تتواتر أنباء منذ أيام عن سقوط مئات القتلى في ولاية الجزيرة (وسط السودان) نتيجة المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أو بسبب تفشي الأوبئة بين الأهالي وفي أماكن النزوح في هذه الولاية.
واتهمت وزارة الخارجية السودانية الخميس الماضي الدعم السريع بارتكاب مذبحة جديدة بحق المدنيين في مدينة الهلالية بولاية الجزيرة، راح ضحيتها 120 مدنيا خلال يومين فقط.
كما اتهم ناشطون سودانيون قوات الدعم السريع بقتل 1237 شخصا في شرق الجزيرة وشمالها منذ 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظل عمليات تهجير استهدفت أكثر من 400 قرية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، ونحو 13 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، وسط تصاعد الدعوات الدولية والمؤسسات الأممية لإنهاء الحرب لتجنب شبح كارثة إنسانية تعرض الملايين للقتل نتيجة المجاعة والأوبئة الفتاكة.
لماذا ولاية الجزيرة؟
وللوقوف على أسباب الانتهاكات التي ترتكب في هذه الولاية تحديدا، التقت الجزيرة نت عددا من الخبراء في الشأن السوداني، منهم أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية أسامة عيدروس، والإعلامي والمحلل السياسي ضياء الدين بلال، والقيادي في نداء الوسط (مبادرة إنسانية معنية بقضايا المنطقة الوسطى التي تضم ولاية الجزيرة وسنار والنيل الأبيض) معمر موسى.
وأرجع الخبراء أسباب التصعيد والانتهاكات إلى جملة من الأمور العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على النحو التالي:
- التقدم الذي حققه الجيش السوداني في محور جبل موية (وسط السودان ويبعد 250 كيلومترا عن الخرطوم) دفع قوات الدعم السريع إلى إعادة ترتيب أولوياتها في هذه المنطقة.
- انشقاق قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة أبو عاقلة محمد أحمد كيكل وانضمامه إلى قوات الجيش السوداني أوجد رغبة في الانتقام خاصة من المنطقة الشرقية في الولاية التي ينتمي إليها كيكل.
- كثرة الانتهاكات تستهدف التدخل الدولي والأممي من أجل وقف الحرب وتثبيت أمر واقع يسمح لقوات الدعم السريع بالعودة للمشهد السياسي السوداني عبر المفاوضات.
- ولاية الجزيرة أغلب سكانها من المدنيين والمزارعين الذين لا يحملون السلاح وليست لديهم خبرات قتالية، ولا يشكلون خطورة عسكرية على القوات التي تسيطر على أراضيهم، فكان من السهل على الدعم السريع اجتياح هذه المناطق وتهجير أهلها.
- الولاية تضم “مشروع الجزيرة” الذي يعد أكبر مشروع زراعي في أفريقيا والوطن العربي، وتعتمد الزراعة فيه على الري الانسيابي.
موقف الجيش السوداني
يجمع الخبراء الذين التقتهم الجزيرة نت على أن الجيش السوداني يحاول استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة ووقف الانتهاكات التي تقع في حق المدنيين هناك، لكنهم يختلفون في الأسباب التي تحول دون تحقيق هذه الغاية.
فأسامة عيدروس يرى أن “الجيوش بطبيعتها ونوع تسليحها تتحرك على نحو بطيء، وفي المقابل تكون المليشيا سريعة الحركة بسياراتها رباعية الدفع وتهاجم المناطق الرخوة والمدنيين مباشرة”. وأضاف أن الجيش حاليا يحقق تقدما ويتحرك نحو ولاية الجزيرة من 3 محاور من سنار (جنوبا) والخرطوم (شمالا).
لكن ضياء الدين بلال يقول إن “هناك مسؤولية كبرى تقع على الجيش السوداني في حماية المدنيين حتى لا يتعرضوا إلى مثل هذه الكوارث والمصائب، ولكن واضح أن هناك إشكالات متعلقة بالجيش في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة التجاذبات السياسية والضعف الكبير، ولم يعد قادرا على التعامل مع كثير من التحديات”.
واستدرك بأن الجيش استطاع “أن يحبط السيناريو الانقلابي في 15 أبريل/نيسان 2023 الذي كان يرغب في الوصول إلى السلطة عبر انقلاب خاطف وسريع، وبعد فشل هذا السيناريو انتقلت المليشيا وداعميها إلى شن حرب شاملة والانتشار على الأرض، مع ارتكاب انتهاكات وجرائم تتحول على طاولة التفاوض إلى أوراق للكسب السياسي والعسكري”.
أما معمر موسى فيذهب إلى أن ما يحدث في السودان “ليس مجرد عملية عسكرية بل هو تداخل كثيف بين ما هو سياسي وعسكري”، مؤكدا أن “الجيش ليست لديه القدرة الكافية للقيام بهذه المهمة”، وذلك لعدة أسباب:
- اتساع مساحة المعركة وتعدد جبهاتها.
- طبيعة الجيش السوداني جعلته يتحول -منذ فترة طويلة- إلى الطابع الإداري وفقد حساسيته القتالية.
- محدودية الإمكانيات اللوجستية للجيش مقارنة بنوعية التسليح لدى قوات الدعم السريع.
الموقف الدولي
الخبراء السودانيون أيضا يقرون بتواضع الجهود الدولية والمؤسسات الأممية من أجل العمل على توقف الصراع من أساسه، ومواجهة صور الانتهاكات المختلفة التي يتعرض لها المدنيون، وكذلك إيصال المساعدات الإغاثية للنازحين داخل السودان واللاجئين خارجه.
ويرى ضياء الدين بلال أن المساهمات الدولية التي تم الإعلان عنها لصالح السودان لم يتم الإيفاء إلا بنحو 25% منها، “وهي نسبة متدنية جدا تشعرك بأن المجتمع الدولي لا يضع اعتبارا كبيرا لمعاناة السودانيين، ولا يجد ما يدفعه للاهتمام بالتفاصيل التي يمكن أن تعمل على إيقاف الحرب من منبعها أو التعامل مع ما يترتب عليها من كوارث إنسانية وانتهاكات”.
أما أسامة عيدروس فأشار إلى أن المجتمع الدولي “غائب منذ فترة عن السودان، ووكالات الغوث الدولية لم تقدم إلا القليل جدا من أجل إنقاذ النازحين واللاجئين، أمام جرائم المليشيا التي ظلت تتكرر… مع تدمير البنى التحتية والمستشفيات وجرائم القتل في حق حتى الأطفال، وهناك مزاعم بنشر السموم في محطات المياه والطعام”.