كشفت دراسة حديثة قادها فريق من علماء الحفريات في جامعة أوبسالا بالسويد، عن تفاصيل جديدة حول رحلة الديناصورات الطويلة نحو الهيمنة على كوكب الأرض، والتي بدأت قبل 230 مليون سنة خلال العصر الترياسي وانتهت بشكل مأساوي بحدوث الانقراض الجماعي الكبير إثر سقوط نيزك هائل قبل نحو 65 مليون سنة.
واعتمدت الدراسة المنشورة في دورية “نيتشر” بشكل أساسي على تحليل بقايا الفضلات والقيء المتحجرة، ما يُعرف علميا بـ”البرومالايت”، لإعادة بناء النظم البيئية القديمة وفهم الشبكات الغذائية التي مهدت لصعود الديناصورات إلى قمة السلسلة الغذائية.
كيف ساعد تحليل البقايا على فهم هيمنة الديناصورات؟
أجرى الباحثون تحليلا شاملا لمئات العينات من الفضلات المتحجرة، بوزن إجمالي تجاوز 100 كيلوغرام، في منطقة غنية بالحفريات في بولندا. وأظهرت النتائج أن الديناصورات الأولى كانت كائنات صغيرة الحجم وغير بارزة مقارنة بمنافسيها، مثل أشباه التماسيح الضخمة والحيوانات العاشبة العملاقة.
وأوضحت الدراسة أن الديناصورات كانت انتهازية في تغذيتها، تستهلك الحشرات والأسماك والنباتات، ومع تغير المناخ وظهور أنواع جديدة من النباتات بفعل زيادة الرطوبة، تطورت الديناصورات إلى كائنات أكثر تخصصا وانتقائية، مما ساعدها على التفوق على منافسيها والانطلاق نحو الهيمنة.
كما شهدت أواخر العصر الترياسي نشاطا بركانيا مكثفا أدى إلى تغييرات بيئية جذرية، وهذا التنوع البيئي أتاح للديناصورات العاشبة استغلال الموارد النباتية المتزايدة، مما ساهم في ظهور أنواع أكبر حجما. وبالتزامن، تطورت الديناصورات اللاحمة لتكون أكثر قوة وسرعة، مستفيدة من وفرة الفرائس آنذاك.
وأحد الاكتشافات البارزة كان تحليل بقايا فضلات لحيوان “البولونوسوكس”، وهو مفترس ضخم يبلغ طوله 6 أمتار وأحد أقارب التماسيح، والذي أظهر كفاءة عالية في الهضم. بالمقابل، أظهرت بقايا ديناصورات لاحمة أخرى بقايا طعام غير مهضومة بشكل كامل، مثل العظام والأسماك، مما يشير إلى هضم سريع وغير مكتمل.
ومع نهاية العصر الترياسي، اختفت معظم المفترسات غير الديناصورية، تاركة المجال للديناصورات لتصبح الكائنات المسيطرة على الأرض، وتؤكد الدراسة على أن هذا التفوق لم يكن نتيجة لحظية، بل جاء نتيجة ملايين السنين من التكيف مع التغيرات البيئية الكبيرة.
وتسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية دراسة الفضلات بشتى أنواعها في كشف تفاصيل دقيقة عن الحياة القديمة على وجه الأرض، وبحسب الباحثين، فإن هذا النوع من التحليل يوفر فهما أعمق لتطور الديناصورات وغيرها من الكائنات التي عاشت في تلك العصور، مما يفتح آفاقا جديدة لدراسة تاريخ تطور الحياة والتنوع البيولوجي على الأرض.