مقديشو- في تطور لافت، نفذت واشنطن السبت الماضي الأول من فبراير/شباط ضربات جوية دقيقة استهدفت قيادات رئيسية بتنظيم الدولة في الصومال، وهي الأولى خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة، في خطوة تعكس ردة فعل واشنطن على التنامي اللافت للتنظيم في سلسة جبال جوليس بشمال شرقي الصومال.
ووصف وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيت الضربات الأميركية بأنها دقيقة ونُفذت بإذن من الرئيس ترامب، مؤكدا أنها ستقلص القدرة العسكرية للتنظيم الذي ينشط في جبال علي مسكاد بولاية بونتلاند المحلية.
وتزامنت هذه الضربة مع العمليات العسكرية التي تنفذها قوات بونتلاند للأسبوع الثالث على التوالي ضد مواقع عسكرية لتنظيم الدولة في جبال علي مسكاد، في محاولة لكسر نفوذه العسكري والاقتصادي الذي بدأ في التوسع عاما تلو آخر ليشكل تهديدا أمنيا على كبرى مدن الولاية.
وأثارت الضربات الأميركية ضد التنظيم في الصومال تساؤلات عدة عن سياقاتها، وهل ستكون بداية تصعيد أميركي ضد “الجماعات الإرهابية” في الصومال على غرار إدارة ترامب السابقة التي نُفذ خلالها نحو 200 غارة جوية.
كذلك طرحت تساؤلات عن تأثير العمليات الجارية المدعومة بالضربات الأميركية على إضعاف النفوذ العسكري للتنظيم الذي حذرت التقارير من التهديد الذي يشكله على الصومال والدول المجاورة.
احتواء الخطر
يقول وزير الإعلام في ولاية بونتلاند المحلية محمود عيديد ديرر، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن الضربات الجوية الأميركية ستسهم بشكل كبير في العمليات العسكرية البرية التي تجريها قوات ولايته ضد عناصر التنظيم، نظرا لوعورة المنطقة بحيث لا تستطيع المعدات العسكرية دخولها بسهولة، وذلك يجعل الغارات الجوية أنجع وسيلة للقضاء عليه.
وأوضح الوزير أن العمليات العسكرية البرية المدعومة بالغارات الجوية ستسهم في احتواء خطر التنظيم الذي تمدد شيئا فشيا في السنوات الماضية، “رغم قلة أنشطته الإرهابية ميدانيا”.
كذلك فإن الضربات الجوية، برأي الوزير، ستمكّن قوات بونتلاند من فرض حصار بري على محيط جبال علي مسكاد لمنع استقطاب مقاتلين جدد وتسلّم المؤن، وذلك سيؤثر سلبا على نفوذه وقدرته على التمدد في مناطق جديدة.
وأشار الوزير إلى أن الولاية اتخذت إجراءات صارمة ضد الأجانب المقيمين في مناطقها، فقد أطلقت حملة اعتقالات في صفوف من لا يحملون أوراق إقامة قانونية، وتم ترحيل مئات الأجانب أغلبهم من الإثيوبيين (500 إثيوبي).
وأكد أن هذه الخطوة ستقيّد أحد المصادر الرئيسة التي يعتمد عليها التنظيم لاستقطاب مقاتلين جدد، مما سيؤدي إلى إرباك حساباته الداخلية.
خسائر التنظيم
وفي ما يتعلق بالخسائر البشرية بصفوف عناصر التنظيم، قال وزير الإعلام إن القوات الصومالية تمكنت حتى الآن من استعادة السيطرة على مساحات شاسعة كانت تحت سيطرة “الإرهابيين”، وتقدّر بنحو 300 كيلومتر مربع، مما يعكس حجم الخسائر التي تكبدها التنظيم.
وأضاف الوزير أن القوات الصومالية قتلت نحو 100 مقاتل من التنظيم على الأقل، “رغم حرص الإرهابيين على إخفاء خسائرهم البشرية حتى لا يؤثر ذلك على معنويات مقاتليهم”، مشيرا إلى أن ممن قتلوا خلال العمليات يحملون جنسيات إثيوبية من قومية الأورومو، بالإضافة إلى مقاتلين من تنزانيا وآخرين عرب.
وعن عدد الضربات الجوية الأميركية في أول فبراير/شباط الجاري في جبال علي مسكاد بشمال شرقي الصومال، قال الوزير “حسب المعلومات التي وردتنا في الخطوط الأمامية، فإن الطائرات الأميركية نفذت نحو 11 ضربة جوية استهدفت قياديين بارزين في التنظيم وأدت إلى مقتل نحو 40 عنصرا، من بينهم مسؤول المالية الذي يدعى فؤاد، في حين استسلم مسؤول التعبئة والعمليات في التنظيم لقوات بونتلاند”، دون ذكر اسمه.
