مراسلو الجزيرة نت
القدس المحتلة- حمل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت في طياته رسائل عدة، تعكس تفاقم عزلة إسرائيل وتراجع شرعيتها دوليا بسبب سلوكها في الحرب على غزة.
ومثّل القرار صفعة مؤلمة لإسرائيل، التي تعيش حالة من الصدمة بسبب ما يحمله القرار من اتهامات للجيش بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتبدي خشيتها من تداعياته ليشمل مزيدا من الشخصيات السياسية والعسكرية وملاحقة مئات الضباط والجنود الذين رُفعت ضدهم دعاوى في محاكمة غربية.
وحسب قراءات محللين، فإن القرار ستكون له تداعيات سلبية على إسرائيل في مختلف المجالات ولن يقتصر الأمر على إصدار مزيد من مذكرات الاعتقال، بل سيشمل أيضا حظر توريد أسلحة لها وفرض عقوبات اقتصادية حتى على القطاع الخاص.
زلزال قانوني
وترى المختصة بحقوق الإنسان المحامية الفلسطينية عبير بكر أن القرار يعد زلزالا بمفاهيم قانونية، وستكون له تداعيات مستقبلية، كما يعد سابقة تاريخية لأنه الأول من نوعه الذي يُتخذ ضد شخصيات إسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967، ويؤسس لمرحلة جديدة في تعامل المجتمع الدولي مع إسرائيل.
وقالت للجزيرة نت إن مذكرة الاعتقال تفرض عزلة دولية على نتنياهو الذي سيغيب عن منصات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعاقبه ولن تمنح منبرا لخطاباته، التي كان يروج عبرها للسردية الإسرائيلية، علما أن واشنطن يمكن أن توجه له دعوة باسمها ولكن “بوصفه ضيفا” وليس بوصفه خطيبا ممثل رئاسة وزراء دولة.
وتولي الحقوقية الفلسطينية أهمية بالغة للقرار كونه يلزم 124 دولة حول العالم الموقعة على “نظام روما الأساسي” للجنائية الدولية، بتطبيقه، وتوضح أن نتنياهو وغالانت “مطلوبان للعدالة” ووجب اعتقالهما وتحويلهما لمحكمة العدل الدولية في حال وطأت قدم أحدهما هذه الدول، كما أن الملاحقة قد تشمل التحليق بسمائها، وليس شرطا الهبوط على أراضيها.
وباعتقادها، فإن إقامة لجنة تحقيق رسمية بإسرائيل لا تمنع إصدار مذكرتي الاعتقال من الجنائية الدولية التي لم تكشف عن الأدلة والقرائن التي آلت إلى استصدارهما بشبهات ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، وإبادة جماعية تشمل القتل، والتجويع المتعمد، والملاحقة، ونقل السكان المحميين لدوافع سياسية، وليس لأي حاجة عسكرية.
ورجحت عبير بكر أن تعمّد المحكمة عدم الكشف عن البراهين يعود بالأساس إلى تخوفها من التشويش على مجريات التحقيق في هذه المرحلة والتلاعب بالأدلة، والتأثير على شهود عيان سواء باعتقالهم أو ملاحقتهم والتجسس عليهم وإجلائهم أو حتى اغتيالهم.
هواجس ومخاوف
على الصعيد الدولي، تقول عبير بكر إن إسرائيل لديها هواجس ومخاوف من تأزم علاقتها الدولية وأن تكون للقرار تداعيات اقتصادية سلبية ومن فرض عقوبات عليها وقطع علاقات تجارية معها تشمل حتى القطاع الخاص، وكذلك إصدار مذكرات اعتقال ضد مزيد من الشخصيات الإسرائيلية، لاسيما العسكرية منها.
ولا تستبعد الحقوقية الفلسطينية شروع إسرائيل بحملة لشيطنة الجنائية الدولية ونزع الشرعية عنها بدعم من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وذلك عبر ممارسة ضغوطات على دول وإقناعها بسحب أو إبطال توقيعها على “دستور روما”، إضافة لمحاولات تقليص ميزانيات المحكمة وملاحقات شخصية وفرض عقوبات اقتصادية على قضاتها وموظفيها.
من ناحيته، يرى أمير مخول -الباحث في “مركز التقدم العربي للسياسات” والمختص بالشؤون الإسرائيلية- أن قرار الجنائية الدولية يشكل صفعة مؤلمة لإسرائيل التي صدمت منه وتخشى أن تتوسع دائرة أوامر الاعتقالات لتطال المزيد من الشخصيات والضباط والجنود بجيش الاحتلال.
وأوضح مخول للجزيرة نت أن القرار يؤسس لمرحلة جديدة في علاقة المجتمع الدولي مع إسرائيل بشأن مساءلتها دوليا، وإدراج قادتها السياسيين والعسكريين ضمن قائمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وذلك للمرة الأولى منذ النكبة الفلسطينية عام 1948.
حجر أساس
وبرأي الباحث مخول، فإن القرار، الذي يشكل دعما جوهريا لدعوى جنوب أفريقيا ودول أخرى لدى محكمة العدل الدولية، يضع حجر الأساس لإصدار مذكرات اعتقال ضد مئات الضباط والجنود الإسرائيليين الذين تنظر الجنائية الدولية ومحاكم بأوروبا في إصدار مذكرات اعتقال بحقهم.
وبخصوص موقف إسرائيل من القرار، يقول مخول إن نتنياهو -فور صدور القرار- وجد إلى جانبه إجماعا “قوميا صهيونيا” من جميع المعسكرات والتيارات السياسية يدين الجنائية الدولية، إذ كرر “خطاب اللاسامية وزعم أن المحكمة تستهدفه في حين يقود حرب الوجود الإسرائيلية، الأمر الذي سيزيد شعبيته في أوساط اليمين”.
ولا يستبعد الباحث أن تجد إسرائيل نفسها في ورطة العلميات العسكرية والمخططات التي تنفذها في قطاع غزة وخاصة بالشمال، وقد تتراجع طموحاتها بالتطبيع وقد تتضرر علاقاتها الدبلوماسية مع دول غربية، وقد يكون القرار أداة قانونية لمنظمات حقوقية عالمية لوقف تزويد تل أبيب بالأسلحة والذخيرة.
وحيال ذلك، يرى مخول أن قرار الجنائية الدولية يشكل انطلاقة جديدة لمساعي وقف حرب الإبادة على غزة، قائلا إن “جوهر القرار أبعد من حصره في الجانبين القانوني والقضائي، بل يشكل حدثا متدحرجا بأبعاد فلسطينية وعربية ودولية، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية بموجب القرارات الدولية”.