في محاولة للتصدي لمشكلة تدهور المدن، بدأت مدن مثل بالتيمور الأميركية وليفربول البريطانية في بيع منازل مهجورة مقابل دولار واحد فقط. ولكن هل يمكن أن تحقق هذه المبادرة النجاح المنشود، ومن هم الرابحون والخاسرون من هذه التجربة؟.
وفقًا لتقرير نشرته بي بي سي البريطانية، تعود جذور هذه المبادرة إلى سبعينيات القرن الماضي في بالتيمور بالولايات المتحدة، حيث تم طرح منازل مهجورة للبيع مقابل دولار واحد فقط ضمن برنامج أُطلق عليه اسم “الاستيطان الحضري”.
وكانت جودي أليكزالزا، إحدى الأوائل الذين استفادوا من هذا البرنامج، قد اشترت منزلا مهجورا في منطقة “بيغ تاون” عام 1976. ورغم أن المنزل كان في حالة مزرية وقت الشراء، فقد قضت سنوات في ترميمه بمبالغ مالية كبيرة، قائلة: “كنت على وشك إعلان إفلاسي الشخصي، لكن بعد كل شيء، أصبح المنزل ملكي بالكامل، وهذا كل ما يهم”.
تجربة بالتيمور ونجاح محدود
وكان البرنامج يهدف إلى إعادة تأهيل المناطق الحضرية المدمرة من خلال تمكين السكان المحليين من شراء المنازل بأسعار رمزية ثم ترميمها. ويقول جاي برودي، الذي كان يدير البرنامج في ذلك الوقت: “لقد اخترنا أسماء من بين المتقدمين وبدأنا بالتعامل معهم. وعندما انتهى البرنامج، احتل غلاف مجلة أميركان إكسبريس”.
ورغم النجاح النسبي الذي حققه البرنامج في بداية الأمر، فإنه توقف في عام 1988 بعد مغادرة برودي. ومع ذلك، عادت بالتيمور في وقت سابق من هذا العام لتطرح مبادرة جديدة مشابهة تحت مسمى “برنامج الأسعار الثابتة”، حيث يُمكن للمقيمين شراء منازل مهجورة مقابل دولار واحد بشرط أن يكون لديهم 90,000 دولار لتمويل عملية الترميم، وأن يلتزموا بالسكن في المنزل لمدة 5 سنوات على الأقل.
تطبيق الفكرة في ليفربول ومدن أخرى
وفي عام 2013، تبنت مدينة ليفربول البريطانية الفكرة، حيث طرحت منازل في منطقة “ويبستر تريانغل” للبيع مقابل جنيه إسترليني واحد. وتقول ماكسين شاربليس، إحدى المشترين: “كان هناك غزو للفئران، وكان لدي شجرة تنمو من إطار نافذة المنزل. كان العمل مرهقا ومتعبا للغاية، لكنه كان يستحق ذلك في النهاية”.
ورغم كل الصعوبات التي واجهتها، تقول شاربليس: “لقد غير المنزل حياتي بالكامل..، فأنا أعيش في المنزل الذي حلمت به وقمت بترميمه بنفسي”.
انتقادات ومخاوف
ورغم الانتشار الواسع لهذا النموذج في مدن أخرى حول العالم، بما في ذلك في إيطاليا وإسبانيا، فإن هناك انتقادات لهذه المبادرة وفق بي بي سي.
وتذكر بي بي سي، أن ديفيد سيمون، مبتكر المسلسل التلفزيوني الشهير “ذا واير”، الذي استلهم من تجاربه كمراسل في بالتيمور، أبدى شكوكه حول نجاح هذه البرامج في تحقيق العدالة الاجتماعية. حيث يقول سيمون: “رغم أن البرنامج أعاد قاعدة ضريبية إلى المدينة، فإنه لم يكن ناجحا في نشر الثروة. أي برنامج تجديد حضري في المدينة لم يكن يوما عادلا”.
تأثير المبادرات
في ليفربول، يعترف توني ماوسديل من قسم الإسكان في المجلس البلدي بأن البرنامج قد ساعد في تحسين المنطقة، لكنه واجه بعض التحديات مثل السلوكيات غير الاجتماعية والمنازل التي لم تُرمم بعد.
في بالتيمور، يتحدث ديفيد ليدز، مدير منظمة “ووتر بوتل كوبريتيف” غير الربحية، عن قلقه من تأثير هذه البرامج على زيادة الإيجارات ودفع الأشخاص ذوي الدخل المنخفض إلى مغادرة المناطق. يقول ليدز: “الأفراد الذين يشترون المنازل بدولار واحد قد يتسببون في إعادة تأهيل المناطق، ولكن ذلك قد يؤدي إلى رفع الإيجارات وطرد الأشخاص ذوي الدخل المنخفض”.
ورغم هذه الانتقادات، تؤكد أليس كينيدي، مفوضة الإسكان في بالتيمور، أنها تدرك المشكلات التي خلفتها البرامج السابقة وتسعى لتفادي الأخطاء الماضية. تقول كينيدي: “أولوية قصوى لنا جميعًا هي تصحيح السياسات السكنية العنصرية التي وقعت في الماضي والتعامل مع الفصل الاجتماعي والاقتصادي”.
وتظل مبادرات بيع المنازل بدولار واحد وسيلة لجذب الانتباه نحو تجديد المناطق الحضرية المتدهورة، ولكنها تواجه تحديات كبيرة. ومع أنها نجحت في تحسين بعض المناطق، إلا أن المخاوف حول العدالة الاجتماعية ورفع الإيجارات تظل قائمة.