بخطى متسارعة يضيّق الاحتلال الإسرائيلي الخناق على فلسطينيي الضفة الغربية، لدرجة تحولت معها الضفة إلى معازل أشبه بسجون يربط بينها شكل من أشكال الحواجز والعوائق.
ويخضع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين لمجموعة قيود وإجراءات تحد من حركتهم، وبلغت حد حبسهم في منازلهم بفرض حظر التجول عليهم، من دون الالتفات إلى تحذيرات المؤسسات الحقوقية والهيئات الدولية.
وفي وقت يهيمن فيه الاحتلال على كامل المنطقة المسماة “ج” وفق اتفاقية أوسلو، والمقدرة بنحو 61% من مساحة الضفة، من غير المتاح للسكان حرية الحركة في النسبة المتبقية، والتي باتت حيزا جغرافيا مقطع الأوصال.
نظام السيطرة
تصف منظمة بتسيلم على موقعها الإلكتروني فرض القيود على حركة الفلسطينيين سكان الأراضي المحتلة وتنقلهم بأنها “أحد الأدوات المركزية التي تستخدمها إسرائيل لغرض تطبيق نظام الاحتلال والسيطرة على السكان الفلسطينيين”.
وتقول إن تلك القيود تفرض على حركة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة نفسها وعلى تنقلهم بين قطاع غزة والضفة الغربية وعلى دخولهم القدس وإسرائيل وعلى سفرهم إلى خارج البلاد، مقابل تسهيلات لامحدودة للمستوطنين.
ووفق بتسيلم، فإن هذا الواقع يفرض على الفلسطينيين العيش في انعدام يقين مستمر يصعّب عليهم تنفيذ أبسط المهام، فضلا عن ساعات انتظار طويلة على الحواجز يرافقها إعاقات وإهانة على يد الجنود.
تأثير القيود
تقول منظمة أطباء بلا حدود إنه في حالات الطوارئ الطبية قد تؤدي القيود المفروضة على الحركة إلى تداعيات مهلكة، مشيرة إلى إعاقة حركة سيارات الإسعاف واستهدافها.
وتضيف -في سلسلة تقارير على موقعها الإلكتروني- أنه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ازدادت القيود التي تفرضها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل كبير، موضحة أنها كثيرا ما تواجه انقطاعا في خدمات عياداتها المتنقلة، إذ تُمنَع من دخول مناطق معينة أو تواجه قيودا على الحركة في العطل الرسمية الإسرائيلية.
وسبق أن حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن الوصول إلى الرعاية الصحية في الضفة الغربية يتدهور بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي المفروضة على حرية الحركة والتنقل، فضلا عن إعاقة وصول الفلسطينيين إلى الخدمات الأساسية وأماكن العمل.

في ما يلي نلخص أبرز أشكال القيود الإسرائيلية المفروضة على فلسطينيي الضفة، وفق تقارير للأمم المتحدة ومؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية:
الحواجز
تتعدد أشكال الحواجز، منها حواجز عسكرية مأهولة بجنود الاحتلال، وأخرى مفاجئة، وحواجز ملموسة ثابتة قد تكون إسمنتية أو ترابية أو بوابات حديدية أو خنادق، ويبلغ عددها نحو 898. وتعرقل تنقل الأفراد والبضائع والمرضى والطلبة وغيرهم، فضلا عن تحويلها التجمعات الفلسطينية إلى كانتونات ومعازل.
وباتت أغلب مداخل القرى والبلدات والمدن والمخيمات مغلقة ببوابات حديدية مقفلة أغلب الوقت، ولذلك يضطر السكان إلى التنقل بين جانبي البوابات سيرا على الأقدام، بينما تفصل الحواجز العسكرية غالبا بين المحافظات.
وهنالك حواجز أساسية تقسم الضفة الغربية منها: حاجز زعترة المنصوب بين نابلس ورام الله، وحاجز الكونتينر شرق القدس ويفصل جنوب الضفة عن وسطها، وحاجز الحمرا الذي يقيد الدخول إلى منطقة الأغوار.

