انطلقت دعوة مصرية لجمع أكثر من 7500 توقيع إلكتروني عبر موقع “تشينج” المتخصص في تسهيل الالتماسات وإنشاء العرائض الإلكترونية تحت عنوان “ساعدونا نحافظ على حديقة الزهرية”.
وقد وقع بالفعل على العريضة أكثر من 5 آلاف شخص، في حين لا تزال عمليات التوقيع مستمرة لإنقاذ الحديقة المصرية التراثية من إغلاق محتمل بهدف “التطوير” على غرار حديقتي الأورمان وحديقة الحيوان في محافظة الجيزة، وهو ما رفضه محبو الحديقة الذين اتخذوا قرارهم بتقديم شكوى رسمية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى الجهات المعنية، من أجل الحيلولة دون إحداث أي تغييرات في الحديقة، بالإضافة إلى جمع التوقيعات وتنظيم الزيارات إلى الحديقة مع التأكيد على أن هناك من يهتم حقا لأمر “الزهرية”.
حديقة تاريخية من عام 1868 تتآكل
تضم حديقة الزهرية التراثية في مصر أشجارا يتخطى عمرها 100 عام، أشهرها شجرة التين البنغالي الضخمة في منطقة الجزيرة. وقد أُنشئت الحديقة العريقة في عام 1868 بقرار من الخديوي إسماعيل، على مساحة 49 فدانا، قبل أن تتقلص لتصبح 8 أفدنة فقط.
أنتج مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية فيلما بعنوان “حديقة الزهرية” يوثق تاريخ الحديقة التي أنشأها الخديوي إسماعيل لتكون جوهرة الحدائق ومركزا لتجارب زراعة النباتات النادرة. وتعد الحديقة مصدرا رئيسيا للأشجار التي زُرعت في شوارع العاصمة المصرية لأكثر من 150 عاما، إذ أمر الخديوي إسماعيل بجمع الأشجار النادرة من مختلف أنحاء العالم وزراعتها في مصر تحت إشراف بستانيين عالميين، مثل جون بيير باريليه دي شو، كبير بستانيي غابات بولونيا وباريس، ومساعده جوستاف ديلشيفاليري، الذي أصبح ناظر الحدائق الخديوية.
وشهدت الحديقة وجزيرة الزمالك زراعة أكثر من مليون نبتة، مع اهتمام خاص بأقلمة النباتات الجديدة على مناخ مصر داخل حديقة الزهرية، التي أصبحت مركزا للتجارب، حيث أُقيمت صوب عتيقة من هياكل حديدية وألواح زجاجية لحماية النباتات القادمة من المناطق الاستوائية من صقيع الشتاء، ورياح الخماسين في الربيع، وحرارة الصيف المرتفعة.
عريضة عالمية للحفاظ على الزهرية
خلال العقد الماضي، لم تحظ حديقة الزهرية بشهرة واسعة، إذ ظلت مغلقة لسنوات. وفي عام 2021، زارها وزير الزراعة المصري ووجّه برفع كفاءتها وفتحها أمام الزوار، وهو ما تحقق بالفعل. لكن الزوار تلقوا لاحقا إخطارات بأن الحديقة قد تُغلق مجددا بغرض “التطوير”، مما أثار مخاوف بشأن الحفاظ على قيمتها التاريخية والتراثية. استجابة لهذه المخاوف، انطلقت مبادرات عدة لـ”الحفاظ على الحديقة”، بدأت بعريضة على موقع “تشينج” أطلقها محبو “الزهرية” لتقديمها إلى الجهات المعنية في مصر، أملا في حماية الحديقة التي تتميز بأشجار نادرة وتفاصيل فريدة وشهدت تصوير العديد من الأفلام المصرية الكلاسيكية.
يوم الوداع
لم تكن خلود رضا، البالغة من العمر 27 عاما، تتوقع أن حديقة الزهرية التي اعتادت تنظيم الفعاليات الفنية بها، قد تغلق أبوابها في يوم الزائرين يوما، لكن الشابة المصرية التي تخرجت في كلية الفنون الجميلة فوجئت مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول أثناء دخولها إلى هناك أن الحديقة سوف تغلق أبوابها قريبا، لفترة غير معلومة.
