طهران- “نأسف لا خيار أمامنا سوى سياسة الترشيد والاقتصاد في استهلاك المخزون المائي الحالي، لأنه لا توجد مياه لدينا” بهذه الكلمات اعتذر وزير الطاقة الإيراني عباس علي آبادي من الإيرانيين بسبب تفاقم “أسوأ موجة جفاف منذ قرن”، في حين يؤكد الرئيس مسعود بزشكيان “استحالة” استمرار الوضع الراهن في طهران في ظل التحديات الجوهرية التي تواجه العاصمة.
وفي حين وصف بزشكيان تزايد الانخسافات الأرضية سنويا إلى نحو 40 سنتيمترا في المناطق الحيوية بأنها “كارثة وطنية”، قال -لدى استقباله حشدا من نشطاء التيار الإصلاحي- إنه “منذ اليوم الأول لتولّي الحكومة مهامها، طرحنا موضوع نقل العاصمة، لكن البعض -بدل مواجهة الحقائق- هاجم الحكومة، بينما تؤكد الدراسات العلمية وآراء الخبراء استحالة بقاء طهران عاصمة للبلاد”.
في غضون ذلك، أعلنت شركة المياه والصرف الصحي لمحافظة طهران أن المخزون المائي الحالي في السدود التي تزود العاصمة بالمياه “عند أدنى مستوى له منذ قرن”، داعية السكان إلى خفض استهلاكهم بنسبة 20% وتجنّب الاستعمالات غير الضرورية واستخدام أدوات لتقليل استهلاك المياه في الصنابير لتخفيف الأزمة.
وفي بيان لها، أوضحت الشركة أن موارد طهران المائية تأثرت تأثيرا بالغا جراء موجات الجفاف المتواصلة منذ 5 سنوات، وانخفاض المتساقطات الجوية من أمطار وثلوج وغيرها في محافظة طهران خلال السنة المائية الجارية، مسجلة أدنى مستوى منذ 60 عاما.
الأزمة بالأرقام
كشف عيسى بزرك زاده المتحدث باسم مصلحة المياه في إيران أن 24 محافظة من أصل 31، بالإضافة لـ50 مدينة أخرى، تواجه جميعا توترا مائيا، بيد أن العاصمة طهران تتصدر هذه القائمة تليها محافظة ألبرز الواقعة غربها، مؤكدا أن نحو 20 مليون نسمة يقطنون المحافظتين.
وأوضح المسؤول الإيراني -خلال مؤتمر صحفي- أن متوسط هطول الأمطار بلغ نحو 150 ميليمترا خلال الفترة الممتدة من أكتوبر/تشرين الأول 2024 حتى منتصف يوليو/تموز الماضي، مسجلا تراجعا بنسبة 40% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام المائي المنصرم، و44% مقارنة بالمعدل طويل المدى.
وأوضح بزرك زاده، أن السنة المائية الحالية هي ثاني أقل سنة من حيث الهطولات المطرية في السجلات الإحصائية الإيرانية البالغة 57 عاما، كما أن العام الجاري يعد خامس سنة جافة على التوالي، مشددا على أن البلاد تواجه سنة مائية “صعبة”.
ولدى إشارته إلى انخفاض المخزون المائي في سدود حوض طهران، تابع المتحدث باسم مصلحة المياه الإيرانية أن سد أمير كبير شهد انخفاضا بنسبة 58% مقارنة بالعام الماضي، كما انخفض مخزون مياه سد لار بنسبة 34%، وسد طالقان تراجع بنسبة 32%، بينما شهد سدا لتيان وماملو مجتمعين انخفاضا بنسبة 47%.
عطلة رسمية
وإلى جانب تقليص ساعات العمل في بعض المحافظات، وتحديدا في لرستان وهمدان وعيلام، حيث تعمل الدوائر الرسمية من 6 صباحا حتى 11 ظهرا، أُعلن عن تعطيل الدوام الرسمي، في السادس من الشهر الجاري، في 28 محافظة بما فيها العاصمة طهران.
واعتبر الإيرانيون هذه الخطوة تحوّلا من سياسة نقل المياه للمناطق التي تشهد توترا مائيا، إلى نقل سكان تلك المدن إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المياه، عبر التشجيع على السفر.
وكشفت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني عن طرح مقترح لإعلان عطلة صيفية لفترة أسبوع، مؤكدة أن الحكومة تدرس هذا المقترح وستعلن رأيها به قريبا، في حين أعلن وزير السياحة والتراث الثقافي الإيراني رضا صالحي أميري عن تخصيص دعم مالي لموظفي الحكومة للسياحة والسفر خلال الفترة الراهنة.
من جانبه، كشف وزير الطاقة عباس علي آبادي -خلال اجتماعه مع كبار مسؤولي قطاع المياه- عن انخفاض استهلاك طهران المائي، خلال عطلة الأربعاء 23 من الشهر الماضي، نحو 3800 لتر فی الثانية، ما يعادل 418 ألف متر مكعب، وتراجع الاستهلاك الوطني للكهرباء 19 ألف ميغاواط/ساعة مقارنة مع اليوم السابق؛ أي ما يعادل 1.5 ضعف طاقة مفاعل بوشهر النووي.

