تفاوت مستوى المشاركة العربية هذا العام في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وهو أحد أعرق المهرجانات العالمية وأكبرها، وقد انتهت فعاليات هذه الدورة الـ81 يوم 7 سبتمبر/ أيلول الجاري.
وليس تفاوت المستوى من العيوب الكارثية قطعا، وإن كان من المؤشرات المستوجبة للتوقف ومراجعة الحسابات، لا سيما أن التفاوت لم يتراوح بين المتوسط والرائع والممتاز، بل بين الرديء والعادي والمقبول والجيد، وخصوصا الأفلام الروائية الطويلة، والمشاركة في الأقسام المختلفة هذا العام، وهي “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”، و”ينعاد عليكو”، و”معطر بالنعناع”، و”عائشة”.
المثير للغرابة أن هذا التفاوت مرده لأمور متكررة على مدى سنوات متتالية، ولا بد من مراعاة هذه الأمور، وعلى رأسها السيناريو، وفنيات كتابة الحوار، ناهيك عن انتقاء الممثلين وتدريبات الأداء والحركة والنطق، للخروج من الممثل بأفضل ما لديه، فما تزال هذه المشكلات الفنية تشكل عقبات للسينما العربية، مع أن علاجها يسير ويخرجنا من الدوران في نفس الحلقة المفرغة، وتكرار نفس المشاكل، وإفساد إبداعات كادت تكون جيدة.
ولا يعني هذا أن المشاركات العربية في مهرجان البندقية هذا العام كانت الأسوأ، أو الوحيدة التي احتوت على مشاكل أو تفاوت مستواها، بل إن عددا من الأفلام الكبرى كانت كذلك، ومنها أفلام منتظرة مشاركة في “المسابقة الرئيسية”، وتحمل توقيع كبار المخرجين والمعلمين في كتابة السيناريو والحوار، أو من إنتاج أكبر الأستوديوهات العالمية.
لكن -وهنا مربط الفرس- مهما بلغ المستوى أو المشاكل بالفيلم، فإن التنفيذ النهائي أو الصنعة لا غبار عليها، ويكاد يستحيل أن تجد غلطات أو حتى هفوات هنا أو هناك مرتبطة بالتنفيذ أو جوانب الصناعة المختلفة.
الأمر ليس كذلك في أغلب الأفلام العربية، فهي عامرة بأخطاء عادة ما تصاحب التجارب الأولى، وتترافق مع سرعة التنفيذ، وتبرز مع الطموح غير الموظف جيدا، ويفاقمها التشتت ونقص الخبرة وفقر الخيال، ناهيك عن عقبات التمويل، والدراية بماهية السينما، والجهل بالفنون الأخرى عموما.
أما الأفلام الوثائقية الطويلة المعروضة هذا العام، فلم تصبُ نحو المغاير أو المفارق للمعتاد أو العادي والمألوف، ولم تشتبك كثيرا مع الواقع أو تثر الكثير من الأسئلة المحفزة، ولم تراع أدبيات وفنيات الأفلام الوثائقية ومدارسها المختلفة.
بل كانت تفضل الجنوح موضوعيا وجماليا وفنيا، صوب التقارير الصحفية ذات المسحة الوثائقية، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة بخصوص فهم طبيعة الجنس الوثائقي ذاته، وكيفية صناعته، وطرق معالجته والاشتغال عليه، والغرض منه. وقد تجلى هذا في الوثائقيين “سودان، تذكرنا” و”وعاد مارون إلى بيروت”.
جماليات الصورة.. استفاقة السينما العربية بعد طول انتظار
من الأمور المبشرة فيما يخص الأفلام المعروضة بمهرجان البندقية هذا العام، ذلك التنوع المرصود في الأفلام، لا سيما الروائية، ولعل ذلك وليد رغبة أو محاولة مشروعة في التجريب والتجديد، وتجاوز السائد أو المألوف أو النمطي، والابتعاد عن المطروق والمعهود في السينما العربية، سواء فيما يتعلق بالموضوعات وطُرق الطرح والمعالجة، أو بالحبكة وكيفية نسج الخيوط والأحداث، أو فيما يخص رسم الشخصيات.
