الجزائر- أصبحت الجزائر، منذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، كاملة العضوية في منطقة التجارة الحرة الأفريقية، بموجب مصادقتها على الاتفاق المتعلق بإنشائها في عام 2021.
وتعدّ المنطقة المعروفة اختصارا باسم “AFCFTA” الأكبر في العالم، بـ54 دولة موقعة على الاتفاقية، وسوقا استهلاكية تتجاوز 1.3 مليار نسمة، بقيمة إجمالية للناتج المحلي بحوالي 3.4 تريليونات دولار.
ويهدف القادة الأفارقة من إزالة حواجز التجارة بين بلدانهم إلى زيادة الدخل القاري بنحو 450 مليار دولار بحلول عام 2035.
أما بالنسبة للجزائر، فقد بلغ حجم تجارتها الخارجيّة مع باقي دول أفريقيا، خلال عام 2023، ما مجموعه 4.6 مليارات دولار، بنسبة نمو تتجاوز 18% على أساس سنوي.
وحسب الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية (هيئة عمومية)، فقد بلغت صادرات الجزائر نحو الدول الأفريقية 2.7 مليار دولار، فيما استوردت ما قيمته 1.87 مليار دولار من هذه الدول، خلال السنة ذاتها.
وتراهن السلطات الجزائرية، وفق خطتها الحكومية الجديدة، على تحقيق صادرات خارج المحروقات بـ 30 مليار دولار في آفاق 2030، بينما تمثل حاليا 7 مليارات دولار، وفق الأرقام الرسمية.
بالمقابل، تجاوزت واردات الجزائر 46 مليار دولار، بنهاية العام الماضي، ما يجعلها حتى الآن سوقا استهلاكية أكثر منها قطبًا للإنتاج والتصدير، حيث لا تزال تعتمد بشكل أساسي في تحصيل النقد الأجنبي على واردات النفط والغاز بأكثر من 50 مليار دولار.
إعادة تأهيل الاقتصاد
يؤكد فوزي محيريق، أستاذ التحليل الاقتصادي وإدارة الأعمال بجامعة الشهيد حمه لخضر، أن اتفاقية التجارة الأفريقية تشكل فرصة حقيقية للجزائر، في وقت لا يتجاوز حجم التبادل التجاري للبلاد مع القارة الأفريقية حاليا 5%.
وقال الخبير محيريق للجزيرة نت إن المنطقة الحرة ستسمح للاقتصاد الجزائري باقتحام الأسواق الإقليمية الداعمة للمنتجين والمستهلكين، وتلافي عراقيل التصدير والاستيراد، خاصّة ما تعلق بالتحويلات المالية أو الملكية الفكرية وحقوق المنشأ، والإجراءات المباشرة للشحن والنقل (تشكل تكلفته فيها أكثر من 30%) والتخزين.
إضافة إلى ذلك، سيؤدي دخول الجزائر للأسواق الأفريقية إلى إعادة تأهيل مجموعة قطاعات ودفع عملية تغير هيكلي في منظومة الإنتاج والسوق، وضبط إستراتيجيات صناعية جديدة، قادرة على رفع الصادرات نحو بلدان القارة إلى 10 مليارات دولار على المدى المتوسط.
وأوضح المتحدث أنّ المنطقة الحرة ستضمن للجزائر الاستثمارات البينية مع الدول الأفريقية، وتسهيلات الحصول على معدات جديدة، وتراخيص للإنتاج المحلي لسلع جديدة، باستخدام تكنولوجيا غير مملوكة، أو ما يسمى بـ”الهندسة المعكوسة”.
وأشار المحلل أيضا إلى أهمية الاستفادة من تفضيلات الرسوم الجمركية، بخفض يصل إلى 90%.
