لم يستطع الباحث في كلية الجغرافيا والبيئة في جامعة أكسفورد عمار عزوز النوم سوى ساعة ونصف يوم الأحد، ورابط حاله كحال الكثيرين، أمام شاشة هاتفه، وفور انتشار خبر سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أحس بأن فجر سوريا قد حان.
هكذا بدأ عزوز مقال رأي كتبه لصحيفة فايننشال تايمز، وصف فيه مشاعره وأفكاره حول آخر التطورات “المبشرة” في سوريا، واسترجع آلام النزوح التي قضّت مضجعه منذ أن فارق داره في حمص، حيث نشأ وترعرع.
وأكد الكاتب أن “جدران الخوف الخانقة تهدمت”، وأن ثمة أملا جديدا في قلبه وقلوب السوريين كان من الصعب حتى التجرؤ على تخيله قبل هذه اللحظة.
وذكر أنه ظل ذلك اليوم يستمع للأناشيد المألوفة للثورة السورية منذ أن انطلقت شرارتها الأولى، لتعود به الذكريات إلى مدينته “المدمرة والمحطمة والمحاصرة والمنهارة”، وإلى “الناس الذين بقوا في حمص، بينما كنا نعيش في المنفى”.
وكان أول مقطع شاهده عن تحرير مسقط رأسه مصورا من شرفة عالية، وقد ظهر فيه أهل المدينة بسياراتهم محتفلين بعودتهم أخيرا، وانسابت المشاهد على لحن أنشودة “جنة جنة جنة.. والله يا وطنا”، وعلق عزوز على ذلك بالقول: “بكيت وبكيت، واختلط نحيبي بزغاريد نساء حمص. فكم طال كتم صوت حمص.. وكم طال إسكاتها.. ولكن ليس اليوم”.
ولم يقف حنين عزوز لوطنه عند ذلك الحد، بل مضى عزوز يصف بلده بأنه “الجنة التي أجبرنا على مغادرتها”، وتغنى بجمالها وثقافتها وفنها وتاريخها “العريق”، وأشاد بتنوع شعبها المكون من طوائف وأديان مختلفة، ليختم بالتحسر على فراقها بسبب الحرب.
قصة كتبت بالدم
واعتبر الكاتب أن الـ13 سنة الماضية من تاريخ البلاد إنما “كتبت بالدم”، فقد قتل مئات الآلاف، وهجر أكثر من 6.5 ملايين شخص إلى دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، وأبعد من ذلك إلى أوروبا، كما أن هناك عددا مماثلا من النازحين داخل البلاد، بعضهم نزح عدة مرات مع تغير خطوط المواجهة في الحرب.
ووصف عزوز الحزن العميق الذي يعيشه السوريون وسط هذه السعادة، على أحبائهم الذين قتلوا دون أن يعيشوا هذه اللحظة، وخص بالنعي صديقه طاهر السباعي، طالب الهندسة المعمارية، الذي قتله النظام السوري المخلوع عام 2011 أثناء مظاهرة سلمية.
“إمبراطورية الرعب انهارت”
ووصف عزوز المنفى بأنه “كالخنجر في القلب”، يركد ألمه ويبرد أحيانا، ويهاجم “بطعنات من الحزن والأسى” أحيانا أخرى، ولكنه استطرد مستبشرا أن “أيام العذاب والمهانة انتهت” مع انهيار “إمبراطورية الرعب” التي أشرف عليها حزب البعث طيلة العقود الماضية.
وضمّن عزوز في مقاله قائمة بأحلامه الحالية، فهو يحلم بمستقبل عادل وديمقراطي، يعيش فيه السوريون بكرامة وعزة، ويحلم بإعادة بناء مدن البلاد وقراها، ويحلم بالعودة إلى حمص والجلوس في منزله مع عائلته.
واختتم الكاتب بذكر نيته السفر مع أصدقائه السوريين المهجرين للاحتفال في ميدان ترافالغار (الطرف الأغر) بلندن، فمنهم من هو من حمص وهضبة الجولان المحتلة ودمشق وحلب والسويداء ودرعا، وكلهم يحلم بيوم “العودة إلى الوطن”، فالأسبوع الماضي كانت العودة من المنفى بعيدة المنال، لكن ذلك تغير الآن إلى غير رجعة”، وفقا لعزوز.