فالاجتهاد مطلوب ومشروع، ويجب دعمه وتحفيزه ومساندته لتقديم المغاير، لكن ثمة فنيات راسخة يصعب تجاوزها، أو التغاضي عن عدم إتقانها. ومع ذلك فالمحاولات جريئة ومشروعة، ومبشرة أيضا إذا التُفت إليها لتداركها ومعالجتها مستقبلا.
تحاول المخرجة مزج قصص خمسة من شباب الثورة السودانية، وهم أشجان سليمان، وأحمد مزمل، ومها الفكي، وخطّاب أحمد، ورفيدة، وذلك للخروج منها بحكايات عن مكابدات بلد كان يمر بمرحلة ثورة، وبمعركة غير عادلة بين طموح الشباب العزل وجبروت الجيش.
يعد الفيلم بمثابة صورة استعارية لجيل يناضل من أجل الحرية في الخرطوم، مستخدمين كلماتهم وقصائدهم وهتافاتهم وحتى أجسادهم، لتحدي النظام العسكري الفاسد المسؤول عن الفظائع المرتكبة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وغيرها.
ويصور الوثائقي رحلة اعتصامهم الذي استمرت 57 يوما في الخرطوم، مرورا بمجزرة 3 يونيو/ حزيران 2019، والانقلاب العسكري في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وصولا إلى بداية الحرب التي أجبرتهم على اللجوء إلى المنفى، مع الاستعانة بلقطات أرشيفية كثيرة مصورة سرا، مع تعليقات صوتية تسعى لشرح الأحداث والأوضاع.
“وعاد مارون إلى بيروت”.. قصة المدينة وأشهر سينمائييها
في وثائقيها الطويل الأول “وعاد مارون إلى بيروت”، لا تبتعد المخرجة اللبنانية فيروز سرحال كثيرا عن بيروت، حيث دارت أحداث عوالم فيلمها السابق، وهي تحاول سبر أغوار مدينة ومجتمع وبشر، وأحوال ومصير ومستقبل بلد، وقبل كل شيء أحوال ومشاكل وهموم السينما، المشتبكة والمتأثرة بمختلف الجوانب في بلدها.
وللتعبير عن هذا كله وأكثر، ليس ثمة ما هو أقوى من محاولة استعادة واستنطاق وإعادة إحياء اسم وسينما وعوالم المخرج الراحل مارون بغدادي، وهو أحد أهم المخرجين اللبنانيين العاملين في السينما منذ عام 1973، عشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وأبرز من صنع سينما مغايرة وصادقة وعميقة ومشتبكة مع الواقع السياسي والاجتماعي، والفردي بالتأكيد.
أما أبرز ما لفت الاهتمام أو النظر في هذه الأفلام الروائية الطويلة، فهو ذلك الاهتمام الخاص بفنيات الصورة، وجماليات التكوين، والرؤية البصرية إجمالا، وكان ذلك من الأمور الغائبة أو المهملة في السينما العربية عقودا طويلة، إلا فيما ندر.
ويمكن القول إن الاهتمام بهذا الجانب وإيلاءه أولوية ملحوظة، ربما ينم عن وعي وإدراك أن السينما فن الصورة بالأساس، والتفنن فيها وفي جمالياتها. وباكتساب الخبرة والمهارة والثقافة الفنية والتدريب البصري للعين، ينتقل المبدعون بأفلامهم نقلة نوعية، صوب فن الحكي أو السرد السينمائي بالصورة، وذلك بعد إتقان فنون وجماليات السرد السينمائي الخالص ومفرداته وفنياته.
