تمثل العمالة الأجنبية والمغتربون بالدول العربية شريحة مهمة تسهم ببناء الاقتصاد وتنمية المجتمع. ورغم دورهم الحيوي، فإنهم يواجهون تحديات قانونية وإنسانية تستدعي وقفة جادة لضمان حقوقهم وتعزيز كرامتهم.
وسلط برنامج “رفقا” في حلقة 2025/3/28 الضوء على واقع هؤلاء المغتربين والعمالة الأجنبية في الدول العربية، وتحديدا في دولة الكويت، مستعرضا تحدياتهم وحقوقهم من منظور إنساني وقانوني وشرعي.
وفقا للحلقة فقد كشفت دراسة حديثة أجريت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن أرقام مفزعة حول واقع العمالة الأجنبية، حيث تبين أن نسبة كبيرة من العمال تعاني من حجز الأجور والإيذاء النفسي، فيما تعرّض نحو 23% منهم للإيذاء الجسدي.
وفي سياق متصل، أظهرت دراسة أخرى أن 42% من العاملات المنزليات يعملن 16 ساعة يوميا، وأن 22% من العينة المشاركة في الدراسة لا يوجد لديهم ساعات راحة ولا أيام استراحة، مما يخالف أبسط حقوق العمال.
مبادرات إنسانية
ولمواجهة هذا الواقع المؤلم، برزت مبادرات إنسانية تسعى لدعم العمالة الأجنبية والمغتربين، ومن بينها مركز العمل الإنساني الذي أنشئ في الكويت عام 2015، والذي تطور عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: تقديم الدعم القانوني للعمالة الأجنبية ومساعدتهم في الوصول إلى حقوقهم وترتيب أوضاعهم.
المرحلة الثانية: افتتاح مكتب الخدمات الإنسانية في مطار الكويت الدولي، وهو الأول من نوعه في العالم وفقا لتقرير وزارة الخارجية الأميركية.
كما تم إطلاق مشروع “ابن السبيل” تحت إشراف الجمعية الكويتية للتواصل الحضاري، لخدمة العمالة المنزلية والعمالة البسيطة، وتوفير مظلة للعدالة الاجتماعية والرفق بهم.
وتتفق معظم دول المنطقة على 3 قوانين رئيسية تنظم التعامل مع المغتربين والعمالة الأجنبية:
- قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص (الاتجار بالبشر): يجرم السخرة والاستغلال.
- قانون العمل: ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، ويحدد ساعات العمل وحقوق العامل.
- قانون إقامة الأجانب: ينظم إقامة العمالة الأجنبية والمغتربين.
وفي الكويت تحديدا، يحظر القانون الخصم من راتب العامل بسبب الاستهلاك الطبيعي للأدوات أو الكسر غير المتعمد، كما ينص على تعويض مضاعف في حال تشغيل العامل ساعات إضافية، مما يعكس توجها لحماية حقوق العمالة.
الجانب الشرعي
ولم يغفل البرنامج الجانب الشرعي في التعامل مع العمالة، مؤكدا أن الإسلام كفل للعامل حقوقا عديدة، منها:
- عدم تكليفه بما لا يطيق، مصداقا لقول الله تعالى: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.
- التعامل معه بإحسان ورفق، اقتداءً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع خادمه أنس بن مالك، الذي قال: “خدمت النبي 10 سنين، فوالله ما قال لي أف قط”.
- إعطاؤه حقه من الزكاة إذا كان مغتربا منقطعا (ابن سبيل)، كما ورد في القرآن الكريم.
ورغم وجود منظومة قانونية متكاملة، ما زالت هناك فجوات وتحديات تواجه العمالة الأجنبية، منها:
- بطء الاستجابة للأزمات: حيث تعاني الجهات المعنية من عدم الاستعداد الكافي للكوارث والأزمات التي تؤثر على العمالة الأجنبية.
- مشكلة انتهاء الإقامة: حيث يقع العامل في حيرة بين مخالفة القانون أو المغادرة، في وقت قد تكون فيه المطارات والحدود مغلقة بسبب الأزمات في بلده الأصلي.
- نقص منظومة دور الرعاية ومراكز الإيواء: خاصة للرجال، ما يضطر السلطات لإرسالهم إلى مراكز الإبعاد التابعة للمؤسسات الإصلاحية.
تجربة ميدانية
وأجرى فريق البرنامج تجربة ميدانية لرصد ردود فعل المجتمع تجاه إهانة أحد العمال أمام المارة، وتبين أن العديد منهم تدخلوا لوقف الإساءة، مما يعكس وعيا مجتمعيا متناميا بأهمية احترام العمالة الأجنبية ورفض إهانتهم.
وقال أحد المتدخلين: “هؤلاء آباء ومسؤولون في بلدانهم وداخل منازلهم، ليس لنا الحق بالقسوة والانتقاص منهم، الكل ممكن أن يكون مكانهم يوما ما”.
و دعا البرنامج إلى تبني ثقافة الرفق والإحسان في التعامل مع العمالة الأجنبية والمغتربين، مستشهدا بقول سيدنا عمر بن الخطاب: “والله لو أن بغلة عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لِم لَم تمهد لها الطريق يا عمر؟”.