البروفيسور علي القره داغي فقيه ومفكر ورجل اقتصاد وعالم ومفكر ومثقف، وُلد عام 1949، وتدرج بالدراسات الأكاديمية إلى أن حصل على الأستاذية عام 1995، عمل أستاذا ورئيس قسم في جامعة قطر، ودرّس في عدد من المعاهد والكليات، وعمل في هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في عدد من البنوك الإسلامية وشركات التمويل والاستثمار، وله إسهامات كبيرة في المجال الإغاثي.
في التاسع من يناير/كانون الثاني 2024، انتُخب الشيخ علي القره داغي رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأغلبية الأصوات، بعد أن كان الشيخ أمينا عاما للاتحاد منذ 2010.
المولد والنشأة
وُلد الشيخ علي محي الدين القره داغي عام 1949 في منطقة قره داغ التابعة لمحافظة السليمانية في كردستان العراق، لأسرة علمية دينية كريمة يرجع نسبها إلى الحسين، فنشأ في بيئة دينية تعلم منها مبادئ الدين الإسلامي، متأثرا بوالدته التي كانت حريصة على تربيته هو وإخوته على حفظ القرآن الكريم والعقيدة، ويذكر القره داغي أن والدته كانت تدعو له دائما بأن يكون خادما للدين مثل الإمام الشافعي.
كما تأثر بوالده محي الدين القره داغي الذي يصفه بأنه صاحب قوة وعزم وشدة في الحق وكرم، وقد أرشده والده لقراءة ودراسة كتابين، هما “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي، وكتاب عقائد ابن تيمية. كذلك فقد ترك عمه الشيخ نجم الدين أثره في حياته، إذ كان عمه عالما فتتلمذ على يده وتعلم من أخلاقه، ويذكر القره داغي أنه تعلم من عمه الحلم والتواضع والرفق والهدوء وتقبل الآخر. وترك خاله مصطفى القره داغي أثره في حياة علي، فقد كان خاله عالما وقاضيا وفقيها، ووجه لحفظ بعض الكتب والتعلم منها، وشجعه على العلم والتعلم والاجتهاد.
انتقل إلى مصر للدراسة، ثم إلى قطر للعمل واستقر بها وحصل على الجنسية القطرية.
الدراسة والتكوين العلمي
حفظ الشيخ القرآن الكريم على يد عائلته قبل أن ينتقل إلى السليمانية ليتتلمذ على يد مجموعة من علمائها، على رأسهم عمه الشيخ نجم الدين القره داغي وخاله الشيخ مصطفى القره داغي، ثم انتقل إلى بغداد ليتابع تتلمذته على يد العلماء هناك، من أمثال الشيخ عبد الكريم محمد المدرس، والشيخ عبد القادر الخطيب.
وكان يدرس إلى جانب العلم الشرعي الشعر العربي والشعر الكردي والشعر الفارسي، فحفظ أشعارا كثيرا خلال دراسته.
حصل على الإجازة العلمية من عدد من العلماء الكبار عام 1970، وتخرج في المعهد الإسلامي بتميز فكان الأول على الإقليم، ثم تابع دراسته في كلية الإمام الأعظم في بغداد، وتخرج فيها بتقدير امتياز عام 1975.
سافر إلى مصر ليكمل الدراسات العليا في كلية الشرعية والقانون في الجامع الأزهر، حيث حصل على شهادة الماجستير في الفقه المقارن والقانون في جامعة الأزهر الشريف عام 1980، ثم الدكتوراه في تخصص العقود والمعاملات المالية في كلية الشريعة والقانون من الجامعة ذاتها عام 1985، إذ ناقش رسالة موسومة بـ”مبدأ الرضا في الشريعة الإسلامية والقانون المدني” وشملت دراسة في المذاهب الفقهية الثمانية والقوانين الرومانية والإنجليزية والفرنسية والمصرية والعراقية، وأوصت اللجنة بطباعتها وترجمتها إلى اللغات العالمية.
التجربة الدينية والعملية
انضم الشيخ القره داغي إلى هيئة التدريس في كلية الشريعة في قطر عام 1985، وأصبح أستاذا مساعدا في الكلية عام 1990، ثم ترقى إلى أن أصبح بروفيسور عام 1995. وقد درّس الشيخ في جامعة قطر لأكثر من ربع قرن، كما درّس في كليات ومعاهد أخرى مختلفة.
