مثّلت انتخابات فنزويلا الرئاسية يوم أمس الأحد، حدثًا عالميًا، شغل المتابعين أكثر من أي وقت مضى، حيث اعتُبرت امتحانًا عسيرًا للرئيس نيكولاس مادورو ونظامه، للتغلب من جديد على المعارضة التي اكتسبت مؤخرًا دعمًا غير مسبوق.
أكدت تصريحات رئيس هيئة الانتخابات، بعد ستّ ساعات من غلق الصناديق، وفرز 80% من الأصوات، فوز الرئيس نيكولاس مادورو بفترة رئاسية ثالثة، بحصوله على نسبة 51%، مقابل 44% لخصمه إدموندو غونزاليس.
كل السيناريوهات محتملة
وكما كان متوقعًا، رفضت المعارضة تلك النتائج، وأكدت حدوث تزوير حرم مرشّحها من فوز مستحق و”مُثبت”، وانهالت على إثر ذلك، ردود الفعل الدولية، التي شككت أغلبها في نزاهة النتائج.
ليس من المبالغة في شيء، القول إن المشهد الذي يتبع إعلان النتائج في فنزويلا، يحتمل كل التطورات هذه المرّة، حيث إن تصريحات الخَصمين خلال الحملات الانتخابية وظروف عملية التصويت وما بعدها، إلى حين لحظة الإعلان عن النتائج، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنّ كل السيناريوهات محتملة، بداية من التناحر الداخلي، ووصولًا إلى الفوضى العارمة، ولفهم هذه الاحتمالات، نحتاج عرض معطيات أساسية لاستيعاب تعقيدات المشهد الفنزويلي.
لقد منح الفوزُ بهذه الانتخابات، ولايةً ثالثة للرئيس مادورو، الذي تولى منصب الرئاسة المؤقتة، خلال مرض الزعيم الراحل هوغو تشافيز، في 2013، وفاز بولاية رسمية أولى في 2014، وولاية ثانية “مثيرة للجدل” في 2019، وثالثة يوم أمس الأحد تنتهي في 2031، ليحصل بذلك على أطول مدة رئاسية في فنزويلا (18 سنة على التوالي).
ويتمّ تصنيف هذه الولايات، في إطار مشروع سياسي يساري اجتماعي، بدأه الزعيم الراحل تشافيز منذ 1999، رغم إصرار بعض اليساريين على وصم الرئيس مادورو بأنه ليس “خير خلف لخير سلف”، كما يقدم هو نفسه.
أما خصمه إدموندو غونزاليس، الدبلوماسي السابق، الذي حصل على 44% من الأصوات، وفقًا لتصريحات رئيس الهيئة الانتخابية، فقد تمّ ترشيحه من قبل المعارضة، خلفًا لماريا ماتشادو، التي أجمعت على ترشيحها قوى المعارضة، لمنافسة الرئيس مادورو، لكن نظامه منعها من ذلك، وأصدر ضدها حكمًا قانونيًا، حرمها من الترشّح لمدة 15 عامًا، ما اضطر المعارضة لترشيح غونزاليس مكانها، ووجودها هي إلى جانبه في كل تفاصيل الحملة.
صعوبات وتشرذم
تجدر الإشارة هنا، إلى أن المعارضة واجهت صعوبات عديدة في الوصول إلى اتفاق حول مرشح واحد وتجاوز مشكلة التشرذم، لكنها أثبتت خلال الفترة الأخيرة أنها استقطبت عددًا غير مسبوق من الأنصار، لاسيما مع تفاقم حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية داخل فنزويلا.
معطيات أخرى، تستحق الإحاطة في هذه الانتخابات، من بينها أن المعارضة لم تتوقف يومًا عن اتهام النظام بالاستئثار بالحكم وثروات البلاد الطائلة، واحتكار ولاء الشعب مقابل منحهم مساعدات غذائية رخيصة، والاستماتة في إقناعهم بأن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على البلاد، هو السبب الرئيسي وراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها فنزويلا.
في المقابل، يتهم النظام المعارضة بالارتماء في أحضان القوى الخارجية، واستعدادها للتضحية بثروات البلاد مقابل دعمها وضمان وصولها إلى الحكم، وهو ما يرى البعض أنه صائب، استنادًا إلى اصطفافاتها غير المشروطة مع واشنطن وتل أبيب والناتو مثالًا.