حضور الشباب.. أجيال واعدة ذات مستقبل مشرق
من بين الجوانب الجيدة في هذا العام، ذلك الحضور القوي للشباب أو الأجيال الجديدة الوافدة إلى جوانب الصناعة السينمائية، فإذا شُحذت مهاراتها وصقلت مواهبها فسيكون مستقبلها باهرا. وهذا فيما يتعلق بالتقنيين أو الممثلين المشاركين في الأفلام الروائية، ومعظمهم هواة غير محترفين، يقفون أول مرة أمام وخلف الكاميرا.
ومع أن أفلام هذا العام كانت متنوعة من حيث تباين الأفكار والموضوعات والمعالجات والأساليب والطرح، فإنها تكاد تتطابق في فكر يعكس كثيرا من العوامل المشتركة؛ مشكلات متعلقة بهموم وخيبات أمل وتطلعات مجهضة ومستقبل غامض لدى الأجيال الجديدة، من السودان ومصر إلى تونس وفلسطين مرورا بلبنان.
والقاسم المشترك هو رفض الماضي، وعدم الرضا التام عن الحاضر، والرغبة الحارقة في استشراف أفق غامض جدا، والخوف الكبير من مستقبل في غاية الضبابية والسوداوية، أو على الأقل غير مشرق أو براق أو واعد.
كما أن ثمة رغبة مسيطرة بالرحيل أو المغادرة أو الفرار، مجازيا أو واقعيا، لكن مع الأسف، كل شيء مجهض أو معطل أو مؤجل، كعادة أغلب الأمور في عالمنا العربي.
“سودان، تذكرنا”.. قصص من حكايات الثورة السودانية
في جديدها “سودان، تذكرنا” أو “سودان، يا غالي”، ترسم لنا المخرجة التونسية هند المؤدب صورة للسودان المعاصر، خلال السنوات الماضية التي مزقته فيها الانتفاضات والثورة والحروب والانقلاب والديكتاتورية العسكرية، واختطاف بلد وأناس ومقدرات شعب لوجهة ومصير غير معلومين.
وقد أرادت المخرجة أن يكون فيلمها على هيئة قصيدة ورسالة حب مفتوحة للسودان وأهله، لكن الفيلم لم يسفر عن جديد، ولم يأت بمغاير عن ما عهدناه في وثائقيات أخرى صنعت عن ثورات الربيع العربي في بلدان شتى، أخرجها مخرجون عدة، فقد صنع أغلبها على عجل أو تحت ضغط الموضوع، أو كان أسيرا لرصد اللحظة والإمساك بكل ما يُصوّر، من غير تفكير في إفادة المشاهد أو الخروج بجديد، ناهيك عن جماليات صورة وبناء وتكوين.
تنطلق المخرجة في رحلة ببيروت، متنقلة في أحيائها وفضاءاتها، مستعرضة المدينة المؤثرة في حياة بغدادي، فتلتقي زوجته ومقربين وعاملين معه، مستعرضة محطات عدة ومتنوعة من حياته ومسيرته وشخصيته، على خلفية المشهد الاجتماعي والسياسي، وفي مقدمته الحرب بلا ريب.
كما تستعين بمادة أرشيفية من أعمال مارون الروائية أو الوثائقية، ولقاءات وحوارات قديمة مسجلة، وبعض صوره الفوتوغرافية. وما يثيره الفيلم أكثر من أي شيء هو تأكيده أن تاريخنا العربي عموما واللبناني خصوصا، إنما هو تكرار لنفس المآسي التي ستظل تتوالى، ما لم يحدث تغير جذري ببنية النظم والمجتمعات، وقبلها طرق التفكير.
ترافق اختيار بغدادي بالأساس مع ذكرى مرور 30 عاما على رحليه، والمثير أنه احتفاء بأحد أخلص السينمائيين العالِمين ببواطن المجتمع اللبناني، على اختلاف ثقافاته وأمزجته وطوائفه وبنيته، وهو موغل كثيرا وبعمق في التعبير عن دواخل لبنان أفرادا ومجتمعا.