خلود التي تعمل في مجال تصميم الملابس والأعمال اليدوية تواظب على زيارة الزهرية بانتظام منذ عام كامل، وتقول للجزيرة نت “نقوم بعمل أنشطة فنية بالخيوط، فضلا عن الرسم، وقد اتسعت دائرة أصحابي مع الوقت، وصار عددنا في كل مرة يتراوح بين 10 إلى 20 شخصا، فجأة ومن دون كثير من التفاصيل قيل لي من أحد الحراس أنها سوف تغلق أبوابها، فقررت تنظيم زيارة أخيرة لها كمراسم وداع”.
الحديقة التي يبلغ ثمن دخولها 10 جنيهات، شهدت تجمع خلود وصديقاتها كما شهدت تجمعات عديدة في اليوم الذي قيل إنه الأخيرة قبل أن يتغير المصير، وتقول “لا أعلم ما الذي جرى بالضبط لكن العاملين بالحديقة قالوا لنا عقب أيام من زيارة الوداع أن القرار تغير، وأن الحديقة ستواصل فتح أبوابها، والحق أنني شعرت بسعادة، وواصلت دوري في تعريف الناس بالحديقة وبالأنشطة الفنية التي أقيمها هناك، كنت أشعر بحزن شديد لخبر إغلاقها لأنه لم يعد هناك الكثير من الحدائق، فمثلا حديقة الأورمان التي كنت أزورها من وقت لآخر أغلقت أبوابها أيضا ولا أدري متى يمكن أن تعود مرة أخرى”.
وعود الدولة لمحبي “الزهرية”
كواليس منع إغلاق حديقة الزهرية اتضحت لاحقًا، حيث أعلنت جمعية تنمية الزمالك، وهي جمعية أهلية غير هادفة للربح، عن نجاحها في التواصل مع الجهات الحكومية المسؤولة عن تطوير الحديقة التاريخية. وبعد اجتماع رسمي عُقد في السادس من أكتوبر الماضي مع قيادات محافظة القاهرة، أصدرت الجمعية بيانًا رسميًا يؤكد بقاء الحديقة مفتوحة أمام الجمهور، مع التزام الدولة بتوسيع الرقعة الخضراء، وزيادة الأشجار والنباتات، ورفع كفاءة المكان ليؤدي دوره كحديقة عامة ومتنزه ومعمل للأبحاث الزراعية.
ونشرت الجمعية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك “تم إبلاغنا بأنه سيتم الحفاظ على الصوب الملكية بطابعها التراثي، وتجديدها بحيث تقوم بوظيفتها الزراعية بكفاءة عالية. وأكدت الخطة أن تجديد الحديقة سيشمل توفير خدمات للزوار تتناسب مع طبيعة الحديقة وقيمتها الأثرية، دون التأثير سلبا على روادها”. وأضافت الجمعية أنها على استعداد للتعاون مع جميع الجهات الحكومية للحفاظ على حديقة الزهرية التاريخية في الزمالك.
كان هذا الخبر مصدر فرحة للعديد من المهتمين، ومن بينهم فاطمة أبو دومة، إحدى مؤسسي صفحة “محبي حديقة الزهرية” على فيسبوك. وتقول فاطمة للجزيرة نت “بدأت علاقتي بالحديقة منذ عام 2023، كانت مغلقة قبل ذلك، لكنني أصبحت أزورها مع أفراد عائلتي للاحتفال بمناسباتنا الخاصة، وكذلك مع أصدقائي. لم تعد هناك حدائق كثيرة حولنا، كما تقلصت مساحة حديقة الزهرية من 49 فدانا إلى 8 أفدنة فقط، لذا كان من المؤسف التفكير في إغلاقها، من حق الناس رؤية مساحات خضراء وأن تكون متاحة لهم”.
وأبدت فاطمة عدم يقينها من سبب بقاء الحديقة مفتوحة، مضيفة “لا أعرف هل السبب يعود للتوقيعات، أم لجهود المجتمع المدني، أم أن الإغلاق لم يكن مخططا من الأساس. ما أعرفه أن هذه الحديقة تتمتع بخصوصية فريدة، وتختلف عن أي حديقة أخرى زرتها. تتميز بالهدوء والأجواء الساحرة، وتجعل كل زائر يشعر وكأنها ملكه الخاص. كما أن العاملين فيها يهتمون بها بشغف حقيقي، وليس مجرد أداء وظيفة، ربما لهذا السبب يتمسك الجميع بالزهرية، فهي مصدر سلام وليست مجرد حديقة عادية”.