مراسلو الجزيرة نت
لندن- رغم عدم تدخل الحكومة البريطانية -إلى الآن- بقوة لمنع الاعتصامات بالجامعات البريطانية، كما حدث في الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، إلا أن رئيس الوزراء ريشي سوناك عقد اجتماعا مع نواب عمداء الجامعات المعنية، بهدف حثهم على عدم التساهل مع ما وصفه بـ “معاداة السامية” ضد الطلبة اليهود في الحرم الجامعي.
وهذا الاجتماع الذي حضرته مؤسسات تقول إنها تدافع عن حقوق اليهود في بريطانيا، جاء تحت ضغط من اللوبي المؤيد لإسرائيل، الذي يروج لسردية ارتفاع السلوك المعادي للسامية في الجامعات البريطانية، على خلفية انتشار المخيمات المؤيدة لفلسطين.
ورغم عجز هذا اللوبي عن إثبات أية حادثة تظهر تعرّض الطلبة اليهود لجرائم كراهية في الحرم الجامعي، فإن الحكومة استجابت لطلب المؤسسات اليهودية، ووجهت تعليمات صارمة بعدم التساهل مع ما اعتبرها رئيس الوزراء البريطاني “معاداة للسامية” أو “مخاوف من إثارة العنف” داخل الجامعات.
رد مبالغ فيه
ورغم انتشار المخيمات الواسع في 14 جامعة بريطانية، من بينها أهم الجامعات في البلاد كجامعة أكسفورد وجامعة كامبردج، فإنها لم تسجل أية أحداث عنف ولا اعتداءات أو أي سلوك “معادٍ للسامية”، بل إن هذه المخيمات تحظى بدعم من أكاديميي هذه الجامعات وخريجيها، مثلما فعل أكثر من 170 أكاديميا من جامعة أكسفورد، بتوجيه رسالة يعلنون فيها دعمهم للمخيم المقام في الجامعة للتضامن مع فلسطين.
ورغم ذلك، فإن لقاء رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مع مسؤولي الجامعات البريطانية يعطي صورة مشوهة عن هذه المخيمات، بحديثه عن ضرورة تجنب العنف وعدم التسامح مع معاداة السامية، وكذلك حماية الطلبة اليهود في الحرم الجامعي.
كما أعلنت وزارة التعليم البريطانية أنها بصدد الاشتغال على خطة جديدة من أجل محاربة “معاداة السامية” في الجامعة، ووضع ميثاق تلزم جميع الجامعات باحترامه لحماية الطلبة اليهود.
مزايدة سياسية
من جهته، يرى البروفيسور جلبير الأشقر، رئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة الدراسات الشرقية والإفريقية “سواس” (SAOS)، التي كانت من الجامعات السباقة لإقامة مخيم للتضامن مع فلسطين، أن السياق البريطاني يختلف بشكل كبير عن نظيره في الولايات المتحدة، رغم أن دوافع الحراك الطلابي هي نفسها.
ويفسر جلبير هذا الاختلاف بكون الجامعات البريطانية غير متجانسة، باعتبار أن هناك موقفا متقدما لبعض رؤساء الجامعات الذين اعتبروا اعتصامات الطلاب أمرا مقبولا ما دام يلتزم بقواعد التظاهر السلمي، وتفسح للطلاب مجالا للتعبير عن مواقفهم في الحرم الجامعي، على الرغم من الضغط الحكومي المتزايد على رؤساء الجامعات.
وحول اجتماع رئيس الوزراء مع مسؤولي الجامعات، يرى الأكاديمي البريطاني في حديثه للجزيرة نت أن الغرض من ترويج سردية “ارتفاع منسوب معاداة السامية” منع أي نقد للسياسات الإسرائيلية ولجريمة الإبادة الجماعية الجارية في غزة، واعتبر أن ما يقوم به رئيس الوزراء “يدخل في سياق المزايدة الانتخابية التي ينتهجها حزب المحافظين، لمغازلة الجناح اليميني وتحسين نتائجه في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.
واستبعد البروفيسور جلبير أن تتدخل الشرطة البريطانية -على غرار السيناريو الأميركي- لفض هذه المخيمات، وذلك لأن “الاختلافات بخصوص الموقف من القضية الفلسطينية جوهرية، وفي بريطانيا هناك جمهور واسع داعم للقضية الفلسطينية”.
وأضاف أن تاريخ الليبرالية السياسية في بريطانيا يجعل تقاليد احترام حرية الرأي والتعبير متأصلة، وأضاف أن “مناصري القضية الفلسطينية -في عام انتخابي كالذي نشهده- أصبحوا يشكلون قوة انتخابية واضحة تؤثر في المسار السياسي، ويؤخذ تأثيرها بعين الاعتبار، وهذا ما شهدناه خلال انتخابات البلدية الأخيرة”.
مطالب مشروعة
من جانبه، رفض رئيس جمعية النشاط الطلابي الفلسطيني في بريطانيا عدنان قصاد الاتهامات لحراك الطلبة بمعاداة السامية، مؤكدا أن هذا الحراك يركز على مطالب واضحة يوجهها الطلبة لجامعاتهم، وتبدأ بسحب استثمارات الجامعات من الشركات العسكرية التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لارتكاب الإبادة ضد الفلسطينيين، ويطالبون جامعاتهم بإدانة عامة ومعلنة لجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وحماية حرية التعبير للطلاب الداعمين للقضية الفلسطينية.
أما عن تعامل الجامعات مع الطلبة المحتجين، فأكد قصاد -في حديثه للجزيرة نت- أن التعامل يختلف عن التعامل الأميركي مع احتجاجات الطلبة، إذ إن الطلاب يسعون دائما للتفاوض مع إدارة الجامعات لتلبية مطالبهم، وقد يواجهون بعض التحديات في بعض الأحيان، كالتضييق على بعض الأنشطة من قبل رجال الأمن، لكن من دون تسجيل أحداث تدخل عنيفة، مشيرا إلى أن الطلبة مستمرون في العمل نحو تحقيق أهدافهم بطرق سلمية.
وأكد قصاد وجود تنسيق بين مختلف أطياف الحراك الطلابي، بهدف تحقيق أهدافهم المشتركة ولو على المدى البعيد، وذكر أنهم يتلقون دعما وصفه بـ”غير العادي” من المواطنين والمارة بجانب الجامعات، بل إن بعض المتطوعين يقدمون الأكل للطلبة الموجودين في المخيمات، مضيفا أن “معنويات الطلبة المشاركين في هذه المخيمات عالية جدا، وهناك إصرار على عدم التوقف حتى تحقيق المطالب”.