في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، قدم ديفيد روجر الرئيس التنفيذي لشركة “نيورا روبوتكس” (NEURA Robotics) الألمانية رؤيته الجريئة لمستقبل الروبوتات الذكية خلال مشاركته في قمة الويب 2024 المنعقدة حاليا بالعاصمة البرتغالية في جلسة بعنوان “ذكاء اصطناعي لكنه مفيد”.
وقد تأسست هذه الشركة عام 2019 بالقرب من شتوتغارت، وتهدف إلى تطوير جيل جديد من الروبوتات القادرة على التفاعل المعرفي مع البشر، استعدادا لتغيير وجه حياتنا اليومية من خلال إزالة الأعباء الروتينية وجعل الروبوتات جزءا من عائلاتنا وبيوتنا.
هدف يتجاوز المهام الروتينية للروبوتات
يقول روجر إن الروبوتات لطالما ارتبطت في أذهان الناس بالقيام بمهام مكررة وشاقة، فنحن نراها محصورة في المصانع وخطوط الإنتاج، حيث لا تتطلب ذكاء أو تفاعلا مع الإنسان.
غير أن مهمة “نيورا روبوتكس” تركز على إعادة صياغة هذا التصور، فهي تسعى إلى تقديم روبوتات تقوم بمهام يومية بشكل ذكي في المنزل، مثل التنظيف والطهي، أو مهام يحاول أن يتجنبها البشر لأسباب عديدة، سواء لصعوبتها أو لمجرد عدم الرغبة في القيام بها، مثل المحادثات الاجتماعية المملة أو العناية المستمرة بأحد الأقرباء.
الذكاء الاصطناعي جعل الروبوت أقرب للتلميذ النجيب
في مجال الروبوتات قد لا تعد شركة “نيورا روبوتكس” الوحيدة التي تحاول إحداث ثورة في هذا المجال. فشركات عملاقة مثل أمازون قد قطعت شوطا في تقديم حلول ذكية للمنازل باستخدام روبوتات. لكن روجر يرى أن ما يميز شركته هو تركيزها على المزج بين الروبوتات والذكاء الاصطناعي بطرق لم يسبق لها مثيل.
ويقول روجر إننا يجب أن نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة مفيدة وليس مجرد كتابة مقالات وأشعار أو توليد صور والرد على الرسائل، ومن هنا يأتي تميز “نيورا روبوتكس”.
وتُظهر الإحصاءات أن 99% من الروبوتات في الأسواق تعمل عبر برمجيات محددة سلفا، بينما تعمل “نيورا روبوتكس” على تطوير روبوتات قادرة على التعلم الذاتي الذكي. فالتحدي هنا لا يكمن فقط في برمجة الروبوتات، بل تدريبها لتصبح ماهرة في أداء المهام منزليا والتعلم على التغيرات في البيوت من دون الحاجة لإعادة برمجتها وذلك عن طريق الذكاء الاصطناعي.
تكلفة باهظة لكن أسعار الروبوتات قد تقل بهذه الحالة
تتراوح أسعار روبوتات “نيورا روبوتكس” بين 5 آلاف و15 ألف دولار، اعتمادا على عوامل عديدة، أبرزها تكلفة التدريب وجعل هذه الأجهزة آمنة تماما للاستخدام داخل المنزل.
ومع ذلك، يرى روجر أن تبني السوق لهذه الروبوتات بشكل أوسع قد يؤدي إلى انخفاض كبير في التكاليف، مما قد يجعل الروبوتات الذكية متاحة لعدد أكبر من المستخدمين في المستقبل القريب.
دعم كبار السن والحضور الافتراضي
لم تتوقف رؤية “نيورا روبوتكس” عند حدود الأعباء المنزلية، بل يمتد دور الروبوتات إلى دعم كبار السن، من خلال مراقبتهم والاستجابة لحالات الطوارئ مثل السقوط المفاجئ، بالإضافة إلى إمكانيات الحضور الافتراضي، حيث تتيح الشركة للمستخدمين إرسال الروبوتات نيابة عنهم إلى اجتماعات عائلية أو مناسبات بعيدة، وهذا يوفر لهم الوجود الافتراضي عند عدم التمكن من الحضور الفعلي، كوجود الشخص مع عائلته خلال عطلة رغم بُعده عنهم.
ويقول روجر إنه يود لعب الورق مع أمه التي تبعد عنه ساعتين في مدينة أخرى ولكنه لا يستطيع القيام بذلك كل أسبوع، متمنيا أن يستطيع القيام بذلك في يوم من الأيام من مكتبه بمساعدة الروبوت.
الحفاظ على الخصوصية بين الاستقلالية والمشاركة
مع دخول الروبوتات المنازل، تثار التساؤلات حول حماية خصوصية الأفراد. وتستجيب “نيورا روبوتكس” لهذا التحدي بمنظور جديد. فبحسب روجر توفر الشركة خيارات تتيح للمستخدمين الحفاظ على خصوصيتهم بشكل كامل أو الانضمام إلى نظام مشاركة يسمح للروبوتات بالتعلم من بعضها البعض. فالوضع الخاص يضمن عدم مشاركة البيانات، لكنه قد يؤدي لفقدان بعض الميزات التي تعتمد على الذكاء التعاوني بين الروبوتات، مما يُعد إضافة قيمة في تحسين الأداء.
مستقبل الروبوتات والسياسات الأميركية
يطرح البعض تساؤلات حول مدى تأثير السياسة على مستقبل هذه التكنولوجيا، خاصةً مع وجود إدارات قد تكون متحفظة تجاه التوسع التكنولوجي مثل إدارة دونالد ترامب.
ولكن روجر يرى أن هذا القلق قد يكون غير مبرر، خصوصا بوجود مستشارين مثل إيلون ماسك بجانب ترامب والذي يدرك أهمية بقاء الولايات المتحدة في طليعة الابتكار، خاصة مع إعلان الصين عن خططها لزيادة نسبة الروبوتات في القوى العاملة بحلول عام 2030 لتحل محل 5% من القوى العاملة الكلية. ولذا، فإنه إذا أرادت أميركا مواكبة هذا السباق، فمن المتوقع أن تشهد الصناعة دعما متزايدا وتسهيلات تنظيمية.
ختاما.. الروبوتات عنصر أساسي بالمستقبل الذكي
تقدم “نيورا روبوتكس” مفهوما طموحا لعالم تصبح الروبوتات جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، فتساهم في رفع جودة الحياة من خلال أتمتة المهام المنزلية ودعم الرعاية، بل حتى في الحضور الافتراضي. ومستقبل الروبوتات ليس بعيدا كما كنا نتصور، ومع هذه الابتكارات المتسارعة قد نجد أنفسنا قريبا في عالم تدعمه الآلات الذكية بشكل لم يكن ممكنا من قبل.