واشنطن- في رده على سؤال لصحيفة ديلي كولر المحافظة، حول نفوذ إسرائيل داخل الكونغرس، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب “إن نفوذ إسرائيل في الكونغرس تراجع مقارنة بما كان عليه قبل 20 عاما”.
وأضاف ترامب، أن إسرائيل كانت في السابق “أقوى جماعة ضغط” رآها، مشيرا إلى أنها “كانت تسيطر تماما على الكونغرس، لكنها فقدت ذلك الآن”.
وأكد ترامب على ضرورة التوصل إلى وقف سريع للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لافتا إلى أن استمرارها يضر بصورة إسرائيل، موضحا أن “إسرائيل قد تربح الحرب، لكنها ستخسر في ميدان العلاقات العامة، وهذا يلحق بها الضرر”.
يأتي هذا في الوقت الذي صوت فيه 27 عضوا في مجلس الشيوخ، -أي ما يزيد على نصف الأعضاء الديمقراطيين- الشهر الماضي لصالح قرار يهدف إلى وقف تزويد إسرائيل ببعض أنواع الأسلحة، ورغم أن القرار لم يُقر فإنه مثل تحولا ملحوظا في مواقف الديمقراطيين داخل الكونغرس.
تراجع تدريجي
وعلى مدى العقود الماضية، تحولت إسرائيل إلى أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية على مستوى العالم، وهو ما أسهم إلى جانب عوامل أخرى في ترسيخ تحالف استثنائي لا يشبه علاقات واشنطن مع أي من حلفائها الآخرين.
في الوقت نفسه، تمتعت إسرائيل بنفوذ واسع داخل مختلف الدوائر الأميركية، غير أن هذا النفوذ أخذ يشهد تراجعا تدريجيا ومتواصلا منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإن كان بوتيرة بطيئة.
ولم يتراجع التأييد الشعبي الأميركي لإسرائيل بين عشية وضحاها، بل كان يتزايد على مدى سنوات، وشاهد الأميركيون إسرائيل -التي ارتبطت لعقود في ذهنية المواطن الأميركي بصورة الضحية- تقترف الكثير من جرائم الحرب المتتالية في غزة وصولا لتنفيذ إبادة جماعية، بل وفرض المجاعة على سكان القطاع.
ومع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 63 ألف شخص وإصابة مئات الآلاف، إضافة إلى تدمير البنية التحتية ومقومات الحياة في القطاع، بدأ الديمقراطيون من مختلف الفئات العمرية في التعبير عن رفضهم المتزايد لممارسات إسرائيل.
ولم يقتصر هذا التحول على الديمقراطيين فحسب، بل امتد أيضا ليشمل شريحة من المستقلين، وحتى بدرجة ملحوظة بعض الجمهوريين.
استطلاعات رأي
ووجد استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في مارس/آذار من العام الجاري أن 53% من الأميركيين عبروا عن رأي سلبي تجاه إسرائيل، بزيادة قدرها 11 نقطة منذ آخر مرة تم فيها إجراء الاستطلاع في عام 2022.
في حين أشارت دراسة حديثة لمعهد بروكينغز، أن أغلبية الناخبين الأميركيين يرون أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة غير مبررة، ويؤيد فقط 27% منهم مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب في قطاع غزة- في حين يؤيد 84% وقفا فوريا لإطلاق النار.
وكشف استطلاع أجرته مجلة الإيكونيميست في 5 أغسطس/آب الفائت، أن 45% من الناخبين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، في حين يستبعد 31% منهم ذلك.
وشهد الرأي العام الأميركي تجاه الفلسطينيين والإسرائيليين تحولا منذ مطلع العقد الثاني من هذا القرن، وتحديدا في منتصف عام 2010، حيث كان التعاطف مع إسرائيل يتجاوز قليلا 60%، مقابل أقل من 20% مع الفلسطينيين.
بيد أن هذا المسار تغير بشكل لافت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليبلغ حاليا 46% ممن يتعاطفون مع إسرائيل، مقابل 33% مع الفلسطينيين.
