Published On 8/9/2025
|
آخر تحديث: 9/9/2025 09:40 (توقيت مكة)
القدس المحتلة- أعادت العملية الفدائية في القدس المحتلة -اليوم الإثنين- والتي أسفرت عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 11 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، طرح أسئلة عميقة حول جدوى الإجراءات الأمنية المشددة، ومدى قدرتها على التصدي للفلسطينيين في تنفيذ عمليات نوعية ردا على حرب الإبادة في قطاع غزة وحصار الضفة الغربية المحتلة.
رغم الإجراءات الأمنية المشددة تمكن الشابان مثنى ناجي عمرو (20 عاما) ومحمد بسام طه (21 عاما) من قريتي قبيبة وقطنة قرب مدينة رام الله، من الوصول إلى قلب القدس، وفتحا النار عند محطة حافلات، رغم أنهما لم يمتلكا تصاريح دخول ولم تكن لهما سوابق أمنية، قبل استشهادهما برصاص قوات الاحتلال، وفق ما ذكرته إذاعة الجيش الإسرائيلي.
كشفت ردود الفعل الإسرائيلية عن حالة ارتباك وقلق متزايد. فالمحللون الأمنيون أشاروا إلى أن “الوسائل والقدرات” متوفرة في الميدان، بينما يُنظر إلى “النية” لدى منفذي العمليات باعتبارها متغيرا يصعب رصده، وهو ما يجعل الإجراءات الوقائية غير كافية لمنع الهجمات.
هشاشة أمنية
ويرى مراقبون أن الهجوم المسلح يكشف هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية رغم العمليات العسكرية والإجراءات الهجومية التي يشنها جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام “الشاباك” في الضفة والقدس المحتلتين. ويطرح الفشل في منعه تساؤلات حول جدوى حرب الإبادة المستمرة في غزة، وما إذا كانت تزيد من إصرار الفلسطينيين على المقاومة بدلا من ردعهم.
وتناولت التحليلات الإسرائيلية عملية القدس، وكيف نجح المنفذان في تجاوز المنظومة الأمنية، وما الذي تكشفه عن العلاقة بين التصعيد في غزة وتصاعد العمليات الفردية في الضفة والقدس، في ظل مشهد سياسي وأمني يزداد هشاشة يوما بعد آخر.
وأجمعت على أنها لم تكن مجرد هجوم عابر، بل مؤشرا على مرحلة جديدة من التصعيد، حيث تتقاطع عوامل الغضب الشعبي بسبب ممارسات المستوطنين، وانهيار السلطة الفلسطينية، والحرب على غزة، في مشهد يعيد للأذهان أجواء الانتفاضة الثانية. وأنه بالنسبة لإسرائيل، فإن الفشل في منعها يكشف أن قوة النار وحدها لن تكسر إرادة الفلسطينيين، بل قد تكون عاملا مباشرا في تأجيجها.
يرى محلل الشؤون الاستخباراتية والعسكرية في موقع “واي نت”، رون بن يشاي، أن العملية جاءت على خلفية الاضطرابات المتصاعدة في الضفة الغربية، رغم الإجراءات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال بهدف منع مثل هذه العمليات.
ويشير إلى أنها جاءت في توقيت حساس سياسيا، لتزيد الضغوط على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، التي تواجه انتقادات واسعة بسبب الفشل في تحقيق الحسم، سواء في القطاع أو الضفة.
عوامل
ويؤكد أن صور الدمار في غزة وعنف المستوطنين وتراجع السلطة الفلسطينية، كلها عوامل تغذي حماسة الفلسطينيين وتدفع الشباب نحو الهجمات. وبحسب بن يشاي، يشن الجيش الإسرائيلي والشاباك “حربا هجومية ضد المجموعات المسلحة”، غير أن حماية الجبهة الداخلية تظل ضرورة ملحة.
ويذكر بأن تجربة الانتفاضة الثانية أثبتت أن سدّ ثغرات خط التماس وتعزيز وجود القوات الأمنية واليقظة المدنية هي خطوات أساسية لتقليص المخاطر. ويضيف أن خلفية الهجوم تتصل مباشرة بأحداث غزة والتوترات المتزايدة في الضفة خلال الأشهر الأخيرة.
