تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من الترقب لعدة أحداث مهمة، أبرزها انتظار مصير المفاوضات المتعلقة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد البيان الثلاثي الصادر عن الولايات المتحدة، وقطر، ومصر. غير أن الترقب الأشد يكمن في انتظار الردّ الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكذلك ردّ حزب الله المحتمل على اغتيال فؤاد شُكر.
المعضلة الكبرى تتمثل في معرفة ردّ الفعل الإسرائيلي على هاتين الضربتين (في حال وقوعهما) والتداعيات التي قد تنجم عنهما على مستوى المنطقة. يأتي ذلك في ظل وصول البوارج الحربية والمدمّرات البحرية الأميركية والبريطانية إلى المنطقة، بعضها لأغراض ردعية دفاعًا عن إسرائيل، وبعضها الآخر يحمل مؤشرات على استعداد للهجوم، لكن مع التركيز على تلبية الحاجة إلى الردع ضد إيران وحزب الله.
خلال الأيام القليلة الماضية، ظهرت مؤشرات تدلّ على إمكانية حدوث ردود فعل محدودة، خاصّة مع قيام حزب الله بإخلاء جميع مقارّه المعروفة في الضاحية الجنوبية لبيروت، بما في ذلك المقرّات السياسية، من كافة محتوياتها من أجهزة ومعلومات. ويعدّ ذلك إشارة إلى احتمالية وقوع ضربة متوقّعة، وأن قيادة الحزب تستعد للأسوأ في حال جاء الرد الإسرائيلي على ردّهم.
أما على الصعيد الدولي، فتشير التحركات الأوروبية والأميركية، خصوصًا في الساحة اللبنانية، إلى احتمال حدوث سيناريوهات خطيرة. ومن بين هذه التحركات، التحضيرات الأميركية لإجلاء مواطنيها في حال اندلاع حرب، وهو ما يُعزى إلى حساسية المشهد الانتخابي الأميركي وانعكاساته على المرشحة كامالا هاريس، في حال تورطَ الأميركيون في لبنان وسط حرب دائرة، مما قد يزيد من فرص دونالد ترامب الانتخابية.
من الواضح أن التواصل المستمر بين بنيامين نتنياهو والمرشح ترامب يرتبط بحسابات إشعال المنطقة، خاصة أن الأنظار في العواصم العالمية، وخاصة العربية، مركزة على المعركة الانتخابية الأميركية، والتي قد تشكل منعطفًا في الخيارات الإقليمية.
ويجدر بالذكر أن بدء التصويت المبكر في الانتخابات الأميركية عبر البريد يفصلنا عنه بضعة أسابيع فقط، مما يعني أن العد التنازلي قد بدأ فعليًا، في فترة مليئة بالمخاطر والأهداف التي تتجاوز حدود المنطقة، خاصة مع مواجهة ترامب صعوبة كبيرة في التكيف مع الديناميكية الجديدة بعد استبدال جو بايدن بكامالا هاريس، ما أضر بحظوظه الانتخابية.
تشير التوقعات إلى أن التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط قد تسفر عن صياغة معادلة إقليمية جديدة تشكل خريطة نفوذ سياسي مغايرة في المنطقة. ويبدو أن هناك توافقًا على أن هذه المعادلة ستتبلور مع دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض، أيًا كانت هُويته. الانطباع السائد بين الأطراف الإقليمية هو أن الشرق الأوسط مقبل على تطورات لافتة، مما يزيد من احتمالات تصاعد المخاطر إلى الحد الأقصى قبيل التسويات الكبرى.
القلق السائد بين الديمقراطيين دفعهم إلى إرسال بعض المسؤولين إلى المنطقة، منهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والمبعوث الخاص آموس هوكشتاين. السبب الرئيسي لذلك هو تخوّف الإدارة الديمقراطية من أن يقوم نتنياهو بضربة استباقية ضد إيران أو حزب الله، أو حتى باغتيال قيادات رفيعة أخرى إذا ما ثبت له أن الانتقام بات وشيكًا، مما قد يؤدي إلى نزاع أكثر خطورة.
يقول دبلوماسيون في الغرف المغلقة إن البيت الأبيض يعلم جيدًا أن إيران لا ترغب في الحرب، كما يظهر من تعاملاتها في الأشهر العشرة الماضية، بينما على العكس، يسعى نتنياهو بكل قوته نحو الحرب. ومع ذلك، إدارة بايدن لا تتبنى هذا المنطق.
في الوقت نفسه، الجيش الإسرائيلي يجد نفسه عالقًا بين حسابات نتنياهو من جهة، ووزير الدفاع يوآف غالانت من جهة أخرى، وهو يسعى لترميم قدرته الردعية ومكانته داخل المجتمع الإسرائيلي، بعد أن كشفت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول عيوب مخابراته العسكرية وصورته الردعية.
نتنياهو، الذي اعتاد تجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها إدارة بايدن، كما حدث في مجزرة صلاة الفجر الأخيرة، لم يأبه بالالتزام بمطلب هاريس بعدم استخدام القنابل الأميركية دون مراجعة واشنطن أو على الأقل بعدم استهداف المدنيين.
إزاء ذلك، يخشى المراقبون من تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان، ولو دون الذهاب لحرب واسعة. يعتقد البعض أن ردّ حزب الله الحتمي، حتى وإن اقتصر على أهداف عسكرية، سيواجه بردّ إسرائيلي على مواقع الحزب، هذا إذا لم يبادر نتنياهو بتنفيذ ضربة استباقية قد تكلفه الكثير، خاصة إذا كانت تتضمن اغتيالات لمسؤولين من الصفّ الأوّل في محور “الممانعة”.
من هنا، يخشى البعض من انجرار المنطقة نحو حرب لا رؤية واضحة للخروج منها. لذا، تشير الأوساط الدبلوماسية الأميركيّة إلى أن انتشار المسؤولين الأميركيين في دول المنطقة، يهدف إلى تكريس الرؤية الأميركية القائمة على احترام الاستقرار الإقليمي، ومنع أي ضربة داخل إيران، بالتوازي مع تعديل توسع النفوذ الإيراني الإقليمي، على عكس طموحات طهران في الحفاظ على مكتسباتها في لبنان، وسوريا، والعراق.
يمكن قراءة التدخل الروسي المتزايد في هذا السياق، حيث تسعى موسكو لترسيخ نفوذها الكبير في سوريا، مما دفع إلى الحديث عن تباعد في العلاقة الإيرانية – الروسية في سوريا، والطلب من بشار الأسد الابتعاد عن أي انخراط في صراع محتمل.
روسيا تطمح إلى دور أكبر في سوريا وتأثير إيراني أقلّ، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال المصالحة بين دمشق وأنقرة بعيدًا عن السطوة الإيرانية. في الوقت ذاته، يبدو أن الحرب المستعرة بين الأميركيين والروس في أوكرانيا قد انحسرت إقليميًا عبر توافق ضمني بينهما في سوريا ولبنان لفرض الاستقرار، مما قد يضعف فرص ترامب الانتخابية.
بالنهاية، يسعى الفاعلون في المنطقة إلى حساب خطواتهم بدقة ضمن معادلة المكاسب والخسائر المتوقعة من نتائج الانتخابات الأميركية، وتعظيم أوراق التأثير التي يمتلكونها قبيل أي تغييرات قد تطرأ على المعادلات الإقليمية مع بداية العام المقبل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.