طهران- عشية الذكرى السنوية الأولى للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وفي ضوء تصدر إيران المشهد في الأيام القليلة الماضية عند الحديث عن جبهات المواجهة مع إسرائيل، تبرز تساؤلات عما قدمته طهران لأهالي القطاع المحاصر خلال عام كامل من الحرب.
فبعد أن تلقى الإيرانيون نبأ عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على الاحتلال الإسرائيلي بتنظيم احتفالات شعبية، تكررت المشاهد ذاتها في إيران قبل 5 أيام فقط من حلول الذكرى الأولی للحرب.
وأعاد الإيرانيون الذين قالوا قبل عام إن “عملية طوفان الأقصى أذلت إسرائيل”، المقولة ذاتها في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري خلال احتفالاتهم بمناسبة الهجوم الصاروخي الإيراني الثاني على “الكيان الصهيوني”، في حين وثق الإعلام الفارسي كذلك مشاهد التجمعات التضامنية التي نظمت إثر المجازر الإسرائيلية بحق أهالي غزة.
فعاليات شعبية
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، قامت الجماهير الإيرانية وعبر تنظيم تجمعات في الساحات الرئيسية بالضغط على المسؤولين للتحرك الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، في حين نصبت شريحة من الجماهير الملتفة حول محور المقاومة “خياما رمزية” أمام مطار مهرآباد الدولي غربي العاصمة طهران لإيصال المتطوعين إلى قطاع غزة للدفاع عن النساء والأطفال، علی حد قولهم.
في السياق، يوضح الباحث السياسي مجيد صفا تاج، أن الأوساط الشعبية والمنظمات غير الحكومية في إيران أطلقت عدة فعاليات في تبني القضية الفلسطينية؛ منها حملة “حريفت منم” والتي تعني “أنا خصمك” لحشد تعبئة شعبية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما أطلقت الجماهير الشعبية مبادرات إنسانية لجمع المساعدات وإيصالها إلى الغزيين عبر وساطات إقليمية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الباحث إلى أن “الإيرانيين سددوا مبالغ ضخمة جدا في الحسابات المصرفية التي أعلنتها جمعية الهلال الأحمر لشراء السلع الأساسية وإرسالها عبر سفينتين وشحنة جوية إلى إحدى الدول الوسيطة لإيصالها إلى غزة، موضحا أن المبادرات الشعبية شملت حتى جمع الدمى والألعاب لأطفال غزة.
وبرأي صفا تاج، فإن غزة كانت الحاضر الغائب في جميع الفعاليات الثقافية والاجتماعية خلال العام الماضي في إيران، مؤكدا أن عددا من المرجعيات الدينية في إيران أجازت تخصيص نسب متفاوتة من أموال الخمس والحقوق الشرعية الأخرى من أجل إسناد جبهات المقاومة وعلى رأسها مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة وإغاثة الشعب الأعزل هناك.
كما وقّع مواطنون إيرانيون على عريضة لإعلان استعدادهم الحرب ضد إسرائيل في إطار المبادرات الشعبية الرامية إلى إسناد جبهات القتال، وذلك على هامش المَسيرات والتجمعات المنددة باستهداف الطيران الإسرائيلي المستشفيات والمدارس في قطاع غزة.
كما أعلنت العديد من الجامعات والمدارس الدينية في البلاد توقيع طلابها على عرائض للتعبير عن استعدادهم للانضمام إلى جبهة غزة ولبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فعاليات دبلوماسية
دبلوماسيا، سارعت إيران، في السابع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى دعم عملية طوفان الأقصى على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وذلك بالرغم من نفي طهران علمها بالعملية وعدم مشاركة الجمهورية الإسلامية في الهجوم.
يقول الباحث السياسي مجيد صفا تاج، إن الراحل عبد اللهيان قاد جهودا دبلوماسية كبيرة جدا على المستويين الإقليمي والدولي لوقف إطلاق النار في غزة، وساهم في تقريب وجهات نظر الدول العربية والإسلامية لإدانة العدوان، وشارك بفاعلية في القمة الإسلامية الطارئة التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
من ناحيته، يشير الباحث السياسي سعيد شاوردي إلى أن وزير خارجية إيران السابق حسين أمير عبد اللهيان كان أول من ألمح إلى إمكانية اتساع جبهات الحرب الدائرة في قطاع غزة ومحيطه إذا لم تنجح مساعي وقف العدوان، وشدد على أن إيران والمنطقة والفاعلين فيها “لن يبقوا متفرجين” إزاء هذا الوضع.
وفي حديث للجزيرة نت، يستذكر شاوردي استضافة طهران قادة فصائل المقاومة بغية تنسيق الإسناد لجبهة غزة في إطار توحيد جبهات المقاومة، مؤكدا أنه فضلا عن جبهتي جنوب لبنان والعراق اللتين ساهمتا في تخفيف الهجمات الإسرائيلية على غزة، فإن فتح جبهة البحر الأحمر عرقلت جديا الملاحة العالمية المتوجهة للكيان الإسرائيلي.
وبعد مرور 10 أيام على العدوان الإسرائيلي على غزة، أطلق المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، “التحذير الأخير”، معلنا أنه إذا استمرت “جرائم الصهاينة” فلا أحد قادرا على الوقوف بوجه الشعوب الإسلامية والقوى المقاومة، حسب قوله.
وإثر مجزرة مستشفى المعمداني التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوع الثاني من عدوانه على غزة، كتب عبد اللهيان على منصة إكس “انتهى الوقت”، داعيا إلى “وحدة إنسانية على الصعيد العالمي ضد الكيان المنبوذ أكثر من داعش وآلته القاتلة”.
هجمات عسكرية
ويرى الباحث الإيراني أن البصمة الإيرانية واضحة جدا في كل صاروخ أو مقذوف أو مسيرة تطلق نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، مضيفا أنه “كفى إيران فخرا وشرفا أنها رسمت البسمة على وجوه أطفال غزة والأرامل بقصفها عمق الكيان الإسرائيلي مرتين”؛ في شهر أبريل/نيسان الماضي ومطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وكانت إيران قد شنت أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل، يوم 13 أبريل/نيسان 2024، وأطلقت عليه تسمية “الوعد الصادق” حيث أعلنت على تلفزيونها الرسمي إطلاق مسيرات وصواريخ باليستية من أراضيها باتجاه إسرائيل. وقالت إنه رد على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتل عدد من القادة العسكريين في الأول من أبريل/نيسان 2024.
وفي مطلع الشهر الجاري، شنت إيران هجوما مباغتا بعشرات الصواريخ على “الأراضي الفلسطينية المحتلة” أسمتها عملية “الوعد الصادق 2″، وأعلن الحرس الثوري أنها تأتي ردا على اغتيال الكيان الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله والمستشار العسكري الإيراني اللواء عباس نيلفروشان الذي اغتيل في لبنان وكذلك انتقاما لأطفال غزة.
وبينما يتحدث شاوردي عن مساع إيرانية بذلت خلال الفترة الماضية لتسليح عدد من المقاومين في الضفة الغربية للدفاع عن أنفسهم بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومساندة جبهة غزة، يوضح أن الصراع بين إيران والكيان الصهيوني مستمر في أعالي البحار على وقع عدوانه المتواصل على فصائل المقاومة لا سيما في غزة ولبنان.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، قد كشف في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي 14 سفينة إيرانية في إطار حرب السفن الدائرة بين طهران وتل أبيب منذ سنوات، وأن بلاده ردت باستهداف 12 سفينة إسرائيلية خلال الفترة الماضية.