وأسهم في تأسيس عدد من المؤسسات الخيرية، وعمل في مجالات الإغاثة ودعم اللاجئين والنازحين وكفالة الأيتام، وبناء المساجد والمستشفيات.
وقد أسس وشارك في تأسيس عدد من المنظمات الخيرية والهيئات الفقهية الإسلامية الدولية. وشارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات العلمية المحلية والدولية.
وكان له دور في المصالحات وتثبيت الأمن في عدد من القضايا والدول، مثل جمهورية داغستان وأنغوشيا والشيشان، وكان ضمن الوفد اتحاد علماء المسلمين في الوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين عام 2010 لإنهاء الصراع.
كما ترأس وفد الوساطة بين شعبي القرغيز والأوزبك في قرغيزستان، وتمكن الوفد من الوصول إلى مصالحة بين القبيلتين وإنهاء حالة الصراع والقتال الداخلي.
شخصيات أثرت في الشيخ
يروي الشيخ قره داغي أن من الشخصيات التي تأثر بهم وبأفكارهم الإمام حسن البنا إذ كانت تصله كتبه وأفكاره، كما تأثر بأفكار سيد قطب وكتبه، وكذلك مصطفى السباعي وكتبه، والشيخ عبد الحليم محمود وكتبه، والشيخ حسن حبنكة وابنه عبد الرحمن حبنكة وكتبهما ومواقفهما في دعم الحركات الإسلامية المعتدلة، وأيضا أفكار الأستاذين أبو العلي المودودي وأبو الحسن الندوي بالإضافة إلى علماء آخرين.
ومن علماء العراق يذكر القره داغي أنه تأثر بكوكبة من العلماء على رأسهم الشيخ أمجد الزهاوي، والفقيه عبد الكريم زيدان، والشيخ محمد أحمد الراشد، والشيخ كمال الدين الطائي وغيرهم آخرين من علماء العراق.
فكر القره داغي
يرى القره داغي أن الثقافة هي التعليم، أي تعليم كيف يكون الإنسان إنسانا، فهي وفقا لنظرته تهذيب بالدرجة الأولى، والثقافة المتحضرة لديه هي الحضور المبني على الاختيار الحر القائم على قيم تنتمي وترتقي، فيقول القره داغي عن ذلك “حينما يكون الإنسان متقيا صالحا ومصلحا ونافعا وعدلا، تكون حركة التعمير والاستخلاف متناسقة مع ما يريد الله تعالى من العدل الشامل، والتعمير النافع للجميع، والتمكين الخيّر، ومنع الشرور والظلم والعدوان عن الإنسان والبيئة والحيوان، ومن توجيه القوة العلمية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق هذه المقاصد”.
ويرى أن الحفاظ على الإنسان وتنمية عقله وفكره هي من أعظم مقاصد الشريعة، فيقول “ومن أعظم عناية الله تعالى بالإنسان أنه جعل الحفاظ على الإنسان نفسه، وعقله، وتنميتهما مقصدين عظيمين من مقاصد شريعته، بل قدمهما على أداء الشعائر التعبدية في حالة الإكراه، أو العجز، أو المشقة، لذلك فإن شرف الطب يعود إلى شرف موضوعه، وهو بدن الإنسان، وعقله، ونفسه، وعليه فإنه يأخذ ذلك الشرف والمكانة”.
ويعتقد القره داغي أنّ المسلم كي يفهم الواقع ويحلّله ويوجهه، لا بد أن يقوم جهده ووعيه وفكره على تنمية شاملة، لا على خطاب تبريري أو تديّن مغفل أو علمانية متطرفة.
ويقول مدير مكتبه الإعلامي علاء آل رشي “إن أفكار دكتور علي تتدفق من معين الإسلام، وتسهم في الحيلولة دون الوقوف في دورة رديئة، وتسهل تعبيد الفهم بآليات تعيش الهوية، من دون أن يأسرها التاريخ، وتلتزم القيم دون أن تخاصم الراهن، وتكتب المستقبل دون أن تقفز فوق الواقع”.
مؤسس فقه الميزان
أسس القره داغي لفقه الميزان فألف كتابا سماه “فقه الميزان معيارا لفهم القرآن والسنة ورفعا لمواطن الخلل والفرقة”، وهو عبارة عن دراسة تحليلية تأصيلية لفقه الميزان وأثره على فهم الشريعة، ويذكر في مقدمة كتابه أنه انشغل بموضوع فقه الميزان أكثر من ربع قرن، وذلك عندما ورد بذهنه تساؤل في أثناء قراءته سورة الحديد فتوقف عند الآية: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز”، فانتبه الشيخ لمفهوم تحقق القسط بالكتاب والميزان معا، فبدأ بالبحث عن مفهوم الميزان الذي يتحقق العدل به مع الكتاب.