التوقيت والسياقات
اختارت واشنطن توقيت الضربة الجوية في ظل ضغط عسكري بريّ يواجهه التنظيم من قبل قوات ولاية بونتلاند المحلية، في محاولة لفتح جبهة عسكرية جديدة ضد عناصره التي تمركزت في أرض جبلية وعرة، حيث قد لا تكفي العمليات العسكرية البرية وحدها لتحقيق مكاسب أمنية، بحسب حسن شيخ علي أستاذ دراسات الأمن الدولي في المعهد العالي للدراسات الأمنية (حكومي).
وأضاف الأستاذ شيخ علي للجزيرة نت أن توقيت الضربات الأميركية يمكن حصره في بُعدين:
- الأول يتعلق بتدارك أميركي لتوسّع أنشطة تنظيم الدولة ونفوذه في الصومال، وخاصة بعد تفوق التنظيم على مقاتلي الشباب في السيطرة على جبال علي مسكاد، مما سمح له بإعادة ترتيب صفوفه وبسط نفوذه على مناطق واسعة، بالإضافة إلى امتداده إلى دول مجاورة وخاصة تلك التي لم تستقر أوضاعها السياسية مثل السودان وإثيوبيا.
- والثاني هو طمأنة الحكومة الصومالية بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالتعاون مع المؤسسات الأمنية الصومالية لمكافحة الإرهاب، رغم الجدل القائم حول رغبة واشنطن في تقليص وجودها العسكري في الصومال في ضوء إستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة.
والهجوم، حسب شيخ علي، يأتي أيضا في سياقين:
- الأول تنامي العلاقات بين جماعة الحوثيين والجماعات “الإرهابية” في الصومال. ورغم أن التقرير الصادر عن لجنة الخبراء التابع لمجلس الأمن في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي أشار إلى وجود خيوط تعاون بين الحوثيين وحركة الشباب في الصومال، حيث يزود الحوثيون الحركة بمعدات وأسلحة متطورة مقابل سيولة مالية لترتيب شؤونهم الداخلية، فإنه ليس من المستبعد أن ينطبق الأمر على تنظيم الدولة أيضا.
وتسعى واشنطن من خلال غاراتها الجوية لتضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية في الصومال، وعرقلة مسار التعاون المستقبلي بين الحوثيين والجماعات “الإرهابية”، الذي سيشكل خطرا على المصالح الأميركية والإسرائيلية في منطقة البحر الأحمر. - تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة في إطار مكافحة الإرهاب، وذلك في ظل تراجع هذا الدور في غرب أفريقيا وزيادة تنافس القوى الدولية المنافسة في القارة الأفريقية بما في ذلك منطقة القرن الأفريقي.
ارتياح حكومي
رغم أن الضربات الجوية الأميركية ضد تنظيم “داعش” في الصومال تحمل في طياتها تفسيرات ومضامين عدة، فإنها تشكل ارتياحا للحكومة الصومالية التي تتخوف من توجه الإدارة الأميركية الجديدة نحو تقليص الوجود العسكري في الصومال، بحسب المحلل الأمني محمد أمين.
وأضاف المحلل في حديثه للجزيرة نت أن إعلان الضربة على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعكس اهتمام واشنطن بهذه المنطقة، رغم اعتبار كثيرين أن الضربة ذات طابع برغماتي أكثر مما هي موجّهة بشكل إستراتيجي.
ويقول أمين إن التعاون العسكري الأخير الذي أبرمه الجانبان في فبراير/شباط الماضي، وينص على تدريب الجيش الصومالي وبناء 4 قواعد عسكرية، بالإضافة إلى عدد الغارات الجوية التي نفذتها إدارة ترامب السابقة وبلغت نحو 200 غارة؛ يجعلها الأكبر مقارنة بأي إدارة أميركية سابقة منذ سنوات، ويشير إلى استمرارية الوجود العسكري في الصومال.
ورغم هذا لم يستبعد المحلل أن تتخذ الإدارة الأميركية الجديدة خطوات غير متوقعة تجاه حلفائها التقليديين، بما في ذلك الصومال، في ما يتعلق بتقليص الوجود العسكري هناك، والاعتماد على الغارات الجوية ضد الأهداف الضرورية.
وأكد المحلل أن الصومال في محاولة منه لتفادي سحب القوات الأميركية من البلاد، تعاقد مع شركة لوبي (شركة ضغط أميركية لها صلات بالرئيس الأميركي دونالد ترامب) بعقد يمتد عاما واحدا بقيمة 600 ألف دولار، وذلك لمنع احتمال سحب القوات الأميركية مرة أخرى من الصومال.