مراسلو الجزيرة نت
في مطبخ صغير على متن السفينة “حنظلة”، لم تكن فيغديس بيورفند بحاجة للكثير من الكلمات لتقول كل شيء، عيناها تحملان طبقات من سنواتها السبعين، من النضال البيئي إلى الكفاح من أجل العدالة في قطاع غزة المحاصر.
جاءت من النرويج، بلد المياه الباردة والغابات الهادئة، إلى قلب المياه التي صارت مرصودة بالمُسيَّرات الإسرائيلية منذ يومين لمراقبة حركة سير “حنظلة” التي تقترب بإصرار نحو غزة.
لم تكن فيغديس غريبة عن النضال، فقد أمضت قرابة 5 عقود لتكون صوتا ثابتا للسلام والكرامة وحقوق الإنسان، لكنها على متن السفينة الإنسانية ترى أن غزة “ليست مكانا عاديا، بل هي اختبار للضمير البشري”، قالتها ببساطة، وكأنها تلقي بحكمة نرويجية منسية فوق خريطة عربية مشتعلة.
إصرار ورسالة
حين سؤالها عما يدفع امرأة في عقدها السابع لركوب البحر رغم التهديد والخذلان الدولي، ابتسمت قائلة: “ليس الخوف هو ما يقود العالم إلى الأمام، بل الإصرار على عدم التعود على الظلم”، ليبدو جوابها وكأنه صفعة لكل من اعتاد على أخبار الحصار كأنها نشرة أحوال الطقس على الشاشات.
وأضافت فيغديس للجزيرة نت “ما يحدث الآن مُروِّع للغاية، لذا أردت المشاركة في “حنظلة” لكسر الحصار الإسرائيلي غير الشرعي على غزة، حيث الأطفال يتضورون جوعا ولا يحصلون على طعام أو ماء، ونحن هنا لنُظهر لأهالي غزة أنهم ليسوا منسيين رغم أن الحكومات الأوروبية لا تفعل أي شيء”.
وتابعت “سنواصل الإبحار من أجل العدالة وكسر الحصار، ولأجل أطفال غزة والشعب الفلسطيني الشجاع هناك، ما دام ذلك ضروريا، وطالما أهل القطاع في أكبر سجن مفتوح في العالم”.
وتصف فيغديس العدوان الإسرائيلي بـ”المجرم” و”غير القانوني”، معتبرة أن ما يحدث اليوم “ظلم شديد ولا يعد حربا، بل هو احتلال صارخ”، وتقول متسائلة: إنها لا تفهم لماذا لا تضع حكومات العالم حدا لذلك؟، “خاصة أن لديها القدرة على إيقافه والسماح لشعب فلسطين بالحرية والعيش كمواطنين عاديين كما يشاؤون، والسماح للأطفال بالذهاب للمدارس”.

“جدة العالم”
يُلقب ركاب السفينة “حنظلة” فيغديس بـ”جدة العالم”، فهذه الناشطة النرويجية لا تحكي عن أطفال غزة كغرباء، بل وكأنهم أحفادها، ولا تشعِرك بأنها تسمع عن أمهات فلسطين فقط، لكن تصفهن كما لو أنها تعرف رائحة مطبخهن جيدا.
تسكت فيغديس لحظة وكأنها تلتقط أنفاسها من هول ما يحدث، ثم تهمس “غزة ليست بعيدة عن بلدي، هي جزء من إنسانيتي، وفهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يحتاج دكتوراه أو قراءة آلاف الكتب لأن الحرية لا تحتاج إلى تأشيرة، بل إلى قلوب حية”.
وانطلقت الجدة فيغديس في مجال النشاط عام 1976 في النرويج، وأدارت متجرا للملابس المستعملة كانعكاس لقيمها في الاستدامة ورعاية المجتمع والبساطة.
كما انضمت لأول مرة إلى أسطول الحرية عام 2023 على متن حنظلة، وشاركت منذ ذلك الحين في 3 مهمات -بما في ذلك “الضمير” و”مادلين”- مُظهرة باستمرار شجاعتها وتضامنها في وجه الظلم.
وفي إطار أنشطتها من أجل العدالة، أكدت فيغديس “أعلم أن الناس في جميع أنحاء العالم يهتمون لفلسطين، ويجب أن يتغير الوضع في القطاع بتكاتف جهودنا جميعا، وستحرص الحكومات عاجلا أم آجلا ـونأمل أن يكون عاجلاـ على إيقاف إسرائيل”.

الطبخ بشغف
عادت فيغديس إلى حنظلة للمشاركة في هذه الرحلة، وهذه المرة تعمل كطاهية على متنها. بقلبها واهتمامها، تُغذي وَجباتها ليس فقط أجساد أفراد الطاقم، بل أيضا أرواحهم.
وقالت: “لا أعرف إن كنتُ طباخة ماهرة، لكنني أطبخ من قلبي، والطبخ يُسعد الناس، ولكوني جدة لأحفادي، أحب رعاية الآخرين كثيرا ولا أريد أن يسألني أحفادي يوما ما: لماذا لم تفعلي شيئا؟”.
وحال تمكنت “حنظلة” من الوصول إلى شواطئ غزة، أشارت فيغديس “حلمتُ أننا سنصل إلى غزة، والنساء الفلسطينيات هناك طباخات ماهرات جدا، لكن لو سمحن لي بالطهي لهن، سيكون شرفا لي القيام بذلك”.
لم تشارك فيغديس بيورفند في هذه الرحلة الإنسانية المحفوفة بالمخاطر بحثا عن بطولة أو حمل شعارات برَّاقة. وهي تشبه الموج الذي يتقدم بصبر هادئ، لا ليغرق، بل ليصل إلى هدفه العادل.