قد يدشّن الاجتماع الثلاثي الذي التأم في أسمرا عاصمة إريتريا هذا الشهر وجمع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس المضيف أسياس أفورقي، مرحلة جديدة من تحالفات منطقة القرن الأفريقي المضطربة.
جاء لقاء الزعماء الثلاثة في وقت تمر به العلاقات بين بعض دول المنطقة بتوترات متزايدة حيث ساءت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا، لدرجة سحب السفراء بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع أرض الصومال؛ للحصول على منفذ بحري، وبناء قاعدة بحرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، وهو ما رفضته الصومال واعتبرته اعتداء على سيادتها.
كما توترت العلاقات الإريترية الإثيوبية بعد توقيع إثيوبيا اتفاق سلام مع جبهة تحرير التيغراي في بريتوريا – جنوب أفريقيا ولم يرضِ الاتفاق على ما يبدو إريتريا التي تعتبر أن أي وجود لجبهة تحرير التيغراي مهدد أمني لها.
وظلّ السودان في حالة عدم استقرار منذ أبريل /نيسان 2019، وزاد الوضع سوءًا بعد اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان 2023 التي قادها تمرد الدعم السريع للانقلاب على السلطة التي يقودها الجيش.
البيان الثلاثي للقمة.. هل إثيوبيا هي المستهدف؟
انتهى اجتماع “قمة أسمرا” بإصدار بيان ختامي من (7) نقاط يبدو وكأنه موجّه نحو إثيوبيا التي أصبحت شبه عدو مشترك، وركز بصورة أساسية على دعم الصومال، حيث أكد البيان على دعم وحدة وسيادة واستقلال الصومال ووقف الإجراءات الأحادية التي تهدد سيادتها على أراضيها.
كما شدد البيان على أهمية مساندة الصومال في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله البرية والبحرية، ودعا إلى مساعدة جهود الصومال للحصول على التمويل من الشركاء الدوليين والمؤسسات العالمية لتمويل بعثة الاتحاد الأفريقي القادمة. كما عبر عن دعم الصومال خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي 2025 – 2026.
وأكد البيان على أهمية التنسيق والتعاون الثنائي إزاء التهديدات والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وتطرق البيان كذلك إلى إرسال قوات عسكرية للمشاركة ضمن قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال بدون مشاركة إثيوبيا.
وفي ختامه اتفق الزعماء الثلاثة على تشكيل لجنة مشتركة دائمة من وزراء الخارجية لتعزيز التعاون الإستراتيجي في كافة المجالات.
رد فعل إثيوبيا
لم يتأخر رد فعل إثيوبيا التي راقبت انعقاد القمة من كثب وبكل اهتمام، وفي أول تصريح له قال الرئيس الإثيوبي تايي اتسكيلي، إن إثيوبيا ستواصل السعي لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال. ومن جانبها عبرت وزارة الخارجية الإثيوبية في نشرتها الأسبوعية عن أن الحكومة الإثيوبية تعمل على تقليل التوترات غير الضرورية وحملات تشويه الصورة “، دون الإشارة إلى قمة أسمرا.
السودان الحاضر الغائب
لم تتم دعوة الحكومة السودانية للقمة؛ ربما بسبب الحرب الدائرة حاليًا في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن فكرة إنشاء تحالف في القرن الأفريقي لم تكن فكرة جديدة، حيث سبق أن تقدم الرئيس السابق عمر البشير بمقترح لإنشاء تكتل القرن الأفريقي ليضم السودان، إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، والصومال، لكن أدى دخول السودان في دوامة عدم الاستقرار منذ عام 2018 إلى تأجيل المشروع.
وقام الرئيس الإريتري أفورقي بالتقاط المبادرة، وقدم الدعوة للرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو، ولرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحائز جائزة نوبل وقتذاك، إلى قمة ثلاثية في أسمرا، وبحثت القمة إقامة تحالف للقرن الأفريقي، لكن المبادرة فشلت؛ بسبب تجدد الخلافات الإريترية الإثيوبية بعد توقيع الحكومة الإثيوبية اتفاق سلام مع جبهة تحرير التيغراي، دون موافقة إريتريا.
قائد الدعم السريع يتهم مصر بمساعدة الجيش السوداني.. هل لإثيوبيا دور؟
أضافت الاتهامات التي وجهها قائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو حميدتي في خطابه الذي أصدره يوم الخميس 10 أكتوبر/تشرين أول 2024، لمصر بمساعدة الجيش السوداني مزيدًا من التوترات، واعتبر بعض المراقبين أن توقيت ودلالة الخطاب يشيران إلى وجود دعم إثيوبي وراء الاتهامات لمصر.
كما أردفت قوات الدعم السريع الخطاب بإصدار بيان دعت فيه مصر للكفّ عن التدخل في شؤون السودان الداخلية، وأعقبت الخطاب والبيان، حملة إعلامية منظمة لمهاجمة مصر والتهديد بقطع مصالحها في السودان، وإيقاف التجارة والتصدير.
ماذا بعد؟
يرى خبراء إثيوبيون أن التحركات المصرية جاءت بهدف الضغط على إثيوبيا للتفاوض بشأن سد النهضة وفق الشروط المصرية.
كما أن هذا التحالف الثلاثي يفرض مخاطر أمنية كبيرة على إثيوبيا بما في ذلك احتمال زيادة العدوان العسكري والتنافس التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا وجبهة التيغراي، كما قد يعزز التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية؛ بهدف تقويض استقرار إثيوبيا.
وينصح الخبراء الحكومة الإثيوبية بتعزيز العلاقات مع السودان وكينيا المجاورتين لموازنة أي عدوان محتمل، كما ينبغي على أديس أبابا أن تقترح إطارًا شاملًا لإدارة الموارد المائية لحوض النيل، والاستثمار في الدبلوماسية العامة؛ لتوضيح موقفها وحشد الدعم الإقليمي والدولي.
الخلاصة
قديمًا قيل، “تشعل الحروب لتحقيق السلام”، ويبدو أن من أهداف قمة أسمرا، ممارسة ضغوط على إثيوبيا لتغيير موقفها العدواني تجاه الدول الثلاث، حيث تسعى الصومال لإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال.
كما تأمل مصر أن تعيد إثيوبيا النظر في سد النهضة بالجلوس والتفاوض؛ وصولًا لصيغة تناسب مصر لتقاسم المياه. بينما تظل هواجس إريتريا الأمنية قائمة ما بقيت جبهة تحرير التيغراي قوية وآمنة على الحدود المشتركة، حيث تعتبر أسمرا جبهة تحرير التيغراي عدوًا تاريخيًا ووجوديًا.
إن ممسكات هذا التحالف الثلاثي لا تبدو قوية، حيث لا تجمع الدول الثلاث حدود مشتركة أو بعد تاريخي أو مصير مشترك، وإنما تتباين القضايا والمهددات، لكن محور هذه القضايا والتحديات التي تواجه كل طرف من أطراف هذا التحالف المحتمل، هي إثيوبيا التي ظلت محورًا للأزمات في منطقة القرن الأفريقي، لذلك فإن حل العقدة في أديس أبابا ومتى ما قدمت أديس أبابا تنازلات لصالح الاستقرار، فإنه لا حاجة لتشكيل مثل هذه التكتلات التي لن تزيد الأوضاع إلا تعقيدًا وتوترًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.