وصل الفيلم التونسي “بنات ألفة” (Four Daughters) إلى القائمة القصيرة في ترشيحات الأوسكار 2024 لأفضل فيلم أجنبي، كما حصل مؤخرا على جائزة الشرق لأفضل فيلم وثائقي بالنسخة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في عرضه العربي الأول، بعد جولة في المهرجانات العالمية التي شارك بها، وحصد خلالها العديد من الجوائز.
وتستعرض المخرجة كوثر بن هنية في العمل الوثائقي الدرامي قصة اشتهرت عبر صفحات الحوادث ووسائل التواصل، لأزمة أسرية حملت أبعادا سياسية وأمنية وتربوية أيضا.
الجزيرة نت التقت طاقم “بنات ألفة” ومنهم المخرجة كوثر بن هنية، واعترف الفريق بما لم يقله الفيلم.
الدراما والتوثيق
القصة الواقعية وثقتها بن هنية، لتثير نقاشا حول قضية العنف وخلاياه النائمة من خلال العائلة البسيطة التي شهدت تحولا تدريجيا حول الحياة المستقرة إلى خطر يهدد أمن تلك الأسرة.
وتدور الأحداث حول “ألفة” الأم التونسية لـ4 فتيات (رحمة وغفران وتيسير وآية) اللاتي يعشن حياة عادية تبدو مستقرة رغم الفقر، ويتحول ذلك الاستقرار إلى أجواء كارثية بعد أن تقع الشقيقتان الكبيرتان في قبضة الإرهاب، وتنضمان إلى إحدى الخلايا المسلحة على الحدود في ليبيا.
تقول بن هنية للجزيرة نت -عن فيلمها الذي اعتمدت فيه على أسلوب يمزج الوثائقي بالدرامي- إنها صورت العمل في البداية، وبالتحديد عام 2016، بشكل وثائقي ولكنها لم تشعر بالرضى، ووجدت أن ما صورته ليس في مستوى القصة المتشعبة والمتشابكة والمعقدة، والمفعمة بمزيج من الماضي والحاضر والحميمي بالسياسي والتاريخي والإنساني.
وتضيف بن هنية “وجدت الحكاية ملغمة، فقررت أن أفضل شكل تقدم به هو أن أحكي القصة كما أراها، وعدت للعمل مرة أخرى على الفيلم، وانطلقت من التساؤل عن السبب الذي يجعل شابة صغيرة لديها مستقبل واعد تقرر الهرب من منزلها والانضمام لجماعة مسلحة، وتأتي هنا الإجابة السطحية التي ستتبادر إلى الذهن، وهي أن الفقر والجهل هما العاملان اللذان أنتجا هذا الموقف”.
وتستدرك المخرجة التونسية “تكمن الإجابة الحقيقية بالعودة لماضي هذه العائلة، مما يتطلب الاعتماد على إعادة بناء مشاهد تمثيلية وهو كليشيه سينمائي لكني قررت تحويله إلى مصلحة الفيلم”.
ومن هنا قررت كوثر أن تمزج في “بنات ألفة” بين الممثلين والشخصيات الحقيقية، وهن ألفة وابنتاها الصغيرتان، حيث يقمن بتوجيه الممثلين، ويوجه الممثلون أسئلة لهن، ليكون الجمهور حاضرا وشاهدا على كل التفاصيل وجزء منها.
واستفادت بن هنية من قدرة ألفة وابنتيها على الحكى واستعمال اللغة الشعبية البسيطة، فكانت الحكايات تأتي بطرافة ودون اعتماد على سيناريو مكتوب، فردود أفعالهن طبيعية.
وتقول المخرجة “كانت قدرتهن على الحكى والغوص في ذواتهن مفاجئة، وكانت لديهن شجاعة كبيرة في الحديث عن أشياء صعبة” وتابعت أنه “رغم عدم خبرتهن، استطعن فهم التقنيات والكاميرا سريعا”.
مشاهد ارتجالية
بجانب ألفة وابنتيها، تشارك في الفيلم كل من مجد مستورة وإشراق مطر ونور قروي، وكذلك هند صبري التي قالت المخرجة عن اختيارها لتقديم شخصية “ألفة” إنها كانت تبحث عن سبب للتعاون مع هذه الممثلة.
وتتابع بن هنية “في المراحل الأولى لإعداد الفيلم، شاهدت الأم (ألفة) فيلم (زهرة حلب) والذي قدمت فيه هند صبري شخصية أم تونسية تبحث عن ابنها الذي سافر إلى سوريا بعد أن انضم لخلايا عنيفة، وقالت مازحة إنها تتمنى أن يكون (بنات ألفة) أفضل من فيلم هند صبري التي تحبها”.
وقالت المخرجة “وحين تغيرت فكرة الفيلم، استعنت بهند صبري أيضا، لأن الطباع الشخصية بين الممثلة والشخصية مختلفة، فألفة لديها جانب تراجيدي درامي تبكي وتضحك سريعا، لكن هند الإنسانة لديها مسافة من الأشياء وصبر، وهو تناقض سيفيد في فهم شخصية الأم بزوايا متعددة ومختلفة”.
وتبرر بن هنية اختيار مجد مستورة لتقديم جميع الشخصيات الذكورية بالفيلم “هناك أكثر من سبب، منها وجود شخصيات نسائية متعددة، فلو قمت بنفس الشيء في الشخصيات الذكورية، سيصبح الأمر معقدا، ووجدت أن الأسهل أن يقوم مستورة بكل الأدوار الذكورية”.
وتقدم نور قروي شخصية رحمة (إحدى بنات ألفة) والتي انضمت إلى الخلايا العنيفة، وتعلق الممثلة التونسية قائلة “التجربة لم تكن سهلة لأن العمل يعتمد على الارتجال دون سيناريو، وقمت بالتحضير للشخصية من خلال فيديوهات رحمة وغفران المنتشرة على الإنترنت، إلى جانب ما أعرفه عن القصة، ومن ثم جلسات العمل مع بن هنية، والانضمام لعائلة ألفة وابنتيها، وكأني واحدة منهن، لأفهم طريقتهن في الحياة والتعبير”.
وتابعت -في حديثها للجزيرة نت- أنها كانت تشعر بأن هناك شيئا يربطها بشخصية رحمة، فهي مراهقة تحاول إثبات ذاتها بكل الطرق، ومن هنا تورطت مع تلك الجماعات.
الممثلة إشراق مطر -التي جسدت شخصية غفران- تقول إن الصعوبة التي واجهتها أثناء التصوير تمثلت بالدخول لشخصية غفران، ثم العودة لشخصيتها إشراق، والعكس وتكرار الأمر، لأنها تظهر كغفران وإشراق بداخل المشاهد.
وتضيف مطر قائلة “كانت التجربة عبارة عن تحد كبير، فالطبيعي هو وجود سيناريو، لكن الفيلم يعتمد على سرد مختلف، وقد استفدت من عملي بالمسرح في المشاهد الارتجالية”.
واعتبرت أن أصعب مشاهد الفيلم هو تمثيل الموت وعذاب القبر والحساب والجلد، إلى جانب مشاهد أخرى لم تخرج في النسخة النهائية للفيلم حيث تم التصوير لمدة شهر كامل لساعات طويلة.