وبعد بحث في الكتب والتفاسير ودراسة موسعة، كما ذكر في كتابه، توصل إلى نتيجة مفادها أن الميزان أهم معيار لفهم الشريعة فهما صحيحا عميقا، ووصل لخلاصة أن فقه الميزان يطلق على عدة معان، والمقصود به معرفة الموازين التي تُوزن بها أبواب الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، والتعامل مع الأبواب حسب الموازين الخاصة بها ومعرفة أوزان التصرفات والأحكام الشريعة ووزنها من خلال كفتي الميزان للوصول إلى فقه موزون وفكر موزون، وفق شرحه للمفهوم والنتائج التي توصل لها.
وشرح في كتابه مفاهيم الموازين وأقسامها، وأوضح فكرة أن كل شيء في هذا الكون يسير وفق موازين دقيقة، مستشهدا بالآية من سورة الحجر “والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون”.
كما اعتبر الشيخ أن فقه الميزان مفتاح لفهم الشريعة، وصنفه من علم الأصول لا من علم الفروع في الشريعة الإسلامية. وبيّن أن مقدار الموازين موضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ويرى القره داغي أن “فقه الميزان هو الفقه الموزون دون إفراط أو تفريط ولا زيادة ولا تنقيص”.
رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
في اليوم الثالث من الدورة السادسة لاجتماع الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والتي عقدت في مدينة الدوحة في قطر في السادس من يناير/كانون الثاني 2024، انطلقت عملية انتخابات للجمعية العمومية للاتحاد بهدف انتخاب رئيس الاتحاد ونوابه وأعضاء مجلس الأمناء في حضور 651 عالما من مختلف الدول، وقد أسفرت الانتخابات عن انتخاب الشيخ علي القره داغي رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد حصوله على 91.51% من الأصوات وذلك في التاسع من يناير/كانون الثاني 2024.
الوظائف والمناصب
عمل الشيخ في عدد من الوظائف والمناصب فكان:
- أستاذا ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية في جامعة قطر.
- مؤسسا ورئيس مجلس أمناء جامعة التنمية البشرية في كردستان العراق.
- عضوا تنفيذيا لهيئة الفتوى والرقابة الشرعية لعدد من البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي داخل قطر.
- خبيرا في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدّة.
- الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، 2010-2018.
- نائب رئيس مجموعة الاتصال الدولية للسلم والاعتدال.
- عضوا في جمعية علماء الشريعة في التمويل الإسلامي.
- رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2024.
الإنجازات
ألف الشيخ أكثر من 30 كتابا مختصا في علوم الدين والفقه، منها:
- التأمين التكافلي الإسلامي- دراسة فقهية تأصيلية مقارنة بالتأمين التجاري.
- التورق المصرفي.
- الأزمة المالية العالمية- دراسة أسبابها وآثارها ومستقبل الرأسمالية بعدها.
- حقيبة طالب العلم في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية الإسلامية (12 مجلدا).
- نحن والآخر دراسة فقهية تأصيلية لبيان علاقة المسلم بغيره.
- المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي.
- فقه القضايا الطبية المعاصرة.
بالإضافة إلى أكثر من 100 بحث معظمها في المعاملات المالية الإسلامية، والمصارف والاقتصاد، والفقه الإسلامي، وفي تحقيق الكتب، والفكر الإسلامي.
الهدايا والأوسمة
حصل الشيخ علي القره داغي على عدد من الجوائز والأوسمة منها:
- جائزة وقاية للبحث العلمي المتميز في التأمين التكافلي بالرياض عام 2011.
- جائزة عجمان 2001، وهي جائزة خصصت للشخصيات العالمية التي كان لها دور كبير في خدمة المجتمع.
- جائزة الدولة التشجيعية في الفقه الإسلامي المقارن، التي تمنحها دولة قطر للمميزين في العلوم المختلفة.
- وسام الشرف من رئيس جمهورية أنغوشيا.
- وسام الفخر من مفتي جمهورية روسيا الاتحادية.
- عدد من الجوائز العلمية من ماليزيا وروسيا وتركيا والكويت والسودان والأردن.
- الدكتوراه الفخرية من المعهد الأفريقي للإدارة.