يرحل عام 2023، ويلملم أوراقه، ويضمد الناس جراحهم من تبعات أحداثه المخيفة المتلاحقة، ذلك العام لم يكن سهلًا أبدًا، كانت الأحداث تتلاحق فيه بشكل مخيف.
وأنا أنبُش في ذاكرتي القصيرة عما حدث خلال عام 2023، هالني هذا الكَمّ من الألم والقلق، والحزن والتوتر، في عام واحد فقط، مما جعلني أتساءل، كلما أنهيت سطرًا أو فقرة: هل يبدو هذا طبيعيًا؟ هل كل عام مثل 2023، أم أننا ننسى؟
كورونا والتوترات العالمية
كان 2023 عامًا مليئًا بالأحداث والتوترات العالمية التي أثّرت على الساحة الدولية، فلقد شهد تفاقم الأزمات والصراعات في عدة مناطق حول العالم، مما أثر بشكل كبير على المجتمعات والأوضاع السياسية والاقتصادية.
فجائحة “كوفيد- 19” ما زالت مستمرة، فعلى الرغم من استبعاد منظمة الصحة العالمية الوباءَ من قائمة “الطوارئ الصحية العالمية”، فإنه تمّ الإبلاغ عن متغيرات جديدة لهذا المرض المُعدي في العديد من دول العالم، كما تمّ تسجيل عدد من الحالات المرضية في مستشفيات، بعضها في أوضاع خطرة. وعلى الرغم من أن الأزمة عالمية، فإن البلدان الفقيرة هي الأشد ضررًا.
ولا تزال الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا في ذِروتها، وتشكل أحد أبرز التحديات للاقتصاد العالمي، الذي لم يتعافَ بالكامل من بعد الوباء. ذلك لأن روسيا وأوكرانيا من المنتجين الرئيسيين للسلع الأساسية.
وقد تسبّبت الحرب في ارتفاع الأسعار العالمية، وخاصة أسعار النفط والغاز الطبيعي. وقفزت أسعار السلع الغذائية، حيث وصل سعر القمح- تشكل أوكرانيا وروسيا 30 بالمئة من الصادرات العالمية- إلى مستوى قياسي.
ولعل التوتر بين اليونان وتركيا بسبب جزر بحر إيجة يشكل واحدًا من أبرز مشاكل حلف شمال الأطلسي.
ولم تنتهِ النزاعات والتوترات عند هذا الحد، فقد اشتدت بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وبين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورني قره باغ، حيث يرغب كلٌ منهما في السيادة عليه. كما لا ننسى هنا الحرب الأهلية في السودان بين الجيش، وقوات الدعم السريع.
فلسطين أمّ المقاومة والأحزان
أما فلسطين، وما أدراك ما فلسطين؟ فهي تختبر المشهد الأكثر فظاعة، بواقعها المرير، ووصول عدد الشهداء إلى الآلاف، وانحياز عدد من الدول الغربية للجانب الإسرائيلي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا.
جدير بالذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في السادس من ديسمبر، قد بعثَ برسالة إلى رئيس مجلس الأمن، مستشهدًا بالمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وطلب من المجلس اتخاذَ إجراء بشأن الوضع في غزة لتجنّب وقوع كارثة إنسانية.
وتنصّ هذه المادة على أنه: “للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها غويتريش إلى هذا البند منذ توليه منصبه أمينًا عامًا للأمم المتحدة في عام 2017، كما أنها واحدة من المرات القليلة، منذ إنشاء الأمم المتحدة، وقد طلب- صراحة- تنفيذ المادة 99 من الميثاق.
تغيّر المناخ
ولا يزال تغيرُ المناخ أحد أكبر التحديات التي واجهها عالمنا على الإطلاق. ويشكل تهديدًا بالغ الخطورة للبشرية والبيئة، ويترتب عليه العديد من المخاطر والتحديات، منها فقدان التنوع البيولوجي، الذي يؤدي إلى تغييرات في البيئة، وانقراض الكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية، وتأثيره على الصحة بزيادة عدد حالات الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات كالبق والبعوض.
كما أنَّ الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، يؤدّي إلى حدوث ظواهر جوية مدمرة، مثل: الأعاصير، والفيضانات، والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافةً إلى الكوارث الطبيعية المفزعة التي ضربت عدة بلدان مؤخرًا، مثل: موجة البرد القارس التي أصابت أفغانستان بداية العام، حيث وصلت درجة الحرارة فيها إلى 33 درجة تحت الصفر، وأدت إلى وفاة حوالي 70 شخصًا.
كما أنَّ زلزالي تركيا، والمغرب، والعاصفة “دانيال”، تسببت جميعها في دمار هائل وضحايا بالآلاف، وهطول أمطار غزيرة، وفيضانات شديدة، وتسبّبت العاصفة في أضرار واسعة، لا سيما في مدينة درنة الساحلية، حيث أعلنت السلطات في شرق البلاد أنها منطقة منكوبة. ناهيك عن ارتفاع درجات الحرارة الذي وصل مستويات قياسية.
كما يلوح في الأفق عددٌ يعدّ ولا يحصى من التهديدات ومخاطر أخرى، مثل: الاضطراب الاجتماعي وتقليل التفاعل بين البشر الذي ينتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي، والاعتمادية التي يمكن أن تكون محفوفةً بالمخاطر، إذا لم يتم تقنينه بشكل صحيح، مما يؤدّي إلى نتائج غير دقيقة أو غير ذات مصداقية.
هل يبدو ذلك طبيعيًا؟
في ختام هذا الاستعراض لتحديات هذا العام على الجوانب الاقتصادية، والسياسية والعسكرية، يجب أن نتذكر أن التحديات لا تأتي فرادى، بل تواجهها البشرية بشكل مشترك، للتصدّي لهذه المخاطر.
ورغم الفظائع التي تواجهها غزة، فإن المشهد العالمي قد تغير، وانعكس رفض العالم لما يحدث في شكل مظاهرات سلمية، أو حتى مقاطعات في الدول العربية، هدفها إدانة ورفض ما يحدث في غزة.
لذلك فمهما طالت الحروب لا بد أن يأتي السلام يومًا ما، ومهما ظهرت أوبئة سيتّحد العالم، لإنتاج الأمصال واللقاحات وإتاحتها في أسرع وقت.
ومن يدري؟، لعل توترات هذا العام تسهل على الأعوام القادمة بأن تكون أكثر طبيعية وإنسانية.