فتحت إعادة انتخاب دونالد ترامب لفترة رئاسية جديدة في الولايات المتحدة أفقا لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من 14 شهرا، وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي.
كما أسهم إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وإسرائيل، في رفع وتيرة الحديث عن ظروف مواتية لإبرام صفقة تبادل ووقف الحرب على غزة.
ولم تتوقف التسريبات والتصريحات التي رفعت سقف الآمال بعد التوافق بين حركتي حماس وفتح خلال مباحثات القاهرة حول لجنة الإسناد المجتمعي التي رعتها مصر، رغم رفض إقرارها لاحقا من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس واللجنة التنفيذية لحركة فتح.
ورفعت تصريحات نقلتها وسائل إعلام عربية وإسرائيلية خلال اليومين الماضيين سقف التوقعات مرة أخرى بشأن إنجاز الصفقة، حيث نقلت تقارير إعلامية أن حماس مستعدة لقبول “اتفاق تدريجي” على غرار اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع حزب الله في لبنان.
كما تحدثت مصادر سياسية إسرائيلية أن تل أبيب وحركة حماس قريبتان من التوصل إلى صفقة “صغيرة” تشمل وقفا لإطلاق النار مدة شهرين وإفراج الجانبين عن أسرى “حالات إنسانية” من مسنين ونساء وجرحى ومرضى، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من أجزاء من قطاع غزة.
الجزيرة نت استطلعت آراء عدد من المتحدثين للوقوف على حقيقة ما يشاع عن قرب التوصل إلى صفقة، وأن الطرفين جاهزان للإعلان عنها خلال وقت قصير.
تردد إسرائيلي
توجهت الجزيرة نت في البداية إلى القيادي في حركة “حماس” محمود المرداوي، الذي قال إن الحركة كانت منفتحة في كل المراحل من أجل التوصل لاتفاق، وكان هذا على رأس أولويات الحركة كهمٍّ وطني، مضيفا أنه “لم يعرض على الحركة عرض إلا ودرسته وقدمت رؤيتها حوله، وقد فاجأت الوسطاء بقدرتها على التعامل مع كل الطروحات بمرونة”.
وأضاف أن “العدو متردد في دفع استحقاق أي صفقة، أي الانسحاب وعودة النازحين والإغاثة والإعمار وهي الأمور الحد الأدنى”، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتذرع حتى هذه اللحظة بمبررات ليس لها أي انعكاس حقيقي في الواقع، إنما يخضع لإرادة التيار الديني القومي السياسي، والذي يهدده بإسقاط الحكومة، إذا ذهب باتجاه عقد الصفقة.
وأوضح أن التقديرات في الحركة أن إسرائيل حتى اللحظة لم تتخذ قرارا بشأن الاتفاق أو تنفيذ صفقة تبادل، وقال “نأمل أن يثمر ضغط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وعلى ما يبدو من رغبة الإقليم في هذا الاتجاه”.
وتابع أن نتنياهو غير جاد في عقد صفقة، “لكن الآن هناك عوامل ضغط وتأثير، ننتظر نتائجها ونختبر نواياه واستعداده من خلال الواقع العملي وليس النظري، فتصريحاته لا تترجم إلى حقائق في النهاية”.
وقال إن نتنياهو ليس لديه الآن أي مبرر يقدمه “لا للبيئة الداخلية الصهيونية ولا البيئة الإقليمية، فبالتالي هو في الزاوية وليست أمامه خيارات كثيرة”، خصوصا مع تآكل قدرة الجمهور الإسرائيلي على تحمل أعباء الحرب المتراكمة، التي باتت تشكل مع مرور الوقت ضغطا متواصلا على قيادة الاحتلال.
فرصة جدية
من جانبه، رجح الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني عبد الله العقرباوي أن تكون للمفاوضات هذه المرة فرصة لأن الظرف الدولي والإقليمي بات ناضجا بطريقة أكبر.