لكن الفيلم لم يأت بجديد أيضا فيما يتعلق بسينما بغدادي وفكره وكيانه، والاشتباك مع هذا كله على مختلف المستويات، فما تركه بغدادي يستحق فعلا الاشتباك معه على أكثر من مستوى، لكن المخرجة لم تشأ المضي أكثر لتجاوز مجرد إنجاز فيلم تعريفي مهم عن المخرج الراحل، أو وثيقة تسهم في التعريف به وبفنه وهمومه وسينماه.
ولا شك أن مثل هذه الأفلام الاحتفالية والتعريفية ضرورية جدا، لا سيما مع انتشار حالة الجهل والقطيعة والانعزال السينمائي في عالمنا العربي عن ماضينا القريب، والشخصيات الفارقة فعلا في صناعة السينما. وحبذا لو تتولى قنوات متخصصة أو جهات وصناديق إنتاج مثل هذه الأفلام، وأن لا تقتصر على المخرجين أو الممثلين فحسب، بل تمتد أيضا لتشمل العاملين في مختلف جوانب الصناعة، وبعضهم أساطين يستحقون التعريف والذكر والتذكير بهم أيضا.
“البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”
“البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” هو الروائي الأول للمخرج خالد منصور. ومع أنه سهل التلقي يسير الحبكة والخيوط والمواقف والحوارات والشخصيات، فثمة صعوبة في التفاعل مع الفيلم إجمالا، بداية من عنوانه الطويل غير الملائم، ثم التعاطف مع بطله، وتقبل أزمته والتماهي معها.
هناك عدة أسباب لا علاقة لها بتكرار أو نمطية حكاية وسرد، بل هي راجعة لبنية الشخصية نفسها وتطورها، إن حدث تطور حقا، ولكيفية تقديمها على الشاشة، ومحاولة إقناعنا بعوالمها ومشاكلها، ناهيك عن الأداء التمثيلي متفاوت المستوى، فهو غير منضبط ولا مقنع بتاتا.
ربما لو جرى الاشتغال أكثر على السيناريو وإحكامه، وحذفت الخيوط غير الضرورية، وأعيدت صياغة الحوار، ودُرب الممثلون أكثر، لانتقل الفيلم دراميا ونفسيا وفلسفيا نقلةً نوعية كبرى، تكاد توازي أو تفوق الاشتغال أو الجهد المبذول والمتحقق على مستوى الصورة والتصوير الخارجي، وغيرهما من المفردات الفنية والجمالية التي اشتُغل عليها.
ينتمي الفيلم للدراما الاجتماعية، ولم يفلح في أن يكون فيلم مغامرة أو تشويق أو دراما نفسية، وتدور أحداثه حول حسن، وهو شاب ثلاثيني يضطر لمواجهة مخاوفه، والمجازفة في رحلة محفوفة بالخطر، وبالأمور العبثية والخيالية بعض الشيء، لإنقاذ كلبه وصديقه الوحيد المخلص “رامبو” من موت مؤكد، وذلك بعدما هبّ ذات ليلة لنجدة صاحبه حسن.
لكن هل اضطر حسن لمواجهة مخاوفه، أم أجبرته الظروف ودفعته دفعا؟ تتوالد من ذلك أسئلة معلقة كثيرة.
“معطر بالنعناع”.. إسقاطات غامضة وتصوير مبهر
نافس الفيلم المصري “معطر بالنعناع” للمخرج محمد حمدي في مسابقة “أسبوع النقاد”، وأفلامها ذات سينما فنية ونوعية مختلفة ومغايرة، تستخدم أساليب واقعية ووثائقية وتغريبية وتجريدية أحيانا، وغالبا ما تعمل على توظيف المجاز والخيال ومفارقة الواقع، لنسج عوالمها وتجاربها الخاصة جدا.
