في تحول مقلق وصفته بلومبيرغ بأنه “جبهة جديدة في تسييس الاقتصاد الأميركي”، أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد ساعات فقط من صدور تقرير أظهر تباطؤا مفاجئا في وتيرة التوظيف.
ترامب، الذي لم يقدم أي دليل، زعم أن “أرقام الوظائف كانت مزوّرة لجعل الجمهوريين، وأنا شخصيا، نبدو بمظهر سيئ”.
وفي اليوم ذاته، أعلنت حاكمة الاحتياطي الفيدرالي أدريانا كوغلار استقالتها، مما يمنح ترامب فرصة لتعيين بديل يدعم حملته المتواصلة للضغط من أجل خفض أسعار الفائدة.
ووفق بلومبيرغ، قال ترامب في نهاية الأسبوع إنه سيعلن قريبا عن اسم الحاكم الجديد للفدرالي وكذلك رئيس مكتب الإحصاءات الجديد.
مخاوف من تآكل مصداقية البيانات والمؤسسات
وكتب مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في “جي بي مورغان”، في مذكرة للمستثمرين: “لقد نوقش خطر تسييس الاحتياطي الفدرالي كثيرا خلال الأشهر الماضية، لكن لا ينبغي التغاضي عن خطر تسييس عملية جمع البيانات ذاتها”.
وأضاف في تشبيه لافت: “إذا استعنا بتشبيه الهبوط السلس للاقتصاد، فإن امتلاك لوحة عدادات معطوبة قد يكون خطيرا بقدر خطورة وجود طيار حزبي مطيع”.
ووفق بلومبيرغ، فإن هذه المخاوف لا تقتصر على أميركا، بل تمتد إلى دول مثل المملكة المتحدة وأستراليا وكندا، حيث تعاني مكاتب الإحصاء من تراجع كبير في نسب الاستجابة على استطلاعات العمل بسبب تفشي البريد العشوائي والاحتيال.
ففي بريطانيا، أدى انهيار الثقة إلى تعليق بيانات البطالة واستقالة الإحصائي الوطني إيان دايموند في مايو/أيار الماضي.
“أعين جديدة” على البيانات
وبرر كيفن هاسيت، كبير مستشاري ترامب الاقتصاديين ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني الإقالة بقوله إن التعديلات المتكررة في بيانات الوظائف “لم يتم تفسيرها بشكل جيد”، ما يستدعي “مجموعة جديدة من الأعين”.
وعندما سُئل هاسيت عما إذا كان ترامب سيقيل أي مسؤول يعرض بيانات لا تعجبه، قال “قطعا لا. الرئيس يريد أشخاصه في هذه المواقع حتى تكون الأرقام أكثر شفافية ومصداقية”.
وحذر محلل بلومبيرغ الاقتصادي توم أورليك من أن الإقالة قد لا تؤثر فورا على آليات جمع البيانات، لكنها ستترك أثرا عميقا.
ويخشى المستثمرون من أن تضاف الضبابية الإحصائية إلى الفوضى الناتجة عن سياسات ترامب الجمركية، مما يجعل التنبؤ بالتضخم وسوق العمل أكثر صعوبة.
ويختم أورليك بالقول “من الصعب أن تكون معتمدا على البيانات في قرارات السياسة النقدية، إذا لم يكن بإمكانك الوثوق بالبيانات أصلا”.
ضغوط على باول.. ومؤسسات في مرمى النيران
ولطالما تعرض رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول لانتقادات ترامب، ومع استقالة كوغلار، يبدو أن ترامب يسعى لإعادة تشكيل مجلس الاحتياطي بما ينسجم مع رؤيته، عبر تعيين شخصيات أقل استقلالية وأكثر ميلا لدعم خفض الفائدة بحسب الوكالة.

ووفق بلومبيرغ، فإن هذه التوجهات تثير قلقا بالغا في الأوساط الاقتصادية، التي ترى في استقلالية المؤسسات الإحصائية والنقدية حجر أساس لاستقرار الأسواق وثقة المستثمرين.
ونقل تقرير بلومبيرغ أن أزمة الثقة في الإحصاءات ليست فريدة لأميركا، ففي المملكة المتحدة، أدى الغضب من التباينات في أرقام البطالة إلى أزمة سياسية، دفعت بالإحصائي الوطني إيان دايموند إلى تقديم استقالته. ومن المتوقع أن تزداد أهمية هذه الأزمة مع اتساع دور البيانات في توجيه السياسات الاقتصادية حول العالم.
وتقول بلومبيرغ إن الخطوة الأخيرة من ترامب لا تعني فقط تغييرا في الأشخاص، بل في قواعد اللعبة بأكملها. فتحويل مؤسسات مستقلة، مثل مكتب الإحصاء أو الاحتياطي الفدرالي، إلى أدوات حزبية، قد يؤدي إلى زعزعة ثقة الأسواق في “الدولار القوي”، ويقوض مكانة أميركا كمركز للشفافية الاقتصادية.