دمشق – يجلس رضوان بشير سراقبي أمام مكتبة ودار الفردوس للنشر التي يمتلكها في حي الحلبوني في دمشق، ويستهل حديثه للجزيرة نت بتوضيح تاريخ الدار التي أُسست عام 1920، ويصف علاقة النظام الأسدي المخلوع بمهنة بيع الكتب ونشرها بأنها خصومة شديدة، استمرت لأكثر من 50 عاما بين حكم الأب والابن، شكل فيها النظام السابق جدارا يفصل السوريين عن العلم وأهل العلم.
يتحدث الرجل السبعيني عن نشأته في المكتبة منذ عام 1965، وما ناله العلماء والناشرون من سطوة النظام، فيكفي أن يتوفر كتاب ممنوع لتنهال عليهم طلبات مراجعة الأفرع الأمنية، يستطرد أن بعض هذه العناوين كانت موجودة في المكتبة الوطنية (الأسد سابقا) غير أن تداولها كان ممنوعا.
ولدى سؤاله عن أسباب المنع، يجيب سراقبي بأنها غامضة وغير واضحة، ويذكر على سبيل المثال كتب الروائي الفلسطيني أدهم الشرقاوي، التي منعت من دون إيضاحات، مما أضرّ أصحاب المكتبات بسحب نحو 30 عنوانا للكاتب، قبل عودتها إلى الرفوف بعد سقوط النظام.
سوق الحلبوني.. وجهة لطلبة الجامعة
يجاور الحي الدمشقي كليات الحقوق والشريعة والفنون الجميلة في جامعة دمشق، وتنتشر المكتبات على امتداده، بعضها تختص بالكتب الدينية، وأخرى بالقواميس، بينما معظم المكتبات تنوع تخصصاتها، وقد أسهم تراجع الوضع الاقتصادي باعتماد بعض المكتبات على العمل ببيع القرطاسية ولوازم الدراسة الجامعية.
خلال جولة الجزيرة نت في الحي، صادفنا طلبة يبحثون عن روايات مترجمة وكتب دينية، يعلق أبو راتب (28 عاما) -الذي يعمل في دار الفارابي للنشر- أن هناك زيادة في حركة السوق، ويقدر انخفاض الأسعار بنحو 30% أسوة بمعظم الأسعار التي هبطت، أما زيادة العناوين في السوق، فلا يعتبرها كبيرة، إذ اقتصرت على عودة الكتب الممنوعة للتداول، وغالبها من أدب السجون.

في إحدى المكتبات المختصة بالدراسات الإسلامية، يتحدث عامل المكتبة -الذي فضل عدم ذكر اسمه- عن أن هناك طلبا يزداد على الكتب الدينية، وقد كان ذِكر بعض أسماء العلماء محظورا في السابق، بيد أن المكتبة لم توفر بعض العناوين حتى الآن، إذ تسعى لنشر مؤلفات علماء بلاد الشام باختلاف توجهاتهم ومذاهبهم.
ولا يقتصر بيع الكتب في الحلبوني على المكتبات، حيث تحضر بسطات الكتب المستعملة والجديدة على الأرصفة. التقت الجزيرة نت فادي الإمام الذي يدير عمله على رصيف في المنطقة، ويوضح الشاب الثلاثيني أن توفر الكتب يعني انخفاض سعرها، وهذه هي الحال بالنسبة للكتب الدينية والسياسية، وعن شريحة الزبائن الأساسية، يؤكد الإمام أنهم من طلبة الجامعة. وكانت العاصمة قد شهدت إزالة بعض بسطات الكتب في مناطق متباينة، بينما يوضح الشاب أن بسطته تمتلك ترخيصا من وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف، ولم تتعرض لأي إشكالية تتعلق بإشغال الرصيف.

مبادرات شبابية وأنشطة ثقافيّة
يتمدد النشاط الثقافي في دمشق بعيدا عن المكتبات والهيئات الثقافية الرسمية، وشهدت المقاهي انتعاشا كبيرا، وبات مقهى الروضة الذي يتوسط شارع العابد محطة أساسية عند الحديث عن النشاطات الثقافية والحقوقية في العاصمة السورية، وقد نظمت دار نينوى حفلا لتوقيع وإشهار رواية “السماق المر” للكاتبة حسيبة عبد الرحمن في مقهى الروضة الثلاثاء الماضي.
شهد حفل التوقيع حضورا كبيرا، ملأ صالة المقهى، وغلب عليه أهل السياسة من المعارضين التاريخيين لنظام الأسد، فالكاتبة كانت من معتقلات الرأي في سوريا، وسبق لها النشر في نوع أدب السجون ضمن روايتها “الشرنقة”، التي تتحدث عن ظروف اعتقالها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وصرحت حسيبة عبد الرحمن للوكالة السورية للأنباء “سانا” بأن توقيع الرواية علنا أشبه بحلم لا تستطيع تصديقه، ويعكس هذا التصريح الفضاء الجديد للحياة الثقافية السورية، لا سيما في العاصمة.

كذلك يشكل البيع عبر شبكات التواصل الاجتماعي جزءا كبيرا من تداول الكتب في سوريا، وتحظى مجموعات التبادل والشراء بمتابعة كبيرة. وعن تجربته في هذا المجال، يتحدث الكاتب والمحرر الفلسطيني السوري يوسف شرقاوي للجزيرة نت: “أعتقد أن طموح بعض التجارب التي نشأت في بيع الكتب كان يطال أن تتحول إلى بديل لمكتبات مثل نوبل وأطلس والزهراء والعائلة وإيتانا واليقظة”، وتعد هذه من المكتبات الأثيرة في سوريا وأغلقت أبوابها تباعا خلال السنوات الماضية.
ويقسّم شرقاوي تاريخ بيع الكتب في سوريا إلى مؤسسي -أي المكتبة النظامية ذات المكان الثابت- وخروج عن المؤسسة، على حد تعبيره. ويصنف الخروج عن المؤسسة ببسطات الكتب التي أوجدت لنفسها مكانا في الشارع، ثم يقارب البيع الأونلاين كخروج عن الخروج، وهي آلية حديثة العهد، فرضها الواقع وانعدام الأمكنة، حسب تفسيره.
عن تجربته الشخصية، يقول المحرر لدى دار ممدوح عدوان للنشر: “بدأت بائعا ثم أسست مع الصديق فادي حداد مشروع بيع الكتب (كتاب اطلبني) عن طريق موقع فيسبوك. ويضيف أن الطموح كان تحول المشروع إلى مكتبة، لكن العقبات كانت أكبر، بقي المشروع أونلاين مع جهد هائل، غير أن حسناته تتمثل في عرض أكبر قدر من الكتب في مكان واحد، عائم وغير ملموس، لكنه يمكّن شريحة واسعة من الوصول إليه، ويختتم بقوله اكتشفنا أنه كما حرر الفقر المسرح حسب تعبير خوسيه كوينتيرو، فيمكنه أن يحرر المكتبة بوصفها نظاما أيضا”.