وقال إن قدوم إدارة ترامب التي دخلت على خط التفاوض قبل أن تدخل إلى البيت الأبيض أعطى زخما لذلك، حيث إن رغبة الرئيس المنتخب في إنهاء الحرب بدت واضحة، إضافة إلى أن الحرب في مداها العسكري استنزفت أهدافها، ونتنياهو عاجز عن تحقيق ما يريد فيما يخص ملف الأسرى، وبات عبء المجازر والإبادة يلف الجميع.
وتابع أن المنطقة دخلت في طور جديد في العديد من الملفات وبات من الضروري إيقاف هذه الحرب، وكل ذلك أدى إلى انطلاق جولة مفاوضات جديدة “ومن الواضح أن هناك حرصا شديدا على إنجاحها”.
وأشار العقرباوي أن هناك العديد من المؤشرات الجدية في هذه الجولة من المفاوضات منها السرية التي تبديها الأطراف في عملية التفاوض وأيضا المتابعة الحثيثة من الوسطاء ومن الولايات المتحدة بشكل دقيق، كما أن “المؤشرات الأساسية تتحدث عن صفقة داخل ما يسمى إطار باريس الذي قسم الصفقة إلى 3 مراحل فهناك فرصة حقيقية هذه المرة”.
وأوضح أن “لا قدرة لنتنياهو على مواجهة ترامب، وهو لا يرغب في ذلك، ولن يتصرف معه كما تصرف مع الديمقراطيين، وهو يعرف أن الظروف اليوم تختلف، ويعلم أن ترامب شخص آخر، وهو معنِي في علاقة جيدة معه، لعقد صفقات بشكل أوسع في المنطقة”.
وعلى الطرف المقابل -يضيف العقرباوي- أن نتنياهو يشعر أنه متحلل من الضغوط الداخلية التي كان يفرضها عليه الديمقراطيون وحلفاؤهم في المشهد الداخلي، فهو اليوم لا يخشى من إدارة أميركية ترغب بإسقاطه، أو تعمل على ذلك، فهو يشعر بالأريحية في التعامل مع ترامب.
وتوقع أن تكون هناك جدية من نتنياهو في التعامل مع العرض المطلوب “وهذا يشكل فرصة للمقاومة لتحصيل اتفاق جيد، ومع ذلك، فإن نتنياهو قد يلجأ لحلفائه المتطرفين لعرقلة أي اتفاق خدمة لمصالحه السياسية والتفاوضية”.
تفاؤل حذر
أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي فقد أبدى تحفظه على حالة التفاؤل التي تعكسها التصريحات والأخبار في الإعلام العبري، وقال “إن التجارب السابقة مع نتنياهو، تشير إلى أنه يمكن أن يفشل الصفقة حتى لو كانت في لحظاتها الأخيرة”.
وعن ضغوط ترامب والمستجدات الإقليمية خصوصا الملف السوري ووقف إطلاق النار في لبنان والتحركات الإقليمية الحديثة التي نراها في الإعلام الإسرائيلي، أشار عبد الهادي إلى أن المجتمع الإسرائيلي يعيش على أمل شديد جدا بالصفقة، بسبب مستوى الضخ الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام الإسرائيلية التابعة لنتنياهو والمراسلين العسكريين والمعلقين، الذين يصطفون معه لتبريد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في ظل احتجاجات يرتفع لهبها بعد وقف إطلاق النار في لبنان، وإدلاء نتنياهو بشهادته وتصريحات ترامب التي رفعت سقف الآمال عند أهالي الأسرى.
وعن قدرة نتنياهو على الصمود أمام تهديدات اليمين المتطرف المتمثل في تهديدات الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بحل الائتلاف، قال عبد الهادي “إن دخول يمين الدولة برئاسة غدعون ساعر هو طوق نجاة لنتنياهو أمام التهديدات بحل ائتلافه، في حين أن نتنياهو يمكنه تقديم وعود بعدم الإعلان عن وقف الحرب على غزة، وهذا ما ذكره بشكل صريح في مؤتمره الصحفي أمس الاثنين، حيث تماهى مع شروط حلفائه من اليمين المتطرف برفض وقف الحرب، أو الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم”.