ووفق بن يشاي، حذر الشاباك -مرارا- من احتمال اندلاع انتفاضة جديدة قد تشهد مواجهة بين قوات الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، في ظل ضعف السلطة الفلسطينية وتزايد الأوضاع الاقتصادية سوءا، إلى جانب تأثير مشاهد العدوان في غزة.
من جانبه، يرى مراسل شؤون الاستيطان والأديان في صحيفة “يسرائيل هيوم” حنان غرينوود أن الهجوم الذي وقع عند مستوطنة راموت في القدس كان متوقعا، وأن كل المؤشرات والإنذارات المبكرة كانت واضحة منذ البداية. وذكّر بالقاعدة الأمنية التي يعرفها كل جندي في جيش الاحتلال وهي الوسيلة، والنية، والقدرة، و”هي العناصر الثلاثة اللازمة لأي هجوم مسلح”.
وأكد أن هذه العناصر كانت حاضرة في الميدان منذ أشهر، ورغم ذلك وقع الهجوم وأسفر عن خسائر بشرية، مما يعكس خللا في تعامل المؤسسة الأمنية مع “النية” لتنفيذ عمليات مسلحة التي غالبا ما يتم النظر إليها على أنها “مجرد ضوضاء ليست ذات قيمة”.
المقاومة مستمرة
ويثبت الواقع الحالي -وفق غرينوود- أن العمليات المسلحة الفلسطينية لن تختفي، وأن منفذيها لن يتوقفوا عند الضفة الغربية بل يستهدفون “كامل دولة إسرائيل”، بما في ذلك داخل الخط الأخضر. ويرى أن “هناك حاجة ملحة إلى عملية عسكرية واسعة في الضفة لتفكيك البنية التحتية المسلحة ومنع عمليات التسلل منها عبر جدار الفصل العنصري، حتى لو تطلب الأمر إطلاق النار على المتسللين”.
ويحذر من أن تجاهل هذه التهديدات أو الاكتفاء بخطوات متأخرة يعني الاستعداد للهجوم التالي، قائلا إن ما جرى في راموت ليس سوى “الكتابة على الجدار التي تنذر بأن مزيدا من العمليات قادم ما لم يتم تغيير النهج الأمني جذريا”.
بدوره، حذر شالوم بن حنان، المسؤول الكبير السابق في الشاباك، من أن عملية القدس تكشف عن تحديات خطيرة تواجهها إسرائيل في مكافحة الفصائل والتنظيمات المسلحة، خصوصا في الضفة، حيث تغذي حرب غزة وانهيار السلطة الفلسطينية المتدرج التوتر وتصعد العنف.
وأشار بن حنان إلى أن الهدوء النسبي في الضفة خلال الأشهر الأخيرة لا يعني تراجع النوايا أو انخفاض الاستعداد لتنفيذ هجمات مسلحة، بل هو نتيجة إحباط الأجهزة الأمنية لمخطط تنفيذ عمليات مسلحة، بالإضافة إلى النشاط الهجومي العسكري المكثف، معتبرا أن العملية ليست حادثا معزولا، بل هي انعكاس للتوتر المتصاعد بين غزة والضفة.
ووفقا له، فإن تصاعد العمليات المسلحة يغذيه عداء متجذر لإسرائيل، ويستمد قوته من الحرب على غزة، في وقت تمر فيه السلطة الفلسطينية بفترة ركود اقتصادي وسياسي، مما يقلل من قدرتها على إحباط أي عملية مسلحة ويهدد دورها كعامل استقرار أساسي.
ويضيف أنه حسب التحليلات الأمنية، فإن احتمال تفكك السلطة الفلسطينية في المستقبل القريب يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة وإسرائيل وقدرتها على مواجهة العمليات المسلحة، خصوصا وأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، و”إن تضررت بجزء من قدراتها”، فإن قدرتها على التأثير في الضفة ستظل قائمة.