Published On 3/9/2025
|
آخر تحديث: 17:21 (توقيت مكة)
في قلب مدينة لاغوس النيجيرية، وبين أزقتها المكتظة بالحركة، استوقف الكاتب المسرحي إينوا إيلامز عبارة متكررة مرسومة على جدران المنازل: “هذا المنزل غير معروض للبيع. احذر من 419”.
الرقم يشير إلى المادة 419 من القانون الجنائي النيجيري، التي تُعنى بجرائم الاحتيال والاستيلاء على الممتلكات بطرق غير قانونية.
ومع مرور الزمن، تحوّل هذا الرقم إلى رمز شامل لثقافة الاحتيال المالي في البلاد، وفقا لما أوردته صحيفة الغارديان.
هذا النوع من الاحتيال غالبا ما يتخذ شكل رسائل إلكترونية تعِد الضحية بجزء من مبلغ ضخم مقابل مساعدته في تحويله خارج البلاد.
لكن في نيجيريا، كما يوضح إيلامز، فإن “419” يشمل كل أشكال التحايل، من طفل يخدع والديه للحصول على المزيد من الحلوى، إلى مدير يختلس أموال شركته.
في عام 2013، وخلال زيارة بحثية لإعداد مسرحيته “حكايات صالون الحلاقة”، بدأ إيلامز في استكشاف جذور هذه الظاهرة، مما قاده إلى مشروعه الفني الجديد “419”، وهو عمل يجمع بين صور فوتوغرافية التقطها المصوّر وكتابات شعرية لإيلامز، لتروي معًا قصة المال والاحتيال في حياة سكان لاغوس.
يبدأ إيلامز العمل بشخصية “زاريا”، فتى الشارع الذي ينخرط في تجارة غير مشروعة، ثم ينتقل إلى “رونكي”، تاجرة تحتاج إلى دليل في السوق المحلية، قبل أن يتصاعد السرد ليشمل مهندسين ومشرفين وحتى حاكما، في سردية تُظهر كيف يتغلغل المال في كل طبقات المجتمع.
ويقول إيلامز: “419 هو الزيت الذي يُحرّك عجلة الرأسمالية المحلية في نيجيريا”، بحسب الغارديان.
ستُعرض الصور في “الجناح الغربي” في معرض “قصر سومرست” بلندن، وتُرافقها تسجيلات صوتية للقصائد، بحيث تُضفي على الصور طابعا سرديّا حيّا أمام الزائر.
ويتميّز العمل بتركيبة لغوية متطورة، حيث تبدأ القصائد بلغة “بيجن” الشعبية، ثم تتحول تدريجيّا إلى الإنجليزية الرسمية، بما يعكس انتقال الشخصيات من الطبقات الشعبية إلى النخبوية.
وفي سياق فكري موازٍ، يشير إيلامز إلى أن ما يُصنّف كاحتيال في الغرب قد يكون في نيجيريا وسيلة للبقاء. ويقول “كلما عدت إلى نيجيريا، أدركت أن ما نسمّيه 419 هو في كثير من الأحيان ضرورة للبقاء في بلد يفتقر إلى شبكة أمان اجتماعي”.
ويطرح إيلامز نظرية تطوّر ثقافة العطاء التقليدية، حيث كان يُتوقّع من الزائر أن يحمل معه هدية رمزية، إلى ثقافة “النقد هو الملك”، التي تحوّلت لاحقا إلى طلب مباشر للنقود.
ويضيف “أعتقد أن الرأسمالية غيّرت التوقعات من تقديم السلع إلى تقديم المال، ثم إلى المطالبة به”.
وفي اختتام حديثه، يوضح إيلامز أن هدفه من “419” ليس التبرير، بل الفهم. يقول “الفن في جوهره مرآة. يعكس لك من أنت، ويطلب منك أن تواجه العالم. هؤلاء الأفراد يعيشون في مكان مختلف، وهذا المكان يفرض عليهم سلوكا معينًا. كيف كنت ستتصرف لو كنت مكانهم؟”.