وأضاف أن وقف إطلاق النار في لبنان أتاح مساحة كبرى لزيادة الضغوط من أهالي الأسرى، خصوصا الأسرى مزدوجي الجنسية، كما أن تحذيرات المؤسسة الأمنية عن مصير الأسرى في حالة التجويع في غزة والقصف وحرب الإبادة المستمرة، إضافة لدخول فصل الشتاء، والمصير المجهول للأسرى في الأنفاق، في ظل قرار المقاومة الفلسطينية بإعدام الأسرى، حال دون قيام الجيش الإسرائيلي بأي محاولة إنقاذ.
واعتبر أن تهديد ترامب بخصوص الأسرى ليس موجها للمقاومة وحدها بل لنتنياهو أيضا حيث حشره في الزاوية ضمن جدول زمني محدد -دخول ترامب البيت الأبيض- مما يضغط على نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف الرافضين للصفقة.
وقال إن هذه الضغوط قد تدفع نتنياهو لعقد المرحلة الأولى من الصفقة -على الأقل- والتي توصف بالمرحلة الإنسانية، دون الحديث عن مصير الجنود والضباط الأسرى، وهذا السبب وراء خوف أهالي الأسرى على مصير ذويهم وعدم ثقتهم بنتنياهو وتصريحاته واجتماعاته معهم التي ظهرت فقط بعد 14 شهرا من الحرب.
أوامر الاعتقال
من جهته، يرى الكاتب الصحفي وسام عفيفة أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت أضاءت الضوء الأحمر أمام إسرائيل فالعزلة السياسية والاقتصادية باتت واقعًا يهدد مستقبل الاحتلال، مما يجعل إنهاء الحرب أمرًا ضروريًّا لتجنب كارثة طويلة الأمد.
وأضاف أنه وسط تزايد المعطيات حول جهود إنهاء التصعيد في غزة، تبرز ملامح اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار، بقيادة الوساطة القطرية والمصرية وبتوافق بين إدارتين أميركيتين متباينتين فمستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط، مسعد بولس، كشف عن تحديد الخطوط العريضة للاتفاق، مع بقاء بعض التفاصيل المتعلقة بالمفرج عنهم وأسماء معينة.
وقال إنه رغم شراسة العدوان الذي يعتمد على المفاوضات تحت المجازر، فإن المقاومة الفلسطينية تواصل تصديها بقوة، موجهة ضربات للاحتلال، خاصة في جباليا ورفح خلال الأيام الماضية، في محاولة لاستثمار معطيات الميدان في مسار المفاوضات.
واعتبر أن إحدى الروافع لتحرك الاحتلال لعقد صفقة هو فشل العملية الواسعة في شمال القطاع في تحقيق النتائج المرجوة بالكامل، فغزة تحولت إلى ساحة استنزاف مفتوحة، حيث تعمل المقاومة ضمن إمكانياتها المتبقية، لكن دون أي تقدم نوعي للجيش الإسرائيلي، فاستمرارية الحرب تحمل مخاطر غير محسوبة، مثل تصاعد الضغوط الدولية أو خسائر في صفوف قوات الاحتلال دون هدف.
وأشار إلى الضغوط الداخلية حول مصير الأسرى، فبعد 14 شهرا على الحرب بات مصير الأسرى الإسرائيليين أكثر تعقيدا، وتراجع فرص نجاتهم يضع حكومة الاحتلال أمام معضلة أخلاقية وسياسية عميقة، وقال إن هذا العامل يشكل ضغطا داخليا هائلا لإبرام صفقة تعيدهم، خاصة أن استمرار الحرب لم يحقق أهدافا ملموسة.
وأكد أن خارطة الطريق للتنفيذ تضع مدة تتراوح بين شهر إلى شهرين، لكن مصير الأسرى وضغط الوقت يجعلان من الاتفاق ضرورة أكثر من كونه اختيارا.