سجّلت العلاقات الفنزويلية – الأميركية منعرجًا بارزًا الأسبوع الماضي، وذلك بعد توصُّل إدارتَي الرئيس بايدن، ونظيره مادورو، إلى اتفاق يقضي بتبادل سجناء من الجانبين، بعد جهود من الوساطة القطرية.
ورغم أن الصفقة شملت تسليم فنزويلا 32 سجينًا، من بينهم اثنا عشر من حاملي الجنسية الأميركية، انصاع الرئيس بايدن لتنفيذ مطلب الرئيس مادورو، المتمثل في تسليم سجين واحد، من الحجم السياسي الثقيل، وهو أليكس صعب، الشخصية المخضرمة التي تقول الإدارة الأميركية: إنها حلقة الوصل بين حكومات؛ إيران، وتركيا، وحزب الله، والنظام الفنزويلي.
فمن هو صعب بالنسبة للرئيس مادورو؟ ولماذا مثّل صيدًا ثمينًا للولايات المتحدة عند إلقاء الإنتربول القبض عليه في 2020، وجلبه لسجن في ولاية فلوريدا في 2021؟
واجهة مادورو
بعيدًا عن اعتبار الإدارة الأميركية، أليكس صعب “واجهة” الرئيس مادورو في مهماته الخارجية شرقًا، تعتمد اتهامات القضاء الأميركي لصعب على رواية قضايا غسل أموال، استخدم فيها هذا الأخير بعض البنوك الأميركية لنقل وتحريك أموال متأتية من أرباح تحققت عن طريق صفقات فساد داخل فنزويلا، بقيمة إجمالية تصل 350 مليون دولار.
وقد وظّف صعب، لهذه العمليات، شبكةً من الأسماء الحليفة للنظام الفنزويلي في الولايات المتحدة، حسَب الرواية الأميركية. وكان من المرجّح أن تصل عقوبة السجن 20 سنة، ما جعل مطلب ترحيل صعب إلى فنزويلا، مُصنّفًا حسب الإدارة الأميركية “من مطالب الحد الأقصى”.
واعتُبرت طريقة إيقافه في الرأس الأخضر، في الغرب الأفريقي، “إنجازًا” تباهت به إدارة الرئيس السابق ترامب، وحقّقت ثأرًا سياسيًا من الرئيس مادورو، أثلج صدور الجمهوريين، والمعارضة الفنزويلية.
لكن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الحالي بايدن، خذلت سياسيين كُثُرًا داخل الولايات المتحدة، وفي فنزويلا، رغم أن صفقة إطلاق سراح صعب، تمت مقابل إطلاق سراح أكثر من ثلاثين شخصًا، كانوا يقبعون في سجون فنزويلا، بين معارضين فنزويليين، وحاملين للجنسية الأميركية.
تفاصيل الإيقاف
تعود تفاصيل إيقاف أليكس صعب، إلى يونيو/ حزيران 2020، عندما توقّفت الطائرة الخاصة التي كان على متنها، والقادمة من إيران، في أرخبيل الرأس الأخضر للتزوّد بالوقود، فوجد عناصر من الإنتربول في انتظاره، ألقت عليه القبض؛ بحجّة صدور بطاقة تفتيش من القضاء الأميركي ضده، وتمّ التحفظ عليه هناك في انتظار إحضار قرار الترحيل.
في الأثناء، تقدّم فريق الدفاع عن صعب، ببطاقة إقامة وبطاقة دبلوماسية باسمه، من الخارجية الفنزويلية، تُظهر اعتماده سفيرًا لها لدى الاتحاد الأفريقي، وأنه يتمتع بكامل الحصانة التي بموجبها يُمنع تفتيش صعب، ومصادرة محتويات الطائرة.
لكن رئيس الرأس الأخضر وقتها، اليميني خوسي ماريا نيفيس، لم يُبدِ تعاونًا مع الجانب الفنزويلي. وقبل أيام فقط من نهاية مدة رئاسته، مكّن حكومة الرئيس بايدن في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من ترحيل صعب إلى فلوريدا.
من المثير أن يمثّل أليكس صعب كل هذا الوزن السياسي لدى فنزويلا والولايات المتحدة، والحال أنه ليس فنزويليًا، لا بالولادة ولا بالنشأة ولا بالجنسية، لكن حظوته لدى النظام الفنزويلي تعود إلى عهد الزعيم الراحل شافيز، وانطلقت فعليًا في 2011، وتطورت في ظل حكم الرئيس الحالي مادورو، إلى درجة وصفه بذراعه اليمنى في الخارج.