ومهما تقاطعت الاتّهامات بين الجانبين، إلا أن المطامع في إدارة ثروات فنزويلا من النفط والمعادن، تبقى المحرك الرئيسي للمعركة السياسية فيها، وهو ما يفسّر من جهة إصرار النظام الحالي على عدم التفريط في ثروات بلاده للقرار الأجنبي، أُسوة بمواقف الزعيم الراحل تشافيز وقراره التمرد على الوصاية الأميركية.
من جهة أخرى، هناك محاولات المعارضة ومِن ورائها واشنطن، في إنهاك نظام تشافيز، ومن بعده مادورو بالعقوبات وتأليب الشعب عليه، والوصول في مرحلة أخيرة إلى هزيمته بصندوق الاقتراع، واستعادة مقاليد الحكم. وهو أمر جدير بالتضحية من الجانبين، في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم يفوق 300 مليار برميل.
الرئيس الفنزويلي مادورو، قال في خطابه بعد صدور النتائج الأولية وتأكيد فوزه؛ إن موقع هيئة الانتخابات تعرض لهجمات سيبرانية متكررة، من المؤكد أنها أرادت التشويش على حظوظ فوزه، وأكد للمعارضة التي شككت في نزاهة فوزه أن الهيئة تعتمد نظامًا إعلاميًا متطورًا، يضمن أن تنشر لاحقًا كل محاضر التصويت بشكل شفاف.
كما لم يفوت الفرصة في شنّ هجوم على الإدارة الأميركية، داعيًا إياها لاحترام الشأن الداخلي لفنزويلا، وعدم التدخل فيه من خلال التشكيك في نزاهة النتائج، قائلًا؛ إن فنزويلا لم تتدخل في الشأن الأميركي عندما شكك الرئيس السابق ترامب في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية 2021 الماضية.
اندفاع وانقلاب
وهو ما جعل البعض يسخر من هذا التشبيه ويعتبره اندفاعيًا، نظرًا لانقلابه السريع على نبرة تصريحاته خلال حملته الانتخابية، ومحاولة تلطيف لهجته مع الإدارة الأميركية، ودعائه لسلامة الرئيس السابق ترامب وللشعب الأميركي، أثناء محاولة اغتياله الأخيرة.
جاء ذلك التصريح على إثر تعليق وزير الخارجية أنتوني بلينكن على النتائج، وإعرابه عن مخاوفه من “أن تكون النتائج المعلنة لا تعكس إرادة الشعب الفنزويلي”، داعيًا المجتمع الدولي للانتباه إلى المشهد في فنزويلا، في إشارة إلى احتمال افتقادها للنّزاهة.
ورغم انزعاج الرئيس مادورو من تصريح بلينكن، فإن تغريدة رئيس تشيلي، جاءت أكثر جرأة وحدّة، وتصدرت انتقادات باقي زعماء المنطقة الآخرين، حيث دعا فيها نظام الرئيس مادورو إلى ضرورة تقبله أن الأرقام التي نشرها، صعبة التصديق، مؤكدًا أن المجتمع الدولي والشعب الفنزويلي، وبالخصوص ملايين الفنزويليين في المنفى، يشترطون النزاهة التامة في نشر محاضر التصويت، بشهادة المراقبين الدوليين غير الداعمين للنظام.
وهو بذلك يذكّر بعدد الناخبين في الخارج، الذين منعهم القانون الفنزويلي من التصويت، والبالغ عددهم أربعة ملايين ونصف المليون، وأكد أغلبهم دعمهم للمعارضة.
أما الرئيس البرازيليّ ونظيره الكولومبيّ فلم يعلنا أي موقف رسمي، علمًا أن كليهما دعوَا الرئيس مادورو قبل يومين إلى احترام نتائج الانتخابات مهما كانت، في إشارة إلى واقع حجم حظوظ المعارضة في الفوز.
ما لم يكن متوقعًا من المعارضة، هو تصريح ماريا ماتشادو التي كانت كعادتها إلى جانب المرشح غونزاليس، تعليقًا على النتائج، وقولها إنّ مرشح المعارضة حصل على 70% من أصوات 40% من المحاضر التي بحوزة مراقبي المعارضة، وبالتالي فإن فوز الرئيس مادورو غير صحيح، وَفق قولها.
وهو ما أثار انزعاج بعض المعلقين في القنوات الصديقة لها، من أهمها محطة الـ “سي إن إن” الناطقة بالإسبانية، التي لم تستبعد أن تتعرّض للسجن؛ بسبب الورطة التي وضعت نفسها فيها!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.