ثمة أسئلة لا إجابة قاطعة لها وإن كانت قابلة لسجال قد لا ينتهي أبدا، ومن ذلك السؤال عن علاقة المال بالسعادة أو الفقر بالتعاسة وما إذا كانت السعادة قرارا شخصيا أم واقعا تفرضه عليك ظروف الحياة.
وقد بحث المشاركون في برنامج “باب حوار” هذه العلاقة التي يصعب وضع تصور قاطع لها. لكنهم خلصوا إلى أن غياب المال قد يقتل سعادة الإنسان لكنه قد لا يصنعها.
وخلال الحديث، قال أحمد خليفة -وهو مدرب تسويق وصناعة محتوى- إن المال يصنع السعادة بنسبة معينة ولفترة محددة وليس بشكل كامل “بدليل أن كثيرين من الأغنياء يعانون اكتئابا ويعالَجون نفسيا بسبب عجزهم عن إنفاق ما لديهم من مال”.
أما أحمد مؤيد -وهو مصور فوتوغرافي- فيرى أن المال والسعادة لا يمكن وضعهما في مقارنة واحدة لأن الأول وسيلة والثانية حالة روحية ومن ثم فإن المال قد يكون طريقا إلى حالة الرضا التي تخلق السعادة. وبالتالي فإن المال -من وجهة نظر مؤيد- لا يصنع السعادة بشكل كامل لكن غيابه قد يقتلها.
الرأي نفسه تقريبا اتفق معه رجل الأعمال قيس الخنجي الذي قال إن المال والسعادة ليسا مرتبطين لأن السعادة حالة نفسية غير مرتبطة بالغنى والفقر وبالتالي فإن المال مكمل لمفهوم السعادة وليس صانعا له.
لا يوجد معيار للسعادة
وبالمثل، قالت صبحية نجار -وهي متخصصة في الاقتصاد الاجتماعي- إن السعادة تختلف من شخص لآخر ومن موقف لآخر فعلى سبيل المثال “قد يلعب المال دورا حاسما في حياة بعض من لا يملكونه لأنهم لا يستطيعون توفير العلاج اللازم لوالديهم أو لأولادهم مثلا، وقد لا يستطيعون توفير عوامل الفرح”.
ووفقا لنجار، فإن كثيرين ممن تعاملت معهم بشكل مباشر يعيشون تعاسة بسبب عجزهم عن توفير العلاج أو إجراء جراحة لأحد والديهم أو أنهم لا يملكون الإنفاق على ابنهم المصاب بالتوحد وهناك الكثير مما يمكن قياسه على هذه الأمثلة.
بدورها، قالت شهد عايش -وهي طالبة دراسات عليا- إن المال لا يشتري السعادة قطعا بقدر ما يزيل بعض العوائق التي تحول بين الإنسان وبينها. وأضافت “هناك مشكلات يعتقد البعض أنها قد تنتهي بوجود المال لكنها ليست كذلك بدليل أن سكان فلسطين يعيشون سعادة لا يعيشها غيرهم رغم غياب الكثير من أساسيات الحياة”.
لكن صبيحة ردت بأن هذا “ليس أساسا لأن الناس قد لا يكونون سعداء لكنهم لا يفصحون عن ذلك”.
السعادة أم الرضا؟
المهندس المعماري أمين صلاح، يرى أن السعادة قرار إلى حد كبير لأن توفر الطعام والشراب والمسكن قد يكون كافيا للشعور بالسعادة لدى البعض. لكنه يرى أن غياب هذه الأساسيات قد يكون حائلا قويا بين الإنسان والسعادة.
واتفق مؤيد مع هذا الحديث لكنه أشار أيضا إلى أن البعض يملك من الرضا ما يجعله سعيدا حتى لو لم يمتلك الكثير من الأساسيات. وقال إن التعاسة لا تكون قرارا شخصيا إذا كان الشخص عاجزا تماما عن تحصيل أساسيات الحياة.
وأضاف مؤيد، أن من الممكن القول إن المال وسيلة لبلوغ السعادة لكنه ليس طريقا للرضا بالضرورة.
وعن رفاهية التعاسة عند من يملكون الكثير، قال صلاح إن التعاسة قد تكون رفاهية عند بعض من يملكون الكثير بينما هي واقع عند من لا يملكون الحد الأدنى من الحياة.
وخلص المشاركون في الحلقة تقريبا إلى أن الفقراء ليسوا كسالى كما يروج البعض لأنهم أكثر من يعمل وأكثر من يقبل بوظائف متواضعة ويتعرض لانتهاكات على مختلف الصعد. لكن هذا أيضا لا يعني عدم وجود كسالى بين الفقراء ونشطين بين الأغنياء.
وفي الأخير، فإن السعادة وإن كانت قرارا برأي البعض وأمرا واقعا برأي آخرين، فإن الفساد والمحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية تكاد تكون أحد أكبر أسباب غياب السعادة الناجمة عن الفقر كما يقول ضيوف الحلقة.