ويمكن وصف هذه الأفلام بأنها ليست مخصصة للجمهور العادي، فهي لا تخاطبه أو تستهدفه في المقام الأول، بل يعسر جدا على المتفرج العادي -وحتى المغرم بالسينما- أن يتحمل أو يصبر أمام هذه المشاهد والإيقاعات والحوارات والديكورات، للمتابعة وفهم إحالات وإسقاطات أغلبها غامض ومجهد ومعقد، وربما متحذلق حد الافتعال وانتفاء المصداقية.
هذه العقبات يستطيع المتخصصون والنقاد الصبورون تجاوزها وتحملها، لكن يستعصي الدفاع عن كونها تنطوي على إثارة ومتعة وتشويق للجمهور العادي.
وينطبق أغلب أو بعض ما سبق على “معطر بالنعناع”، وليس مرد الأمر لصعوبة القصة، أو انتفاء خيوط الحبكة، أو استحالة استيعاب الشخصيات ودوافعها وإيقاعاتها، نظرا لأنه في النهاية ثمة حكاية تدور حول علاء، وهو طبيب في مستهل الثلاثين، تزوره في عيادته أصناف شتى من البشر المصابين بأشياء عجيبة، أبرزهم صديقه القديم مهدي، وهو مصاب بظاهرة غريبة، فتراه ينمو النعناع على جسده عندما يتذكر أو يتألم أو يحزن.
شخصيات الفيلم المسكونة بالحزن والحنين والذكريات المؤلمة تطاردها الأخطار والماضي والهموم الحياتية، وهي تحاول الهرب من ذلك بتدخين الحشيش وتغييب وعيها بلا انقطاع. ومن ناحية ثانية، يلاحقها أيضا بضعة أفراد مجهولين، لا نراهم أبدا، في شوارع بلدة خاوية متهالكة.
أثمة خروج من هذا الكابوس؟ هل الصافرة التي ينتظرها الجميع بمثابة إشارة لمرفأ أمان وتوقف عن الركض في الطرقات والارتياح أخيرا؟ ما من إجابات واضحة أبدا، بل يزداد الغموض ويتعمق أكثر فأكثر.
بعيدا عن تناول البنية الدرامية والهيكل السردي ونسج الشخصيات وتطورها، يبرز الفيلم على مستوى الصورة بشكل لافت ومتميز، وربما غير مسبوق منذ وقت طويل في السينما المصرية والعربية. وقد ساعد على هذا بالتأكيد تنفيذ ديكورات رائعة للغاية، سهّلت للمخرج وضع شخصياته داخل الإطارات بمنتهى الأريحية، وتوزيع الإضاءة باحترافية، والاشتغال على الألوان والظلال وتناسقها، وإتقان تنفيذ أغلب مشاهد الفيلم.
ويضم الفيلم إطارات يمكن للمبتدئين -بلا مبالغة- دراستها والتعلم من جمالياتها، وذلك أمر يرجع بالأساس لكون المخرج يعمل بالتصوير، وعمل من قبل مدير تصوير لأكثر من فيلم، لذا تجلت في فيلمه الأول جماليات التصوير، والاشتغال على الإطار بمختلف مفرداته. لكن من دروس السينما أنه يصعب على الجماليات الفنية مهما بلغت ذروتها وألقها، أن تحمل على عاتقها مهمة نجاح أي فيلم، إلا فيما ندر جدا.
“عائشة”.. دراما اجتماعية وسياسية ذات نقد لاذع
من الأفلام الجيدة التي نافست في مسابقة “آفاق” فيلم “عائشة”، وهو دراما اجتماعية ونفسية، لكن سياسية في المقام الأول، وقد أخرجه التونسي مهدي البرصاوي، وكان قد شارك في المسابقة عام 2019. وقد نال بطل فيلمه “بيك نعيش” سامي بوعجيلة جائزة أحسن ممثل.
وفي هذا الصدد، كانت بطلة فيلمه الصاعدة فاطمة صفر تستحق عن دور “آية” جائزة أحسن ممثلة، نظرا لصدق الأداء واستيعاب الشخصية وموهبتها اللافتة.
