يقود الرئيس الأنغولي جواو لورينسو جهودًا دؤوبة لتحقيق السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث جمع وزيرَي خارجية الكونغو الديمقراطية، ورواندا في محاولة لرأب الصدع بين البلدين. كانت الغاية من هذه الجهود البناءَ على التقدم الذي تحقق في الشهر السابق، حيث تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 4 أغسطس/آب.
لكن الواقع على الأرض كان مختلفًا، إذ استؤنف القتال حتى خلال القمة نفسها. ورغم تأكيد وزيرة خارجية الكونغو الديمقراطية، تيريز واغنر كايكووامبا، على أن وقف إطلاق النار قد تم الالتزام به “إلى حد كبير”، فإن استمرار الاشتباكات بين تحالف القوى الثورية الذي يضم حركة “أم 23″ و”تحالف نهر الكونغو” والجماعات المسلحة المتحالفة مع الجيش الكونغولي، أظهر حجم التحديات التي تواجه جهود الوساطة.
موقف رواندا والكونغو
ترى رواندا أن الخطوة الأولى نحو السلام يجب أن تتمثل في تحييد “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR)، وهي القوة العسكرية الكبرى في المنطقة. بينما تفضل الكونغو الديمقراطية وأنغولا تنفيذ وقف إطلاق النار، وتحييد القوات بشكل متزامن. هذا التباين في المواقف أدى إلى عرقلة المفاوضات، حيث لم يُبدِ أيّ من الطرفين استعدادًا للتنازل.
اتهمت حكومة الكونغو الديمقراطية رواندا بمحاولة تعطيل المفاوضات؛ لإجبارها على التفاوض مع “تحالف نهر الكونغو” و”حركة أم 23″، حيث يعارض الرئيس فيليكس تشيسكيدي بشدة الدخول في مفاوضات مع هاتين الحركتين. هذا الجمود أدى إلى تعقيد الوضع، وجعل التقدم نحو فك الارتباط شبه مستحيل.
وسطاء السلام
في عام 2022، وبمبادرة من أنغولا، تمّ تأسيس آلية للتحقق من وقف إطلاق النار بقيادة الجنرال الأنغولي جواو ماسوني، بهدف ضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاقات الموقعة. خلال الاجتماع الأخير، اقترحت أنغولا توسيع الفريق المراقب ليشمل أعضاء من الكونغو الديمقراطية ورواندا، مع احتمال إشراك بعثة “مونوسكو” التابعة للأمم المتحدة. لكن هذا الاقتراح لم يعتمد رسميًا، مما ترك الآلية دون دعم كافٍ.
وقد انطلقت جهود السلام من محادثات سياسية معروفة باسم “عملية نيروبي” و”عملية لواندا”، لكن هذه الجهود تصطدم بتعنّت الرئيس تشيسكيدي في التعامل مع “أم 23″ و”تحالف نهر الكونغو”. رفضه للحوار يعطل التقدم نحو السلام ويعمّق الانقسامات.
يتطلب تحقيق السلام في شرق الكونغو الديمقراطية تحولات جوهرية في موقف الرئيس فيليكس تشيسكيدي، إذ يتعين عليه الاعتراف بالانتماء الكونغولي الكامل لحركة “أم 23” و”تحالف نهر الكونغو”، وتجاوز رؤيته المحدودة التي تعتبرهما مجرد أدوات للتأثير الرواندي. استمرار تشيسكيدي في هذا النهج المتصلّب لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، ويمنع أي فرصة لتحقيق الاستقرار.
يتألف “تحالف نهر الكونغو” وحركة “أم 23” في الواقع من أعضاء ينتمون إلى مجموعة متنوعة من القبائل الكونغولية، من بينها قبيلة الهوتو التي تنحدر من شمال كيفو، وقبيلة الهونده، والباشي، والتوتسي، بالإضافة إلى قبيلة البالوبا التي ينتمي إليها الرئيس نفسه. يشير هذا التكوين المتنوع إلى أن هذه المجموعات ليست مجرد أدوات تخدم المصالح الرواندية. الرئيس تشيسكيدي على دراية تامة بهذه الحقيقة، مما يعكس تعقيد الوضع الداخلي في الكونغو الديمقراطية، حيث لا يمكن تجاهل الأبعاد المحلية للنزاع.
الدور الدولي
يتعيّن على المجتمع الدولي، وخاصةً المشاركين في عمليات السلام في لواندا ونيروبي، اتخاذ خطوات أكثر فاعلية في الضغط على تشيسكيدي لتغيير موقفه. إن الدبلوماسية والضغط السياسي يمكن أن يكونا مفتاحًا لإقناعه بضرورة الحوار مع جميع الأطراف المعنية. وإذا لم يتمكن المجتمع الدولي من إحداث هذا التغيير في الموقف، فإن جهود السلام ستظلّ تواجه عراقيل كبيرة، وستبقى المنطقة غارقة في العنف وعدم الاستقرار.
لا يمكن تحقيق سلام دائم في شرق الكونغو الديمقراطية دون معالجة الجذور الحقيقية للصراع. يجب أن يكون هناك اعتراف بالمظالم المحلية والتعامل معها بجدية. الحوار الشامل الذي يضم جميع الأطراف، بمن في ذلك الجماعات المسلحة التي لديها مظالم مشروعة، هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار طويل الأمد.
لذلك، يجب على المجتمع الدوليّ، ولا سيّما أولئك المعنيين بعمليات السلام وفق آليات لواندا ونيروبي، أن يلعبوا دورًا نشطًا في تشجيع تشيسكيدي على إعادة النظر في موقفه. يمكن للضغط الدبلوماسي، مصحوبًا بحوافز للحوار، أن يساعد في تغيير وجهة نظره، ويمهد الطريق لمفاوضات أكثر شمولًا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب بذل جهود لمعالجة القضايا الأساسية التي تغذي الصراع، مثل: النزاعات على الأراضي، والتمييز المنهجي، وانعدام الأمن الناجم عن وجود عشرات المليشيات المسلحة المدعومة من قبل الحكومة، وما تخلفه من آلاف اللاجئين في الدول المجاورة، وتعيق التوزيع العادل للموارد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.