كما تمنح الاتفاقية للجزائر إنشاء بنى تحتية ذات بعد قاري، تستجيب لاحتياجات الشركاء الأفارقة؛ سيكون لها الأثر في انسيابية التسويق وتوزيع السلع، ناهيك عن تصريف فائض الإنتاج الزراعي، و حركية الموارد البشرية واستقطاب اليد العاملة، على حد تعبير فوزي محيريق.
ومن الآثار الإيجابية للاتفاقية، توسيع تجارة المقايضة مع دول الساحل، مما يفرض البحث عن حلول جذرية لمشكلتي النقل والتحويلات المالية في حال توسعها، سواء من حيث حجم التبادل أو تنوع المنتجات، يضيف المحلل نفسه.
وأكد فوزي محيريق أن الفرصة مواتية الآن للجزائر لمضاعفة حظوظها الاقتصادية، بمزامنة اتفاقياتها ضمن منطقة التجارة العربية، بما يدعم تجارتها البينية في المنطقة القاريّة الحرة لكونها تضم 10 دول عربية.
من جهة أخرى، سيواجه الاقتصاد الجزائري عددا من التحديات الداخلية تتعلق أساسًا بقدرة القطاعات الإنتاجية على التوسع كمّا ونوعًا، وتحديات خارجية متصلة باختلاف مستويات الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المراد تحقيقها ضمن الدول المنضوية تحت الاتفاقية، خاصة ما يرتبط منها بمؤشرات التضخم والبطالة ومستويات الفقر والهجرة غير القانونية، ناهيك عن المتاعب الأمنية، لا سيما في دول الساحل.
التنويع الاقتصادي
من جانبه، يعتبر مصطفى بن بادة، الوزير السابق للتجارة، المؤشرات الكليّة للاقتصاد الجزائري من بين الأفضل حاليًا في المنطقة (نمو بـ4.3% وتضخم أقل من 6% واحتياطي أجنبي يفوق 70 مليار دولار)، ممّا يؤهله للعب أدوار متقدمة في محيطه القاري والإقليمي، خاصّة بتصنيفه مؤخرا الثالث أفريقيًا من قبل البنك الدولي.
وقال بن بادة للجزيرة نت “رغم الطابع الريعي للاقتصاد الجزائري، إلا أن الحكومة تدفع بجميع المتعاملين نحو تعزيز التنويع الاقتصادي خارج المحروقات، ما جعل الناتج الإجمالي المحلي في حدود 266.78 مليار دولار”.
ومن أجل تأمين شامل للاقتصاد من تأثيرات إيرادات النفط والغاز، تسعى الجزائر إلى تشجيع الصادرات خارج قطاع المحروقات، وقد بلغت في ظرف قصير 7 مليارات دولار، بفضل منتجات الحديد والإسمنت ومنتجات أخرى زراعية و صناعية متنوعة، وفق المتحدث نفسه.
أولويات التنافسيّة التجاريّة
ومع دخولها منطقة التبادل الحر الأفريقية، يصبح تحدّي تنافسيّة الصادرات الجزائرية أكبر، أمام تحسن اقتصاديات عديد الدول الأفريقية، ما يستوجب مواصلة الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الجزائري، من خلال تحسين مستمر لبيئة الأعمال.
وبهذا الصدد، شدد المسؤول الحكومي السابق على استقرار التشريعات الضامنة للاستثمار الآمن، ورقمنة جميع المعاملات المالية والتجارية، إضافة إلى مواصلة فتح فروع بنوك جزائرية في العواصم الأفريقية المستهدفة.
ودعا بن بادة سلطات بلاده إلى استمرار تحديث البنية التحتية الاقتصادية (ألياف بصرية، موانئ، طرق، مطارات وسكك حديد..) مع ضرورة تشجيع الابتكار وربط الجامعة ومراكز البحث بالشركات الاقتصادية، مشددا على تقوية حوكمة الاقتصاد ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية والعدالة. ويشكّل الاستثمار الأجنبي المباشر عنصرًا مهمًا في تحسين تنافسية الصادرات.