الجدار العازل
بدأ الاحتلال في إقامة الجدار العازل على حساب أراضي الضفة بين أراضي 48 والضفة منذ عام 2002، ليعزل حتى الآن أكثر من 295 كيلومترا مربعا من الأراضي الفلسطينية.
وعلى امتداد الجدار، يمنع الاحتلال تنقل الفلسطينيين على جانبيه بمن فيهم أصحاب الأراضي التي ضمها الجدار، وفي حالات نادرة يسمح لأصحابها بالوصول إليها.
كذلك يقيم الاحتلال في الجدار بوابات ومعابر شديدة الإجراءات لا يتاح للفلسطينيين وخاصة العمال استخدامها إلا بموجب تصاريح مرور خاصة تصدرها سلطات الاحتلال.
المستوطنات
تشكل المستوطنات والكتل الاستيطانية ما يشبه الأحزمة للمدن والقرى الفلسطينية، يحيط بها مناطق نفوذ يحظر على الفلسطينيين استخدامها سواء للتنقل أو خدمة أراضيهم الزراعية.
ويقدر عدد المستوطنين في الضفة بنحو 770 ألف مستوطن، يتمركزون في 180 مستوطنة و256 بؤرة استيطانية، منها 136 بؤرة زراعية رعوية تسيطر على أكثر من 480 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، بما يعادل 3 أضعاف مساحة بناء المستعمرات القائمة، وفق هيئة الجدار الفلسطينية.
ووفق تقارير الأمم المتحدة، فإن نسبة المناطق المحظورة على الفلسطينيين في الضفة الغربية تشكل 61% بسبب تخصيص الأراضي للمستوطنات الإسرائيلية والمجالس المحلية والإقليمية للمستوطنات.

مناطق مغلقة
يغلق الاحتلال بعض مناطق الضفة الغربية، ومنها وسط مدينة الخليل، ويقيد حركة سكانها، ويمنع الفلسطينيين من خارجها من دخولها، وذلك بنشره أكثر من 120 عائقا منها بوابات وحواجز عسكرية وعوائق مادية.
تقول منظمة أطباء بلا حدود إنها أجبرت عدة مرات على إلغاء زيارات لها في المنطقة حيث تعالج أسبوعيا بين 60 و70 مريضا.
ومنذ عام 1994 وبعد أن ارتكب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرته بحق المصلين في المسجد الإبراهيمي، أجبرت سلطات الاحتلال أصحاب نحو 800 متجر على إغلاقها وما زالت مغلقة حتى اليوم، أغلبها تم وضع حواجز مادية وعسكرية تحول دون الوصول إليها.
وفور بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرض الاحتلال حظرا وسط الخليل ومنع حركة نحو 750 أسرة، واستمر حظر التجول نحو أسبوعين قبل أن يخفّ تدريجيا، حتى أصبح اليوم مقتصرا على ساعات الليل وأيام الجمعة والسبت والأعياد اليهودية.
وفي القدس أيضا ينشر الاحتلال حواجزه في أنحاء البلدة القديمة وعلى أبوابها وأبواب المسجد الأقصى، وعلى مداخل البلدات الفلسطينية، كما يبعد العشرات عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
وبالتوازي، لا يمكن إغفال خضوع عشرات الفلسطينيين في القدس للحبس المنزلي مع إلزامهم بأساور إلكترونية تثبت في أقدامهم، في حين يقبع نحو 9 آلاف و900 أسير رهن الاعتقال في السجون الطبيعية.
المعابر
في الضفة الغربية تسيطر إسرائيل على جميع المعابر دخولا وخروجا بما في ذلك تلك المؤدية إلى القدس، والمؤدية إلى الأردن، وتستغل سيطرتها هذه ليس فقط لمنع دخول الفلسطينيين إلى المناطق الواقعة تحت سيادتها، بل أيضًا لمراقبة أي خروج لهم من الضفة الغربية إلى خارج البلاد وهو ما تمنعه عنهم في أحيان كثيرة.
وفي داخل القدس أقامت إسرائيل حواجز تشبه المعابر الدولية تفصل الأحياء الفلسطينية الواقعة وراء الجدار عن بقية أجزاء المدينة، وتجبر 140 ألف فلسطيني سكان المدينة على عبورها لأجل الدخول إلى مدينة هم سكانها.

