أصدرت الحكومة البريطانية قرارًا بتعليق 30 رخصة لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مستندة إلى تقييم يشير إلى وجود “خطر واضح” من احتمال استخدام المعدات المصدرة، مثل: الطائرات العسكرية، والمروحيات، والطائرات بدون طيار، ومعدات الاستهداف، في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
جاء هذا القرار بعد مراجعة دقيقة لمخاطر تلك الصادرات، وكان رمزيًا إلى حد كبير، حيث لم تتجاوز نسبة الحظر 10% من إجمالي الرخص. استند القرار البريطاني إلى قوانين واضحة تنص على ضرورة تعليق بيع الأسلحة التي قد تسهم في انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
لاقى القرار البريطاني ردود فعل متباينة؛ فقد وصف الحاخام الأكبر في بريطانيا القرار بـ”الغريب”، بينما تساءل رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون علنًا عن مدى توجه كير ستارمر، نحو تحقيق نصر لحركة حماس.
وفقًا للمتابعين، يُعد القرار غير كافٍ وغير فعال، إذ تم الإبقاء على نحو 350 رخصة تصدير دون تغيير. وتعتبر منظمة العفو الدولية القرار “سيئًا للغاية”، مشيرة إلى استمرار تزويد إسرائيل بقطع غيار لطائرات “إف-35” ولو بشكل غير مباشر، بينما وصفته حملة مناهضة تجارة الأسلحة بـ “المخزي وغير المبرر”.
لماذا اتخذت بريطانيا القرار؟
- أولًا: الضغوط الشعبية والحراك الحقوقي: شهدت بريطانيا في عام 2024 مظاهرات ضخمة دعمًا للفلسطينيين في غزة، حيث اجتذبت هذه الاحتجاجات أعدادًا كبيرة من المتظاهرين في عدة مدن. ففي لندن مثلًا، قُدرت الأعداد في بعض المظاهرات الكبرى بما بين 50,000 إلى 500,000 شخص، وفقًا لتقارير إخبارية. وشهدت مدن أخرى مثل مانشستر، غلاسكو، وبرمنغهام أيضًا تجمعات كبيرة، تجاوزت أعداد المتظاهرين فيها عشرات الآلاف. كما شهدت العديد من مصانع السلاح الشريكة مع إسرائيل احتجاجات شعبية رافضة.
- ثانيًا: فوز حزب العمال في الانتخابات: في الانتخابات البريطانية الأخيرة عام 2024، حقق حزب العمال بقيادة كير ستارمر فوزًا كبيرًا منح الحزب أغلبية قوية في البرلمان، مما مكّنه من تشكيل حكومة جديدة، وتنفيذ سياساته الخارجية. أدى هذا الانتصار إلى تحول جزئي ملحوظ في السياسة البريطانية، حيث أعاد الحزب تقييم سياسات الحكومة السابقة، بما في ذلك قرار فرض حظر جزئي على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وكذلك سحب الطلب من المحكمة الجنائية الدولية والمشكك في وضع دولة فلسطين القانوني. ولعل فوز حزب العمال في الانتخابات جاء كردة فعل سلبية من البريطانيين على سياسة حزب المحافظين الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل في حربها على غزة.
القانون الدولي يحظر تسليح دول ترتكب جرائم حرب
انتهاكات القانون الدولي لا تقتصر على الأفعال المباشرة على أرض المعركة، بل تمتد لتشمل الدول التي تساهم بشكل غير مباشر في تأجيج النزاع من خلال تزويد أطراف الصراع بالأسلحة والمعدات. وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، فإن توريد الأسلحة إلى دولة أو طرف منخرط في نزاع مسلح، كما هو الحال مع إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، مع العلم بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المسؤولية الدولية.
في حالة المملكة المتحدة، فإن تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، في ظل وجود أدلة واضحة على استخدام هذه المعدات في عمليات عسكرية قد تشكل جرائم حرب أو حتى إبادة جماعية، يضع على عاتقها مسؤولية قانونية دولية. فالقانون الدولي يشدد على ضرورة منع تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع عندما يكون هناك خطر واضح بأن هذه الأسلحة ستستخدم في انتهاكات جسيمة. يُعد هذا الالتزام جزءًا من المبادئ العامة التي تُلزم الدول بالامتناع عن أي عمل من شأنه أن يساهم في تأجيج الصراع، أو تعزيز انتهاكات القانون الدولي.
موقف القانون الدولي من تزويد الشعوب المحتلة بالسلاح
أثيرت مجموعة من التساؤلات حول إمكانية تلقي الشعوب المحتلة أو الخاضعة لنظام فصل عنصري معونة عسكرية من الغير؛ لتسهيل مهمتها في بلوغ ما ترمي إليه. وقد انقسمت الدول في هذه المسألة، كما هو الحال بالنسبة إلى موقفها من تمتّع الشعوب المستعمرة أو المحتلة بالكفاح المسلح.
