حاول نتنياهو أن يحذر الولايات المتحدة من الراديكالية والتطرف، مستخدمًا خطابًا راديكاليًا دينيًا متناقضًا، وسط تصفيق الحاضرين أمامه الذين يزعمون أنهم قادة “العالم الحر”، حيث تحدث عن جيشه – الذي يقوم بإبادة جماعية – كأبطال حرب يخوضون معركة حضارية ضد “الوحشية”.
خطاب بائس
أعاد نتنياهو بطريقة ممجوجة ترديد أكاذيب مرتبطة بيوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تلك الأكاذيب التي لم تستطع آلة الحرب الإعلامية الصهيونية الضخمة إثباتها، وكشف إعلامنا، ثم الإعلام الأميركي والعالمي زيفها، فيما اعتذر مسؤولون غربيون عن تصديقها والاستدلال بها.
لقد أعلن نتنياهو إصراره من داخل الكونغرس على الاستمرار في حرب الإبادة على غزة، مستدعيًا أكاذيب وأساطير تلمودية، تؤكد أنّ المصفقين له لا يعيرون اهتمامًا لأي قيمة، سوى البطش والتنكيل والإبادة.
إن هذا الاحتفاء الذي ناله نتنياهو على افتراءاته من قبل أعضاء الكونغرس، يدل على أنهم اختاروا أن يكونوا جالسين في المكان الخطأ في لحظة تاريخيّة ستلاحقهم وتسجلهم كشركاء في تلك الإبادة.
ركز نتنياهو في خطابه البائس، على أن كيانه الغاصب هو الحضارة والديمقراطية!! التي يجب على أميركا أن تستنفر لحمايتها، فيما كانت طائراته تدك خيام النازحين العزل، لتحرق الأطفال والنساء والشيوخ.
أما شرق أوسطه الجديد، الذي تحدث عنه، فهو قائم على إبادة كل أعدائه في المنطقة، الذين هم في حقيقتهم النخبة التي تبذل كل غالٍ ونفيس لنيل حريتها والتخلص من بطش وغطرسة كيانه الغاصب.
لقد سعى إلى تصوير عدوانه الإجرامي، على أنه معركة بين الخير والشر والحضارة والهمجية، كان يقول ذلك، وقد سجل نفسه بالتاريخ كقائد لإحدى أكبر الحروب همجية ووحشية في تاريخ البشرية.
القدس عنوان القضية
وهو في غمرة حديثه عن السلام، أكد أن القدس عاصمة موحدة لكيانه، ولن تكون مقسمة من جديد، وهذا في حد ذاته إعلان حرب حضارية ودينية وتاريخية، تخالف القوانين كلها، وتؤشر لشرق أوسط سيزداد اشتعالًا وحروبًا.
فالقدس كانت وما زالت وستبقى واحدة وموحدة عربية إسلامية عنوانًا لقضيتنا، وقِبلة لأحرار العالم، وبوصلة لنضالنا، وعاصمة أبدية لفلسطين.
لقد أكد نتنياهو أن 7 أكتوبر/تشرين الأول يجب ألا يتكرر، معتبرًا أن الإبادة والتدمير والقتل، كل ذلك كفيل بعدم تكراره، ونحن نؤكد أن الطريق الوحيد لعدم تكرار الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأوّل هو زوال ودحر الاحتلال وصلف مستوطنيه، وانتهاء محاولات مصادرة التاريخ والمقدسات، هذا هو السبيل الوحيد لعدم تكرار ذلك، وعلى العالم أن يدرك تمامًا تلك الحقيقة.
وبعد أن حاول تقديم كيانه بأنه مرآة حضارية لأميركا، تناقض مع نفسه حينما اتهم المتظاهرين ضد جرائمه خارج مبنى الكونغرس بأنهم يتلقون دعمًا من إيران، لقد بينت هذه التهمة أن العقل المتغطرس لا يمكن له أن يفهم غضب الشعوب الحرة من حرب إبادة تستهدف الأطفال والنساء.
إن اتهام نتنياهو للمتظاهرين ضد ارتكابه جرائم بأنهم يقفون إلى جانب الإرهاب وحماس، يكشف حجم غطرسة الاحتلال وعدم تمكنه من قبول إلا “فكرته الإرهابية”.
وهي حالة نادرة في تاريخ الأعراف الدبلوماسية أن يقوم مسؤول أجنبي بشتم مواطني دولة أخرى في عقر دارهم وفي مجلسهم الذي انتخبوه، ويكيل لهم التهم بالعمالة وتلقي الرشايلقيوى.
لقد بدا نتنياهو كممثل ساخر، وهو يحاول إقناع المصفقين له قيامًا وقعودًا، أن المتظاهرين ضد جرائم الإبادة يريدون تدمير أميركا بدعم من إيران، هذا النوع من الاتهامات تلجأ إليه الأنظمة الاستبدادية والتي يزعم المدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أنه بعيد عنها، ليضع نفسه وكيانه مجددًا في مواجهة الرأي العام الحر.
وبمنتهى السطحية والسذاجة – وكأنه يخاطب طلابًا في صف مدرسي – طالبَ بتأسيس جيل جديد من الفلسطينيين “لا يتعلم كراهية اليهود، ويعيش في سلام معهم!”، يطلب ذلك وهو يخوض ضد أجيال متجددة من الفلسطينيين حرب إبادة، دمرت مدارسهم ومساجدهم وبيوتهم وأحلامهم، وزرعت في نفوسهم المزيد من الغضب والإصرار على الكفاح من أجل حريتهم واستقلالهم.
هزيمة نفسية
إن مزاعمه بأن “نزع السلاح من قطاع غزة سيؤدي إلى السلام والاستقرار والأمن في المنطقة”، هي أكاذيب وتدليس لا تنطلي إلا على عقول البسطاء، والعالم كله أصبح يدرك الآن أن جرائم الاحتلال وغطرسة مستوطنيه واعتداءاتهم على الفلسطينيين ومحاولاتهم سرقة التاريخ، هي السبب الوحيد في اضطراب المنطقة وعدم استقرارها.
حثّ نتنياهو الولايات المتحدة والعالم، على أن يقفوا سندًا لدعم جرائم جيشه ومستوطنيه بحق الفلسطينيين، والذين تخرج قطعانهم كل يوم لتعتدي على البشر والشجر والتاريخ.
كما أنه أعلن في خطابه أمام الكونغرس، حربًا لن تنتهي مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم، فكان الخطاب “إعلان حرب” بامتياز، سيتحمل هو وكيانه تبعاتها.
ورغم الأكاذيب والتصفيق، ومحاولات نتنياهو أن يبدو متماسكًا، لكن ما قرأه العقلاء من الناس ولمسوه بقوة أن خطابه عكس هزيمة نفسية، وشكوكًا عميقة بإمكانية النصر، أو حتى إمكانية الاستمرار.
بحْث نتنياهو عن النصر هو بحْث عن سراب، وكأنه بحث عن إبرة في كومة قشّ.
بات العالم يوقن، كما “الكيان الصهيوني” أن الانتصار على حماس وعلى الشعب الفلسطيني من سابع المستحيلات، وأن حماس فكرة والفكرة لا تموت.
واثقون بشعبنا، الصامد رغم قساوة الحرب وشدّة الألم وعظم التضحيات، وواثقون بمقاومتنا التي أذهلت العالم، وأثبتت قدرتها على إيلام جيش الاحتلال المتعب واليائس.
كتائب القسام وسرايا القدس وكل قوى المقاومة فاجأت العالم بقدراتها، وقتالها الذي يزداد ضراوة.
وما خفي أعظم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.