لندن- منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تزايد الاهتمام العالمي بحركة المقاطعة (بي دي إس)، وتحولت إلى وسيلة للتعبير عن التضامن مع فلسطين واستنكار دعم شركات كبرى لما يتعرض له أهل غزة من عدوان غير مسبوق.
وتلتقي هذه الإرادة الشعبية العالمية مع الأهداف التي تشتغل عليها الحركة لسنوات، وتكشف منسقتها الإعلامية فاطمة بدر عن تزايد الوعي بأهمية المقاطعة وعن الإنجازات المحققة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتحدثت بدر للجزيرة نت عن الحرب الشرسة التي يخوضها “اللوبي الإسرائيلي” للتضييق على الحركة، وتقول إن تل أبيب تتعامل مع حركة المقاطعة “كخطر وجودي يجب مواجهته”.
وفي ما يلي نص الحوار:
-
ما آخر مستجدات حركة المقاطعة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما يحدث حاليا في غزة؟
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على شعبنا في قطاع غزة دعت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل -وهي أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني وقيادة حركة المقاطعة (بي دي إس)- إلى المشاركة في كافة الفعاليات والحملات الشعبية المساندة لأهلنا في غزة.
كما دعت إلى الاستمرار في الحشد والضغط، رافعة مطالب بوقف إطلاق النار الفوري، وفتح معبر رفح البري وإدخال المساعدات الطارئة للقطاع بشكل فوري، بما يشمل الوقود والكهرباء، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا في قطاع غزة.
وعززت حملات مقاطعة إسرائيل على كل الأصعدة بدءا بمقاطعة الشركات المتورطة في نظام الاستعمار والأبارتايد الإسرائيلي، وصولا إلى المقاطعة الأكاديمية والثقافية والفنية والرياضية لهذا “العدو”.
وكثفت اللجنة حملات التصدي الشعبي لكل أشكال التطبيع في الوطن العربي، وتصعيد حملات الحظر العسكري عالميا، وحشد النشطاء وتزويدهم بأدوات فعالة للضغط على صناع القرار في بلدانهم.
-
ما أهم الإنجازات التي حققتها حركة المقاطعة خلال الفترة الماضية؟ وهل من أرقام عن نجاح حملات مقاطعة بعض المنتجات والعلامات التجارية؟
ما زال مبكرا الحصول على أرقام وإحصائيات، ولكن بإمكاننا إعطاء أمثلة لأثر الحركة عالميا، خاصة خلال الأشهر الأخيرة، ففي بداية الشهر الماضي أعلنت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (بي إيه سي بي آي) -وهي جزء مهم من حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)- عن انتصار حملتها المستمرة منذ سنوات بالشراكة مع حركات التضامن عالميا ضد شركة “بوما” الألمانية للألبسة الرياضية، حيث أعلنت الشركة إنهاء عقدها مع اتحاد كرة القدم الإسرائيلي.
كما أعلن رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم فرض الحظر على جميع السفن المملوكة “للعدو الإسرائيلي”، خاصة شركة الشحن الإسرائيلية “زيم”، وتلك المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وذلك “ردا على تصرفات تل أبيب التي تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية والقوانين الدولية”، وجاء هذا القرار بعد عمل حركة مقاطعة ماليزيا الدؤوب في بناء الدعم له.
وقطعت مدينة برشلونة علاقاتها مع إسرائيل بالكامل بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين في غزة، لتصبح أول مدينة أوروبية تفعل ذلك.
وأعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده لن توقع اتفاق تبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل، والذي تم الإعلان عنه خلال إكسبو دبي 2020 وبات معروفا باسم “الكهرباء مقابل الماء”، وذلك بعد ضغط جماهيري كبير من الشارع الأردني، لعب شركاؤنا “الأردن يقاطع” دورا رئيسيا فيه.
كما شهدت حملات حركة مقاطعة إسرائيل ضد الشركات المتواطئة توسعا في الوطن العربي، فقد أعلنت شركة “بن العميد” الأردنية إغلاق جميع فروعها في “كارفور” المتواطئ مع جريمة الإبادة الجماعية ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة.
واستبعدت إدارة الملتقى التوظيفي في الجامعة الأميركية بالقاهرة شركة “أكسا” للتأمين من قائمة الرعاة، وذلك استجابة لنداءات طلاب هذه الجامعة الذين طالبوا بمقاطعة الشركة واستبعادها بسبب استثماراتها في البنوك الإسرائيلية.
كما شجعت الحركة حملات المقاطعة العضوية التي بدأها ناشطون عرب ضد شركات أميركية ضخمة، مثل “ماكدونالدز وبيتزا هت وبرغر كينغ” وغيرها، بسبب قيام الفروع الإسرائيلية لهذه الشركات بدعم الجيش الإسرائيلي خلال الإبادة المستمرة في غزة.
-
هل أصبح الوعي بأهمية المقاطعة أكبر بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول؟ وما حجم نجاح حملات المقاطعة؟
حظيت حملات المقاطعة بتفاعل كبير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشاهدنا نهوضا جماهيريا واسعا يهدف إلى تدفيع جميع الشركات المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية ثمن تورطها، وذلك من خلال تفعيل سلاح المقاطعة ضد الجهات التي أيدت إبادة شعبنا في قطاع غزة المحاصر.