أسباب الأزمة
وعلى الرغم من أن سياسة الترشيد لم تكن جديدة على الإيرانيين، حيث تعودوا منذ شهور على انقطاع مياه الصرف الصحي تزامنا مع قطع الكهرباء لفترة ساعتين يوميا، لكن مع رصد انقطاعها عن بعض أحياء طهران لا سيما في المناطق الجنوبية والشرقية دون إنذار سابق، زادت الخشية من احتمال تفاقم الوضع جراء عدم التنسيق في برامج ترشيد قطاعي المياه والكهرباء.
وفضلا عن تفاقم ظاهرة الجفاف وانخفاض المتساقطات الجوية، اللتين تحولا إلى بيت القصيد في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، لأنهما السبب الأساس وراء التوتر المائي في ربوع البلاد، تُلقي السلطات المعنية بطهران باللوم على المواطن بسبب تجاوز استهلاكه الفردي من مياه الشرب المعدل العالمي.
ووفقا لوكالة أنباء “إسنا”، فإن متوسط استهلاك الفرد من المياه في طهران يقدر بنحو 195 لترا يوميا؛ وهو رقم يرتفع مع احتساب إجمالي الهدر إلى حوالي 250 لترا، أي ما يعادل ضعف المعدل الأمثل للاستهلاك تقريبا، مقابل معدل عالمي يتراوح بين 120 و150 لترا.
وفي أحدث تصريح رسمي، كشف محمد برويز نجاد العضو السابق في لجنة الطاقة البرلمانية -في مقابلة مع وكالة إسنا- عن هدر نحو 40% من المياه في شبكات التوزيع على مستوى البلاد.
في حين أفادت صحيفة “شرق” في تقرير لها أن سكان طهران يستهلكون 5 أضعاف المحافظات الأخرى، وأن نحو 30% من مياه الصرف الصحي تهدر في شبكة التوزيع بالعاصمة، ونقلت في الثلاثاء، الخامس من الشهر الجاري، عن مهدي عباسي عضو مجلس بلدية طهران أن 170 مليون متر مكعب من مياه الشرب في طهران تهدر بسبب اهتراء شبكة التوزيع.

سبل العلاج
من ناحيته، تحدث محسن زنكنه عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان الإيراني، عن طرح السلطات المعنية 128 مشروعا لتوصيل المياه إلى المناطق التي تشهد توترا مائيا، مؤكدا أن مشاريع تأمين الموارد المائية -بما فيها بناء السدود، ومنشآت النقل وتوصيل المياه، ومعالجة الإجهاد المائي- بحاجة إلى ميزانية تبلغ نحو 13.26 تريليون ريال إيراني (أي حوالي 314 مليون دولار أميركي).
وفي تصريحات صحافية أدلى بها عقب اجتماع اللجنة البرلمانية مع مسؤولي وزارة الطاقة ومنظمة التخطيط والميزانية حول معالجة الإجهاد المائي، كشف زنكنه عن تخصيص 500 ألف مليون ريال في ميزانية العام الإيراني الجاري (بدأ في 21 مارس/آذار الماضي) لمعالجة التوتر المائي، موضحا أن هذه الموارد تمثل فقط 3% من الميزانية اللازمة لمعالجة الإجهاد المائي في البلاد.
من جانبه، قام الرئيس بزشكيان -الخميس الماضي- بزيارة تفقدية مفاجئة لعدد من السدود القريبة من طهران، واصفا انخفاض منسوب المياه خلف السدود بأنه “ناقوس خطر حقيقي لتأمين مياه الشرب للعاصمة والمدن المجاورة”، ووعد بتعويض النقص المائي في محافظتي طهران وألبرز من خلال تسريع عملية نقل المياه من سد طالقان الذي يبعد عن العاصمة نحو 120 كيلومترا.

وفي السياق، أعلن محافظ أصفهان مهدي جمالي نجاد، عن إنجاز المرحلة الأولى من المشروع الكبير لنقل المياه من بحر عمان إلى هذه المحافظة، لوضع حد لاستهلاك مياه نهر زاينده رود من قبل المصانع، وذلك عبر مد حوالي 800 كيلومتر من الأنابيب وإنشاء الخزانات ومحطات الضخ والصمامات والوصلات.
يأتي ذلك عقب اتخاذ مصلحة المياه الوطنية قرارا بخفض ضغط المياه كخطوة فورية للحد من الهدر الواسع للمياه في شبكات التوزيع المتهالكة، مما يتوجب على المواطنين اقتناء خزانات لجمع المياه فيها ثم ضخها إلى الطوابق العلوية، في حين تنتقد شريحة من الإيرانيين السياسات الزراعية التي تسمح بزراعة الأرز والبطيخ الأحمر وجميع المحاصيل الأخری التي تستنزف المياه.