قالت صحيفة لوموند إن الاهتمام الروسي، عندما انهار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تحول على الفور إلى شرق وجنوب ليبيا حيث يحظى الجنرال المتقاعد خليفة حفتر حاكم برقة وفزان، بدعم عسكري روسي، وبدأت نقل معداتها إلى هناك لتعزيز قوس نفوذها في منطقة الساحل.
وأظهرت رحلات شركة أجنحة الشام، وهي شركة سورية خاصة، تنقل ضباطا من جيش بشار الأسد في حالة من الفوضى إلى معقل حفتر في بنغازي، وجود صلة واضحة بين المسرحين، تشكلت -حسب الصحيفة- حول المصالح المشتركة وحب روسيا وكذلك في مجال الأعمال التجارية، وخاصة فيما يتعلق بتهريب الكبتاغون.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم فريديريك بوبين وتوماس إيدو- أن رحلات طائرات الشحن الروسية، متواصلة منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول إلى قاعدتي الخادم والجفرة، الأولى شرق بنغازي والثانية (350 كيلومترا جنوب سرت) بوتيرة ثابتة، “بمعدل 4 رحلات أسبوعيا”، حسب مصدر دبلوماسي.
تعقيدات جديدة
وقد أدخل سقوط نظام الأسد تعقيدات كبيرة بحرمانه روسيا من المنصة السورية، فأصبحت الطائرات الروسية مضطرة لخوض رحلات أطول وأكثر تكلفة بكثير، وهي الآن تصل مباشرة من بيلاروسيا، وقد تسلك مسارات طويلة لتجنب الأجواء التركية، كما انقطعت الروابط البحرية بين ميناء طرطوس السوري وميناءي طبرق وبنغازي في شرق ليبيا، وتم استبدالها الآن بطرق طويلة عبر بحر البلطيق.
وتساءلت الصحيفة هل المعدات العسكرية الروسية التي لا تزال تنتقل إلى معاقل حفتر تتمحور حول مشروع قاعدة بحرية قديمة في طبرق أو سرت قادرة على إيواء الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط، وهو موقع احتياطي مناسب بعد خسارة طرطوس في سوريا، أم أنها بالأحرى لتغذية النقل اللوجستي الوظيفي نحو دول الساحل التي وقعت في دائرة النفوذ الروسي، أو حتى السودان، حيث تتطلع موسكو إلى بناء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر؟
ويبدو -كما ترجح الصحيفة- أن الأولوية الآن أقرب للعبور أكثر منها لقاعدة دائمة، ويقول مصدر في الأمم المتحدة إن “روسيا لا تريد في هذه المرحلة إثارة الوضع في ليبيا، أو اختلال التوازن الذي قد يثير رد فعل من جانب الأميركيين والأتراك”، خاصة أن إنشاء قاعدة بحرية مناسبة في طبرق أو سرت يتطلب توقيع اتفاق مع السلطات في بنغازي، وهي مسألة حساسة للغاية.
وقد أثار هذا الاحتمال حساسيات قومية معينة في ليبيا وأثار قلق الأميركيين، الذين اتصلوا بحفتر من أجل ثنيه عن اتخاذ هذه الخطوة، ويرى المصدر الأممي أن روسيا التي أضعفتها خسارة سوريا، سوف تتجنب إشعال فتيل المشاكل في ليبيا، ويؤكد إيغور ديلانوي، نائب مدير المرصد الفرنسي الروسي، أن “روسيا يمكنها الاكتفاء بتنسيق أكثر مرونة يسمح لها بتسهيلات لدى المرافق البحرية”.
إعادة تأهيل مطار معطن السرة
غير أن استمرار الأنشطة الروسية كمركز لوجستي موجه للساحل والسودان أقل إرباكا للتوازنات الداخلية في ليبيا -كما ترى الصحيفة- وهو يخدم في نفس الوقت طموحا جيوسياسيا كبيرا، يتمثل في تعزيز قوس النفوذ على الجناح الجنوبي لشمال أفريقيا، من بورتسودان إلى خليج غينيا، حيث يرغب الروس في ترسيخ وجودهم في تشاد بعد رحيل الفرنسيين عنها.
وفي هذا السياق، تسارعت في الأسابيع الأخيرة وتيرة إعادة تأهيل مطار معطن السرة، الواقع في المناطق الحدودية جنوب شرق ليبيا، على بعد 100 كيلومتر من تشاد و300 كيلومتر من السودان، وهي منطقة خاضعة للسلطة الاسمية لمجموعة حفتر.
وبحسب مصدر دبلوماسي فإن العمل سيتم تنفيذه من قبل الروس، لكن الجهات الراعية قد تكون دولة الإمارات، مثل قاعدة أمجراس التي تديرها بالفعل أبو ظبي في تشاد على مقربة من الحدود مع السودان.
وإذا كان هذا المطار سوف يخدم نفس الغرض الإستراتيجي مثل مطار أمجراس في تشاد، لصالح معسكر الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”، فإنه سيعرض ليبيا للخطر بشكل خطير، خاصة أن حفتر منقسم في الولاء بين مصر الداعمة للجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، والإمارات الداعمة لحميدتي، حسب الصحيفة، وبالتالي سيفاقم المطار الجديد معضلته.