أما فيما يتعلق بمقررات الأمم المتحدة، فيمكن القول إن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة “بالتوافق أو التراضي” أكدت حق تقديم المعونة اللازمة للشعوب المناضلة للحصول على استقلالها وحريتها، إلا أنها لم تشر إلى تقديم المعونة العسكرية. فانبرت دول عديدة، أغلبها من الدول الغربية، إلى تفسير هذه التوصيات تفسيرًا ضيقًا، مقتضاه أن المعونة المقصودة هنا هي المعونة الإنسانية لا العسكرية.
يتّسم القانون الدولي بالحيادية تجاه تقديم دولة ثالثة معونة عسكرية لحركات التحرر الوطني. فلا تمتلك الدول الحق قانونيًا في تقديم هذه المساعدة، لكنها لا تخالف أحكام القانون الدولي إذا قامت بذلك. ومع ذلك، يجب ألا تصل هذه المعونة إلى مستوى التدخل العسكري المباشر. إذ إن إعلان مبادئ العلاقات الودية لعام 1970 يقرّ بحق حركات التحرر الوطني في طلب الدعم بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه.
التدخلات العسكرية المباشرة قد تهدد السلم الدولي، في حين أن التدخل المحدود وغير المباشر قد لا يكون له تأثير كبير. لذلك، تحتفظ الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، أو أنظمة الفصل العنصريّ بحقّها في استخدام القوة؛ لاستعادة حقها في تقرير المصير. كما يمكن لهذه الشعوب الاستفادة من الدعم الإنساني والمالي وحتى العسكري، شريطة ألا يتخذ شكل تدخل عسكري مباشر.
ولا شك أن جميع فصائل المقاومة في الأراضي الفلسطينية هي حركات تحرر وطني وفق القانون الدولي، وأكدت ذلك قرارات دولية عديدة، منها القرار رقم 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، الذي ساوى بين العنصرية والصهيونية وعدّ المقاتلين الفلسطينيين ضمنًا أفراد حركات تحرر وطني.
وقد اشترطت إسرائيل إلغاء القرار 3379 شرطًا لمشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وأُلغي القرار بموجب القرار 46/86 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 1991.
كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى تقديم المساعدات والدعم المادي والمعنوي لحركات التحرر الوطني، منها القرار رقم (xx/2105) لعام 1965، وقرارات أخرى تطالب أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة بتقديم مثل هذه المساعدات لحركات التحرر الوطني، طبقًا لميثاق الأمم المتحدة.
وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، فإن توريد الأسلحة إلى دولة منخرطة في نزاع مسلح، مثل إسرائيل، مع العلم بأنها قد تستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يضع الدولة الموردة تحت طائلة المسؤولية الدولية
وأسبغ القانون الدولي الإنساني حمايته على الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفراد الشعب الفلسطيني كله، بمن فيهم فصائل المقاومة التي هي حركات تحرر وطني، وذلك في مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في جنيف بتاريخ 15 يوليو/تموز 1999، الذي قرر تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية، حيث عدّ إسرائيل قوة احتلال.
كذلك تدعو الفقرة الرابعة من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 بوضوح إلى مساعدة “الشعوب التي تكافح ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية”.
كل القواعد الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين أصبحت معترفًا بها من قبل المجتمع الدولي، دولًا ومنظمات دولية وإقليمية. فهذه القواعد أصبحت من النظام العام في القانون الدولي، وكل سلوك يخالفها يُعد باطلًا بطلانًا مطلقًا لا يُصححه حتى اتفاق الأطراف على مخالفته.
إن العلاقات الدولية، وخصوصًا فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، قائمة بشكل رئيس على اعتبارات سياسية واقتصادية، ولا تستند إلى قواعد القانون الدولي العام، بما في ذلك الالتزامات الدولية للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة.
حركات المقاومة الفلسطينية تناضل من أجل هدف واضح ومحدد منذ عشرات السنين، وهو تقرير المصير، وبناء دولة مستقلة عاصمتها القدس، واسترداد كافة الحقوق التي انتهكها الاحتلال الإسرائيلي. الكفاح المسلح واحد من الوسائل المتاحة لاسترداد الحقوق.
إن السلوك الإسرائيلي الميداني على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومحاولات التمييع المتواصلة لقواعد القانون الدولي الإنساني، والتواطؤ الدولي الواضح حيال كل ذلك، لا تقدح بأي حال من الأحوال في قانونية أعمال المقاومة الفلسطينية، ولا تقلل من قيمة الحقوق التي يسعى الفلسطينيون إلى استردادها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.