مستقبل المساعدات لإسرائيل
في الوقت ذاته، تعمل إسرائيل على تأمين تجديد مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة، والتي تضمن لها تلقي المزيد من المساعدات المستقبلية، وذلك بعد قرب انقضاء مذكرة المساعدات التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما في سبتمبر/أيلول 2016 لمدة 10 سنوات، التي تسمح بتقديم ما مجموعه 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل.
وتجري المفاوضات على مذكرة جديدة في بيئة سياسية مختلفة تماما هذه المرة، ولا تزال إسرائيل متورطة بعمق في حرب مستمرة منذ ما يقرب من عامين في غزة، مع القليل من المؤشرات على نهاية تلوح في الأفق. ما يجعل المفاوضات أكثر صعوبة مما توقع المسؤولون الإسرائيليون.
ومع مرور الوقت، تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى إقناع أعضاء الكونغرس بأنها لا تزال تستحق الحصول على أكثر من نصف ميزانية المساعدات العسكرية الأميركية، رغم تراجع حدة التهديدات التي طالما استُخدمت لتبرير هذا الدعم، مثل البرنامج النووي الإيراني أو حزب الله، وحتى حركة حماس.
وقبل أسابيع، صرح وزير النقل الأميركي السابق والمرشح الديمقراطي المحتمل لانتخابات الرئاسة 2028، بيت بوتجيج، بأن واشنطن لا ينبغي أن توقع صفقة مساعدات عسكرية جديدة تمتد 10 سنوات مع إسرائيل.
وأضاف أن مثل هذا التعهد الطويل الأمد يمنح تل أبيب القدرة على الحصول على أسلحة أميركية متطورة وباهظة الكلفة، مثل مقاتلات إف-35.
وتبرز اليوم مواقف متحفظة داخل الحزبين بشأن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل؛ فمن جانب الجمهوريين، عبر تيار “أميركا أولا” عن شكوكه بجدوى التحالف مع إسرائيل، فيما يواصل التيار التقدمي بين الديمقراطيين المطالبة بتقليص المساعدات.
وفي عام 2016، كان المشهد مختلفا تماما، إذ صوت الكونغرس بأغلبية ساحقة لصالح مذكرة التفاهم، حيث أيدها 405 أعضاء من أصل 435 في مجلس النواب.

تغير المزاج الأميركي
لكن منذ ذلك الحين، ولا سيما عقب رد إسرائيل على هجمات السابع من أكتوبر، تغير المزاج العام الأميركي بشكل ملحوظ.
فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في أغسطس/آب الماضي أن 60% من الناخبين يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل لدعم حربها على غزة، في حين أيد ذلك نحو 32% فقط.
وفي هذا السياق، ارتفعت أصوات بارزة داخل التيار اليميني المقرب من ترامب، رافعة شعار “أميركا أولا أم إسرائيل أولا؟”. ومن بين هذه الأصوات النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، التي أصبحت أول عضو جمهوري في مجلس النواب يصف ما يجري في غزة بأنه “إبادة جماعية”.
كذلك، شدد ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، على أن إسرائيل ليست حليفا موثوقا للولايات المتحدة، وهاجم سياسات نتنياهو.
أما الإعلامي المحافظ البارز تاكر كارلسون، فقد قاد حملة إعلامية ضد استمرار دعم واشنطن للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وصولا إلى انتقاد المشاركة الأميركية في ضرب منشآت نووية إيرانية في يونيو/حزيران الماضي.
ومع تصاعد هذا التحول في الرأي العام الأميركي لصالح الحقوق الفلسطينية، يزداد الضغط على المشرعين، خصوصا الديمقراطيين، لإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة القومية الأميركية قبل أي اعتبار آخر.
ومع ذلك، لا تزال جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل أيباك ومنظمة مكافحة التشهير وغيرها، تحافظ على نفوذ قوي داخل واشنطن وفي مختلف الولايات، ما يضمن استمرار دعم ملموس لإسرائيل داخل الكونغرس.