ولدينا الآن أرضية شعبية خصبة لنشر الوعي حول الحملات المستهدفة التي تعمل عليها حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، والتي تعني التركيز على عدد محدد من الأهداف الأكثر تواطؤا والأكثر أهمية من أجل مضاعفة الأثر، لا على المقاطعة غير المستهدفة.
على سبيل المثال، أطلقت الحركة نداء لمقاطعة “كارفور” بسبب تورطه في جرائم الاحتلال، وبطبيعة الحال برز دوره خلال عدوان الإبادة الجاري عبر التبرع بآلاف الشحنات الشخصية لجنود جيش الاحتلال أو مثل حملة مقاطعة “إتش بي”، و”بوما”، و”أكسا” وغيرها.
ومنذ انطلاق الحركة حققت العديد من النجاحات، خاصة في مجال مقاطعة الشركات المتواطئة، فعلى سبيل المثال سحبت شركة “جي 4 إس” الأمنية استثماراتها بالكامل من نظام الاستعمار والأبارتايد الإسرائيلي بعد حملات المقاطعة الدؤوبة بدعم من المناصرين والشركاء حول العالم.
وانسحبت شركة الاتصالات الفرنسية الضخمة “أورانج” من السوق الإسرائيلي، وأوقفت تعاملها مع “بارتنر” الإسرائيلية في أعقاب تهديد الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل في مصر بمقاطعة شركة “موبينيل” المصرية، والتي تمتلك “أورانج” 98% من أسهمها.
واستبعدت الحكومة الكويتية وبلدية كبد شركة “فيوليا” من عقدين تفوق قيمتهما المليار دولار، مما أدى -بالإضافة إلى الضغط العالمي والخسائر التي ألحقتها حركة المقاطعة (بي دي إس) بالشركة- إلى انسحابها بالكامل من السوق الإسرائيلية في أواخر العام 2015.
وبعد سنوات من حملات الضغط والمقاطعة أعلنت شركة “جنرال ميلز” الأميركية بيع حصتها في مشروعها المشترك مع “العدو الإسرائيلي”.
-
ما المشاريع أو الأهداف التي تركزون عليها في الفترة الحالية؟
أهم أولويات الحركة حاليا هي توجيه كل القوة الشعبية التي بنيناها مع شركائنا حول العالم خلال أعوام نحو الضغط على صانعي القرار من أجل إجبار المعسكر الإبادي الأميركي الإسرائيلي المدعوم أوروبيا على وقف حرب الإبادة وإنهاء الحصار على قطاع غزة.
وجزء من هذا الضغط يأتي من خلال تصعيد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، وأيضا عبر الضغط المباشر على أعضاء البرلمانات والحكومات والشركات ووسائل الإعلام المتواطئة من خلال “الاحتلال السلمي” لمقراتهم وإرباك عملهم المعتاد وتواطئهم المستمر بشتى الطرق السلمية.
فمثلا، نعمل بشكل وثيق مع نقابات عمالية وبالذات العاملة في مجال الشحن البحري لإعاقة شحن الأسلحة إلى إسرائيل، وهذا ما قامت به نقابات عدة في بلجيكا وكتالونيا وإيطاليا واليونان وتركيا وحتى كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
كما نضغط بقوة على حكومات صديقة لشعبنا من أجل فرض حظر عسكري على إسرائيل والعمل على طردها من عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وغيرها.
-
هل تواجهون أي مشاكل أو مضايقات خلال ممارسة عملكم؟
بالتأكيد، فالحكومة الإسرائيلية خصصت منذ سنوات وزارة بأكملها لمحاربة حركة المقاطعة (بي دي إس) كونها تعتبرها منذ 2014 “تهديدا إستراتيجيا” قد يرقى إلى “التهديد الوجودي” مثلما صرح مسؤولون إسرائيليون كبار.
كما تعمل إسرائيل مع كل مجموعات الضغط (اللوبي) التابعة لها -بالذات في الولايات المتحدة- على قمع كل نشاط لحركة المقاطعة، وتخصص ميزانيات هائلة لذلك بلغت مئات ملايين الدولارات خلال أعوام قليلة.
-
هناك دول عدة تعمل على التضييق على حركة المقاطعة، فكيف تتعاملون مع الأمر؟
تشن إسرائيل وحلفاؤها حربا قانونية حول العالم على حركة المقاطعة (بي دي إس)، وتحاول الضغط عليها والتضييق على نشطائها وملاحقتهم، تحديدا من خلال سن قوانين تشيطن الحركة وتحاول قمع بعض جوانبها، مما يقوض حرية التعبير والحقوق الديمقراطية لمناصري القضية الفلسطينية.
لكن ذلك لا يعكس إلا حالة الإفلاس والإحباط التي وصلت إليها حكومة الاحتلال، فقد أثبتت حركة المقاطعة قدرتها على تخطي هذه العقبات والاستمرار في النمو والانتشار وزيادة تأثيرها وإحراز المزيد من النجاحات، فضلا عن تنامي عزلة النظام الإسرائيلي، في مؤشر على نجاح أدواتها.
كما أن الحرب الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة مثل حظر دخول النشطاء إلى فلسطين المحتلة وسن قوانين ضد المقاطعة تستفز حتى التيارات الليبرالية غير المؤيدة للمقاطعة من قبل، وتثير روح التحدي عند المؤيدين، خاصة الشباب.