.
عرض دوبرولسكي أعماله في مدن عالمية عديدة مثل ميامي وتايوان ولندن ولوس أنجلوس وبرلين ووارسو ورزيشوف وفروتسواف، بالتعاون مع المعارض الشهيرة مثل معرض مادوكس في لندن ومعرض غين هوانغ في الصين.