كتب أوين جونز، في عموده بصحيفة غارديان، أن الجدل حول ما حدث في غلاستونبري يخفي -بصورة يعتقد أنها متعمدة- الغضبَ المثار حول القنابل الحقيقية والموت الفعلي في قطاع غزة.
وقارن الكاتب الصحفي هتاف المغني بوبي فيلان (قائد ثنائي الراب بانك بوب فيلان) “الموت. الموت للجيش الإسرائيلي”، بكشف صحيفة هآرتس عن أن جنودا وضباطا إسرائيليين اعترفوا بأنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على فلسطينيين عزل في أثناء انتظارهم في طوابير للحصول على المساعدات، مما أدى إلى مقتل نحو 600 فلسطيني مجوّع، بينهم عديد من الأطفال.
وتساءل جونز عن أي القصتين الإخباريتين -“5 كلمات قالها المغني أم 600 قتيل”- أولى بأن تتصدر الصفحات الأولى للصحف البريطانية، ونشرات الأخبار، وتستفز “بي بي سي”، وتدفع رئيس الوزراء كير ستارمر وحشدا لا ينقطع من النواب إلى إدانة هذه الفظائع. ليقرر باستنكار “كم هو ضائع أخلاقيا ذلك المجتمع الذي يثير فيه هتاف ضد جيش أجنبي مرتكب للإبادة الجماعية عاصفةً سياسيةً وإعلامية، ولا يثير قتل المجوعين العزل عمدا بأوامر من القيادة العليا للجيش الإسرائيلي فيه مثل ذلك”.
حملة لصرف الانتباه
هناك إبادة جماعية تحدث في غزة، كما يجمع علماء الإبادة الجماعية، بمن فيهم الإسرائيليون، مع أن مصطلح الإبادة الجماعية لا يعبر إلا بصورة محدودة عما يحدث هناك، إلا إذا كانت تعني محو أركان الحضارة، من المنازل إلى المدارس إلى الزراعة، وتهجير الناس قسرا من أراضيهم، وحرمانهم من الطعام والماء والرعاية الصحية، إضافة إلى إبادة عائلات بأكملها بالقصف العشوائي، وحرق أطفال أحياءً وتركهم يختنقون تحت الأنقاض.
وإذا كان لا بد من تركيز غضبنا على الكلمات -كما يقول الكاتب- فهلا أغضبتنا التصريحات التي أطلقها السياسيون الإسرائيليون باعتزاز، عندما أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن “غزة ستدمر بالكامل”، وعندما طلب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وقفا دائما لجميع المساعدات إلى غزة، وهو ما يعني عمليا قتل المدنيين الفلسطينيين.
وبدا للكاتب أن جوهر الأمر هو أن ما يحدث هو حملة لصرف الانتباه عن تواطؤ بريطانيا في جريمة القرن، بحيث يصوَّر ميسِّرو الإبادة الجماعية على أنهم معتدلون أخلاقيون، في حين يوصَم معارضوها بأنهم متطرفون حاقدون وخطيرون.

وبالفعل أعلنت شرطة أفون وسومرست عن إجراء تحقيق جنائي في عروض بوب فيلان وفرقة نيكاب في مهرجان غلاستونبري، فمرحبا بكم في بريطانيا عام 2025، حيث يُجر إلى العدالة الموسيقيون الغاضبون من الإبادة الجماعية، في حين ينعم السياسيون الذين يسهلون تلك الإبادة الجماعية بالحرية، كما يصرخ الكاتب.
وفي هذه الأثناء، أصدرت وزيرة الحكومة ليزا ناندي بيانا غاضبا إلى مجلس العموم بشأن بوب فيلان وقرار “بي بي سي” بث العرض مباشرة، مفضلة تخصيص وقت البرلمان لذلك، بدلا من البحث عن سبيل لإنقاذ شعب غزة مما وصفه رئيس الصليب الأحمر بأنه “أسوأ من الجحيم على الأرض”، وفقا للكاتب.
أكثر إساءة
وأصدرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومهرجان غلاستونبري بيانات تعلن فيها أن هتاف فيلان معاد للسامية، بيد أن دمج الشعب اليهودي بمجمله مع جيش دفعت أفعاله المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يبدو للكاتب أكثر إساءة من كلمات الفنانين.
وأصدر فيلان بيانا يوضح فيه معارضته “لقتل اليهود والعرب وأي عرق وجماعة”، موضحا أن “الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي” تعني “تفكيك آلة عسكرية عنيفة”.
هذه الجريمة بشعة جدا، وموثقة جدا، وغير مبررة، بحيث لا تمكن النجاة منها. وسيأتي يوم الحساب، وسيحاسب من سهلوا إبادة غزة على ما قالوا وفعلوا
وعلق الكاتب بأن الجيش الذي يرتكب إبادة جماعية فقدَ حقه في الوجود، ويجب استبداله بقوة قادرة على حماية أمن جميع الناس الذين يعيشون بين النهر والبحر، بغض النظر عن عرقهم ودينهم، وهو ما يعني على الأرجح قوة حفظ سلام دولية.
وذكر جونز أن ملايين الناس شاهدوا البث المباشر لما يحدث في غزة، وكانوا يتوقعون -بعقلانية تامة- أن يشاركهم سياسيوهم غضبهم، لكنهم وجدوهم مستمرين في تسليح الجناة، وتوقعوا من وسائل إعلامهم محاسبة السلطة، لكنهم وجدوها تتستر على الأهوال.
وختم الكاتب بأن هذه الجريمة بشعة جدًا، وموثقة جدا، وغير مبررة، بحيث لا تمكن النجاة منها. وسيأتي يوم الحساب، وسيحاسب من سهلوا إبادة غزة على ما قالوا وفعلوا، وليس من عارضوها.