جاءت مشاركة الفيلم التونسي “وراء الجبل” في النسخة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر بالسعودية، لتمثل تتويجا لمشاركات عدة بدأت بالدورة الثمانين من مهرجان فينسيا السينمائي الدولي.
بن عطية استمر في مساره الذي يركز على قضايا الرجل والأبوة في فيلمي “نحبك هادي، ولدي” فرصد في فيلمه الجديد الأزمات والضغوط التي يرزح تحتها الرجل في المجتمع العربي وآثارها عليه.
وتدور قصة فيلم “وراء الجبل” حول شخص يائس يطلق سراحه من سجن تونسي، حيث قضى 4 سنوات بسبب تخريبه للمكتب الذي كان يعمل فيه سابقًا، ويصبح مقتنعا فجأة أن بإمكانه أن يطير، ويصمم على تحدي شك عائلته في قدراته، بل ويحاول أن يثبت لابنه الصّغير ياسين أنه قادر على كسب التحدي.
وهم الطيران
تتخذ فكرة الطيران معنى مغايرا لما تمثله في الواقع خلال السياق الفيلم، وهو ما يؤكده المخرج بن عطية في حديثه للجزيرة نت، بالقول “لجأت لاستعارة فكرة الطيران الذي يلجأ له بطل الفيلم رفيق، للتعبير عن الضغط الشديد الواقع عليه، فهو ليس مريضا نفسيا، لكن عقله وروحه لا يتحملان تقبل الوضع الذي يعيشه، فيبحث عقله عن وسيلة -ولو وهمية – للانعتاق من تلك الأحمال”.
ويضيف عطية “تمر حياة الإنسان بمراحل محددة، هي الدراسة والعمل والزواج والإنجاب، ثم الموت دون أي فرصة للشك أو التفكير فيما يخص الحياة أو الأسرة، وقد حاول بطل الفيلم أن يمنح ابنه الفرصة ليحلم بحياة مختلفة، وألا يرضخ لفكرة أن يرسم له أحد طريقه أو يخدعه بقوله إنه لا توجد إمكانية لحياة مختلفة”.
ويبرر المخرج التونسي طول فترات تحضير أفلامه وانتمائه لسينما المخرج المؤلف، مشيرا إلى أنه يحب الكتابة والتعبير عن أفكاره، ولا يميل لإخراج فكرة جاهزة من خيال مؤلف آخر، ولهذا فهو غير مستعد في هذه الفترة لإخراج أعمال لكتاب آخرين، لأنه يعيش مع الشخصيات والفكرة لفترة ومن ثم يبدأ التحضير لها وهو ما يستغرق سنوات.
خوف وجائزة
بطل العمل هو “رفيق” -الذي جسد دوره الفنان التونسي مجد مستورة- يحاول أن يتحرر من السيطرة المجتمعية في الفيلم بأي شكل وأن يصنع من الوهم إنجازا، يثبت من خلاله قدرته على فعل مخالف، و”وراء الجبل” ليس التجربة الأولى لمستورة مع بن عطية، فقد خاض تجربة سينمائية ناجحة من قبل مع المخرج من خلال فيلم “نحبك هادي” ونال عن دوره فيه جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين في العام 2016.
يقول مستورة للجزيرة نت إن مشاهد الطيران كانت صعبة للغاية “فقد كنا معلقين في منحدرات على ارتفاع 90 مترا، وهو ما سبب لي رعبا، وكنت استثمر كل شجاعتي في الفيلم، ولكن الأمر كان يشكل صعوبة على المستوى الجسدي والنفسي”.
ويتابع بأن المشاهد الأخرى التي تحمل عنف داخليا للبطل تحتاج جهدا نفسيا كبيرا أيضا “فهذا العنف بداخله ينبغي الاحتفاظ به طوال فترة التصوير، وقد استغرق التصوير 5 أشهر. ورغم الإرهاق، فقد شعرت بمتعة كبيرة لأني أحب تجسيد الشخصيات المركبة”.
ويشير مجد إلى أنه في التجربة الأولى “بنحبك هادي” كان الاعتماد الرئيسي على إدارة المخرج، ولكنه في “وراء الجبل” كان قد وصل لمرحلة من الخبرة والنضج الفني، حيث قدم خلال تلك الفترة أعمالا مسرحية وسينمائية، إلى جانب أيضا تلقيه ورشة تمثيل في فرنسا، ومن هنا أصبح العمل “مشاركة”.
وبدأ التحضير للفيلم قبل التصوير بـ 3 أعوام، حيث تعرف على الشخصية على الورق بالتغييرات التي حدثت للسيناريو وجلسات العمل مع الفريق، واعتبر أن النجاح في التمثيل أيضا جماعي سواء للطفل الذي جسد شخصية الابن وباقي الممثلين.
انتشار رغم الصعوبات
من جانبها، ترى درة أبو شوشة منتجة الفيلم أن “وراء الجبل” يعزز تجربة السينما التونسية في السنوات الماضية بحضورها في الفعاليات العالمية، وخروجها عن النطاق المحلي إلى العالم من خلال لغة سينمائية جديدة وجيل من الصناع استطاع أن يخرج من شرنقة تجارب الأجيال السابقة.
وتضيف أبوشوشة للجزيرة نت قائلة “تغيرت الأمور بعد ثورة 2011، فقبل الثورة كانت هناك مجموعة مسيطرة، وكانت الدكتاتورية تسهل عليهم الوجود، لكن بعد الثورة أصبحت الفرصة أكبر لجيل من الصناع الشباب”.
ويتفق كل من المخرج والمنتجة على حجم المعوقات التي تعرض لها هذا العمل، خاصة خلال التحضير للفيلم، حيث واجه المخرج بن عطية صعوبات وقيودا، أهمها في التمويل، مما اضطره لأن يبرر موقف العنف الذي يقوم به البطل.
في حين ختمت بو شوشة -التي تتعاون مجددا مع بن عطية- بالقول إنها في أعمالها تختار دائما صناعا لديهم نفس التوجه والرؤية والأفكار، ومتقبلين لكونها حاضرة في تفاصيل تخص العمل مثل الملابس والماكياج والديكور.