تدور أحداث الفيلم حول شابة تنجو بمعجزة من حادث سيارة كاد يودي بحياتها، فيدفعها ذلك لترك حياتها السابقة والشروع في رحلة تعيد معها كل شيء إلى نقطة الصفر، ثم البدء من جديد، باسم وهوية وكيان مختلفين، فهل تنجح هذه الولادة القيصرية، أو يلاحقها حظها العاثر؟
المثير في الأمر أنه كان من الممكن جدا أن ينتزع الفيلم جائزة أفضل سيناريو، نظرا لحسن صياغة القصة وتماسك الحوار، وتقديم شخصيات ذات أبعاد صادقة وعميقة، من لحم ودم إلى حد بعيد، وكونه الفيلم الأكثر جرأة بين الأفلام المعروضة في نقده وإدانته للمجتمع والسلطة والدولة والفساد، مع أنه تقليدي من حيث الحكاية والمعالجة، لكن ربما لتقليدية المعالجة والطرح، ذهبت جائزة السيناريو للفيلم الفلسطيني “إجازة سعيدة”.
“ينعاد عليكو”.. قصة من حيفا تخطف جائزة أفضل سيناريو
هناك كثير مما هو مميز فعلا في فيلم “ينعاد عليكو” للفلسطيني إسكندر قبطي، لا سيما فيما يخص معالجة وتقديم الحبكة، وظروف ومصائر ودواخل الشخصيات، وربط هذا كله بخلفيات اجتماعية وثقافية ودينية، وتحديدا ذات صبغة وإحالات وإسقاطات سياسية وعنصرية الطابع على ما يحدث في الداخل الفلسطيني، وتحديدا في مدينة حيفا مسرح الأحداث.
صحيح أن إسكندر يضفر السيناريو والأحداث والشخصيات، ويربطها جيدا بواقعها وخلفياتها المعقدة والإشكالية، سواء على الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي، وينتقد البنية القمعية الذكورية الاستبدادية وضحيتها المرأة، بقوة وعمق أكثر من فيلم “عائشة”، لكن السيناريو لم يكن الأكثر قوة وإثارة وتشويقا وإقناعا وحبكا، مع أنه هو من خطف الجائزة.
وسبب الإعجاب ربما يكمن في تقديم الموضوعات الشائكة بطريقة سردية غير خطية، عبر أربع حكايات منفصلة متصلة، تروى أو نراها من وجهات نظر مختلفة.
وما يجعلنا نقف على ما حدث لأفراد تلك العائلة الفلسطينية التي يواجه ابنها الأكبر مشكلة مع حبيبته الإسرائيلية، في حين تعاني أخته من مشكلة تعصف بحبها مع الطبيب صديق أخيها، والتخطيط لزواجها المرتقب منه والمعقود عليه آمال عائلتها الثرية التي انحدرت أحوالها فجأة، وباتت على وشك انهيار وإفلاس وشيكين.
ومع الانتقال إلى الجهة المقابلة، نعاين الشخصيات الإسرائيلية والوجه الآخر للحكاية، مما يسهم في انجلاء الكثير من الأمور.
“من يحب الشمس”.. يوميات عامل بسيط في الشمال السوري
من الأمور المثيرة للغاية هذا العام في مسابقة قسم “آفاق للأفلام القصيرة” فوز الوثائقي “من يحب الشمس” للكندي السوري أرشيا شكيبا بجائزة المسابقة.
وفيه يعود المخرج مرة أخرى إلى سوريا، وتحديدا الشمال الذي دمرته الحرب، فيرصد لنا قصة محمود العامل البسيط، خلال يوم عمل شاق في ظروف خطيرة جدا وغير آدمية بتاتا، لكسب قوت يومه باستخلاص وبيع بعض السولار والمازوت والبنزين.
كل ذلك في صورة بالغة الجمال والكابوسية واللامعقولية، ومن غير أي استخدام أو توظيف لمؤثرات خاصة، ودون حوار إلا بضعة كلمات.