إذ لعب أليكس صعب دور النائب عن الرئيس مادورو، في مهماته الخارجية، منذ التضييق الذي فرضته عليه الإدارة الأميركية في التنقل، في 2019. إضافة إلى تأزم الظروف الاجتماعية داخل فنزويلا؛ بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية المتصاعدة منذ 2015، وتعزيزها بالقطيعة الدبلوماسية في 2018.
وفي الوقت الذي ترى فيه الإدارة الأميركية ومن والاها، أن المهام التي كان الرئيس مادورو يُسندها إلى صعب، تعتريها شبهات فساد مالي كبرى، ترى الحكومات اليسارية، أن أليكس صعب مجرد رجل أعمال رائد، يحظى بثقة ودعم النظام الفنزويلي، وأن كل ما تقوله الإدارة الأميركية، يدخل في باب الحرب على الرئيس مادورو، ورموز تيار شافيز.
مهام مثيرة للجدل
ويرى جزءٌ آخر من الطبقة السياسية- محايدٌ نسبيًا- أن صعب، يؤدي مهامَّ مثيرة للجدل في الخارج بتكليف من الرئيس مادورو، لكنه مستفيد فعلًا، ولحسابه الخاص من العقوبات المفروضة على فنزويلا، وذلك من خلال المتاجرة في قطاع الإعانات الغذائية، وفي مواد مشاريع الإسكان المدعومة، وتحقيق أرباح مبالغ فيها، بضوء أخضر من الحكومة الفنزويلية، وكأنه يجسّد أولئك الذين يوصَفون بـ “من ازدهرت أحوالهم عندما جاعت أوطانهم!”.
ويتمثّل أوَّل أنشطة أليكس صعب، في التفرّد بمهمة تزويد مشروع الزعيم الراحل شافيز للمساكن الشعبية، بمواد البناء من كولومبيا والإكوادور ما بين 2012 و2013، والتي تلقّى مقابلها 159 مليون دولار، لكنه قام بتسليم سلع لا تتجاوز قيمتها 3 ملايين دولار، حسب موقع “أرماندو إنفو” الاستقصائي، التابع للمعارضة. على صعيد آخر، فازَ صعب وشريكه الكولومبي أيضًا، آلفارو بوليدو بعقد في 2016، خوّله تزويد الحكومة الفنزويلية بحاجيات البلاد من المواد الغذائية، وذلك في أوَج الحصار الغذائي على فنزويلا، والذي قررت أثناءه الحكومة اعتماد أسلوب العلب الكرتونية الشهريّة للمواطنين.
وكان صعب يتولّى استيراد المواد الغذائية الأساسية، تماشيًا مع قائمة تمدّه بها الحكومة لشركات أجنبية يقع أغلبها في إيران، وروسيا، وتركيا. وقد ذكرت المعارضة أن حكومة الرئيس مادورو، كانت تعتمد أسلوب المقايضة في هذه المعاملات، حيث تمنح شركاءها في الخارج، عقود تنقيب عن النفط والمعادن، مقابل السلع الغذائية.
وأضافت إن كل المعاملات المالية بينها، تتمّ في شركات وهمية في بنما، وكولومبيا، والمكسيك، والإمارات العربية، وتركيا، وهونغ كونغ، لكن صعب مثلًا، قام بتغيير مقرات شركاته، نحو تركيا في 2019، مع فتح القضاء الأميركي تحقيقات بشأنه، حسب موقع “أرماندو إنفو”الاستقصائي المعارض. لكن الشهرة الكبرى- التي رافقت اسم صعب لدى المعارضة، والتي لم تُثبت عليه أبدًا- هي تهريب المال والذهب، إلى حلفاء الرئيس مادورو في الخارج.
لماذا قبلتا التفاوض؟
من المؤكد أن إدارة الرئيس بايدن وحكومة الرئيس الفنزويلي مادورو، قَبِلتا التفاوض والقبول بهذه الصفقة، مُرغمتين ومنصاعتين لمصالح يفرضها الأمر الواقع على الجانبين.
فالرئيس مادورو يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تخفيف العقوبات الدولية على بلاده، وهو مُقدِم على سنة انتخابية جديدة، ووحده يعلم أن الشرط الأميركي عليه، في السماح بهامش حرية للمعارضة في المحطة القادمة، مقدور عليه، في ظل ثقته بقدرات قبضة نظامه الحديدية.
أما واشنطن، فتحتاج بشكل عاجل إلى خفض أسعار النفط، حتى لو كان الثمن، تعويض النفط الروسي بعودة تدفُّق النفط الفنزويلي في السوق العالمية.