شوارع ممنوعة
يشكل الطريق رقم 60 شريان حياة رئيسيا بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، لكن أغلب مخارج المدن والقرى الفلسطينية المؤدية إليه مغلقة، ولذلك يضطر الفلسطينيون إلى البحث عن بدائل تكون عادة أطول لدخول الشارع والسفر شمالا أو جنوبا.
ووفق منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية، فقد جرت عبر القيود المفروضة على الحركة داخل الضفة مأسسة الفصل بين المستوطنين والفلسطينيين، موضحة أن منظومة الشوارع الرئيسية في الضفة الغربية شُقت لخدمة المستوطنين على أراضٍ صودرت من الفلسطينيين، كما أنشأت إسرائيل منظومة شوارع بديلة مخصصة للفلسطينيين فقط وتسمى “شوارع نسيج حياة” شُقت هي أيضا في أراض صودرت من الفلسطينيين. وتشمل هذه المنظومة أنفاقا وشوارع التفافية.
وتشير إلى الشارع رقم 443 الذي يربط مدينة القدس بمستوطنة مودعين وتل أبيب، وتقول إن الفلسطينيين يمنعون من استخدامه منعا تاما، كما أن بعض الشوارع تم تخصيصها للمستوطنين حصرا.
ووفقا لمعطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، شقت إسرائيل شوارع يبلغ طولها 49 كيلومترا تشمل 43 نفقا وممرا تحت الأرض، موضحة أنها تتيح المواصلات بين “الجزر” الفلسطينية التي أنشأتها “ولكنها تمنع التواصل الجغرافي بين البلدات مما يمكنها من قطع المواصلات بسهولة بين المناطق المختلفة داخل أراضي الضفة الغربية”.
ويبلغ مجمل طول الشوارع التي تمنع إسرائيل الفلسطينيين منعا تاما من استخدامها نحو 40 كم تقريبا منها 7 كم داخل مدينة الخليل في جوار المستوطنات التي أقامتها إسرائيل. إضافة إلى ذلك، هناك 20 كم تُفرض فيها قيود جزئية على عبور الفلسطينيين، وفق معطيات لمنظمة بتسيلم حتى 2017، وبالتأكيد تغيرت بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023.

نظام التصاريح
يجب على كل فلسطيني يضطر إلى الذهاب إلى أراضي 48 سواء للعمل أو العلاج أو زيارة أقاربه أو لغرض التجارة أو الوصول إلى أراضيه التي عزلها الجدار أو الذهاب إلى قطاع غزة الحصول على تصريح خاص من سلطات الاحتلال، محدد بفترة زمنية معينة، ويحجب عن أغلب الفلسطينيين بذرائع أمنية.
البوابات الإلكترونية والأرقام
يستخدم الاحتلال بوابات إلكترونية في الضفة خاصة على مدخل المسجد الإبراهيمي وعلى المصلين دخولها عند كل صلاة.
كذلك يضع قوائم رقمية لسكان المناطق المغلقة، كما في شارع الشهداء وحي تل الرميدة في الخليل، وعلى كل منهم حفظ رقمه لاستخدامه عند الدخول والخروج، ويمنع على غير السكان زيارتهم حتى لو من أقاربهم، والحال يتكرر في جيوب أحاط بها الجدار مثل منزل عائلة غريب في قرية بيت إجزا غرب القدس، حيث سيّجه الاحتلال بالجدران والأسلاك الشائكة وثبت على مدخله بوابة كهربائية يتحكم بها عن بعد.
الحصار
يستخدم الاحتلال الحصار وسيلة لتقييد حرية الفلسطينيين، ويحدث ذلك غالبا في الأعياد اليهودية إذ يفرض طوقا أمنيا شمالا على الضفة، ويعني ذلك إغلاق كل المعابر المؤدية إلى أراضي 48، وتشديد الإجراءات على حواجز الضفة، وتكثيف اقتحام المناطق الفلسطينية.
كما يحاصر منذ 21 يناير/كانون الثاني مخيمات شمالي الضفة الغربية وأخلاها من سكانها ومنع عودتهم.

مناطق عسكرية ومناطق إطلاق نار
صنف الاحتلال مناطق واسعة تشكل نحو 18% من مساحة الضفة الغربية البالغة حوالي 5660 كيلومترا مربعا مناطق “إطلاق نار” لإجراء تدريباته العسكرية، أو أصدر أوامر عسكرية بإغلاقها لذرائع مختلفة، وتتركز بمسافر يطا ومنطقة الأغوار.
ويلحق بالمناطق العسكرية معسكرات الجيش الموزعة بالضفة وما يحيط بها من إجراءات تحول دون حرية حركة السكان الفلسطينيين.
كما تنتشر في الضفة الغربية عشرات أبراج المراقبة العسكرية المشيدة من الإسمنت والمأهولة بالجنود وغالبا على المداخل الرئيسية للمناطق الفلسطينية وقرب المستوطنات، وبين حين وآخر يقيم الجنود حواجز تعترض مركبات الفلسطينيين.