تكشف تقارير صحفية عن توجه إسرائيلي جديد نحو إعادة احتلال قطاع غزة، حيث طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية ما وصفته هيئة البث الإسرائيلية بـ”خطة مخففة لاحتلال قطاع غزة”.
ويرى الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى خلال حديثه لبرنامج “مسار الأحداث” أن هذه محاولة من نتنياهو لتخفيف الضغط الداخلي على فكرة الاحتلال المباشر، وتتضمن الخطة احتلالا تدريجيا يبدأ بتطويق مدينة غزة ثم الانتقال لاحتلال مخيمات الشمال في مرحلة ثانية.
وأكد نتنياهو في مقابلة الخميس مع شبكة فوكس نيوز الأميركية أن إسرائيل تنوي السيطرة على القطاع دون الاحتفاظ بحكمه، مضيفا أن الهدف تسليمه لقوات عربية لا تهدد إسرائيل.
لكن هذه المخططات تواجه معارضة شديدة من الجناح العسكري، وتشهد الحكومة الإسرائيلية خلافات داخلية حادة حول مستقبل العملية، حيث نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن رئيس الأركان إيال زامير تأكيده أن المضي في خطة احتلال غزة يعني تهديدا مباشرا لحياة الأسرى.
ويمثل هذا الموقف تحديا مباشرا لسلطة نتنياهو، خاصة أن رئيس الأركان تاريخيا يحظى بنفوذ سياسي كبير في القرارات المصيرية.
ويدعم هذا التوجه الأكاديمي والخبير العسكري والإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي الذي يشير إلى أن القرار النهائي ليس بيد نتنياهو وحده أو الجيش، بل هناك رؤى وتوجهات سياسية عليا يتبناها الكنيست.
ويؤكد الشريفي وجود رغبة إسرائيلية في التوسع الجغرافي لتأمين توازنات جديدة ضمن مفهوم الشرق الأوسط الجديد.
تحولات الرأي العام
وفي تطور موازٍ، تشهد الولايات المتحدة تحولات جذرية في النظرة العامة للسياسات الإسرائيلية.
وتكشف استطلاعات الرأي عن تغيير جوهري في موقف الأميركيين، حيث يشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي إلى أن 52% من الأميركيين ينظرون إلى نتنياهو بشكل سلبي لأول مرة منذ 28 عاما.
وتنعكس هذه التحولات بوضوح في تأثير صور المعاناة في غزة على الرأي العام الأميركي، حيث عبر 60% من الأميركيين عن رفضهم للعملية الإسرائيلية مقابل تأييد 32% فقط.
ويعتبر الشوبكي هذه الأرقام مؤشرا على تحولات قد تشكل نخبة سياسية جديدة في مراحل لاحقة، مما قد يضع الإدارة الأميركية في موقف محرج بين التزاماتها التقليدية والضغوط الشعبية المتزايدة.
من جهتها، تحاول الإدارة الأميركية التوفيق بين هذه الضغوط المتضاربة، ويوضح المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية توماس ووريك الموقف الرسمي، مؤكدا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تدعم ضم إسرائيل أجزاء من قطاع غزة، لكنها قد تسمح بالعملية العسكرية.
ويشير ووريك إلى أن ترامب اقتنع بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليس لديها نية لإطلاق سراح الأسرى تحت أي ظروف.
وبناء على ذلك، تتمحور إستراتيجية الإدارة الأميركية حول 3 أولويات رئيسية: رفع منسوب المساعدات الإنسانية إلى غزة، السماح لإسرائيل بإجراء العملية العسكرية لإنقاذ الرهائن، ووضع آلية حكم لغزة لا تقوم على أساس حماس أو الاحتلال الإسرائيلي المباشر.
وعلى أرض الواقع، يرسم الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني صورة للوضع الميداني، ويصف المزاج العام بالقلق والتوتر الشديدين، مؤكدا أن الاحتلال يسيطر فعليا على 70% من مساحة القطاع ويمارس سيطرة نارية على باقي المناطق.
دفع السكان للهجرة
ومن ناحيته، يكشف الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة عن بعد آخر للمأساة، مشيرا إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية قتلت حسب إحصائيات الأمم المتحدة 1300 فلسطيني خلال فترة وجيزة.
ويعتبر الحيلة هذا النهج جزءا من إستراتيجية أوسع تهدف للتحكم في حركة السكان ودفعهم نحو التهجير القسري، مما يثير مخاوف دولية متزايدة من كارثة إنسانية أكبر.
وفي مواجهة هذه التطورات المقلقة، تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل والولايات المتحدة، حيث اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو توزيع المساعدات بالشكل الحالي “فضيحة ومخزيا”، فيما تواصل 147 دولة في العالم اعترافها بدولة فلسطين.
ويؤكد الدكتور الشوبكي أن هناك جهدا أوروبيا يتشكل بعيدا عن المظلة الأميركية، مشيرا إلى إمكانية ربط هذا الجهد بالمتغيرات داخل الولايات المتحدة لوضع ضغوط على السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية.
ويشكل هذا التوجه الدولي المتنامي -وفقا للشوبكي- تحديا حقيقيا للهيمنة الأميركية التقليدية على ملف الصراع في الشرق الأوسط، مما ينذر بتحولات جيوسياسية كبرى قد تعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية والعالمية في المرحلة المقبلة.