في يناير/ كانون الثاني الماضي، أثار رئيس هيئة الأركان العامة البريطاني المنتهية ولايته، الجنرال باتريك ساندرز (13 يونيو/ حزيران 2022 ـ 15 يونيو/ حزيران 2024)، الدهشة عندما قال إن مواطني المملكة المتحدة يجب أن يكونوا مستعدين لتشكيل “جيش المواطن” في حالة نشوب حرب بين أعضاء الناتو وروسيا، مستحضرًا سياسات التجنيد الإجباري المماثلة التي استخدمت، في الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية.
وفي حين سارع “داونينغ ستريت”، إلى التراجع عن تصريحات ساندرز في حينها، حيث وصفها المتحدث باسم رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنها “غير مفيدة”، فإنه أظهر تسامحًا واضحًا، مع تصريح مشابهٍ لوزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، حين قال إننا “ننتقل من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب”. مشيرًا في ذات الخطاب، إلى أنه في غضون خمس سنوات، قد تواجه المملكة المتحدة، صراعاتٍ في مسارح متعددة، بما في ذلك روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية.
تزامنت تلك التصريحات، مع ظهور تحليل من بلومبيرغ يقول إن الإشارات إلى الحرب العالمية الثالثة في القصص الإخبارية وصلت مؤخرًا إلى أعلى مستوى لها في 16 شهرًا” .
وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كشف أوسكار رويز في موقع (The Diplomat in Spain) الإسباني عما وصفه بـ”عملية ألمانيا”، وهي وثيقة مكونة من 1000 صفحة، توضح التدابير التي ستتخذها الحكومة الألمانية، لحماية البنية التحتية الحيوية، وتعبئة قواتها، فضلًا عن المساعدة في تعبئة قوات حلف شمال الأطلسي، في حال واجهت أوروبا صراعًا محتملًا.
وتوضح الوثيقة كيف يمكن لألمانيا، المساعدة في حشد ما يصل إلى 800 ألف جندي من حلف شمال الأطلسي، بمن في ذلك القوات الأميركية، إلى أوكرانيا إذا تصاعد الموقف مع روسيا. وهو تدبير استباقي، في مواجهة صراع كبير محتمل، مثل الحرب العالمية الثالثة.
يقول رويز ـ الذي كشف عن الوثيقة: تستعد أوروبا لحرب، ورغم أنها على الأرجح لن تحدث، فإنها مثيرة للقلق؛ لأن أي “حادث” أو “خطأ في التقدير” في هذا الاستعراض للقوة من الجانبين الذي نشهده في الحرب الأوكرانية قد يبدأ تصعيدًا لا يمكن إيقافه، وقد ينتهي باستخدام سلاح نووي من قبل روسيا.
وتتوقع مؤسسة يوجوف “yougov”، أن الحرب العالمية الثالثة، قد تندلع خلال 5 إلى 10 سنوات قادمة، وتكشف بياناتها الجديدة، أن معظم البريطانيين يستعدون الآن للحرب العالمية الثالثة، حيث يعتقد 53% منهم أنه من المرجح أن تكون هناك حرب عالمية أخرى في السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
وقال استطلاع للرأي ـ أجراه المجلس الأطلسي Atlantic Council، شمل الإستراتيجيين العالميين وممارسي الاستبصار ـ إن 40% منهم يتوقعون نشوب حرب عالمية أخرى بحلول عام 2035، عرفها المشاركون في الاستطلاع، بأنها “صراع متعدد الجبهات بين القوى العظمى، متتبعين المخاوف التي عبّر عنها خبراء آخرون وسط حروب كبرى في أوروبا والشرق الأوسط، وتزايد التوترات بين الولايات المتحدة، والصين، وزيادة التعاون بين الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، وإيران، حسبما ذكر مركز الأبحاث.
وفي حين أن التركيز الحالي، ينصب إلى حدٍ كبير، على سياسة حافة الهاوية الاقتصادية، التي ينتهجها دونالد ترامب، فإن معظمهم يتوقعون أن تتمحور المواجهة العسكرية المستقبلية حول تايوان.
وأكدت صحيفة التايمز في أبريل/ نيسان 2023، أن أي غزو لتايوان “سيكون أحد أخطر الأحداث وأكثرها أهمية في القرن الحادي والعشرين”، ومن شأنه أن “يجعل الهجوم الروسي على أوكرانيا يبدو وكأنه عرض جانبي بالمقارنة”.
ويتفق العديد من المتخصصين في مجال الدفاع، على أن الجدول الزمني لذلك، هو “في غضون ثلاث إلى خمس سنوات”، وسيجبر الناتو على الدخول في صراع شامل مع موسكو، والتي يمكن بدورها، أن تدعو الحلفاء من الصين، وكوريا الشمالية، وإيران للانضمام إلى حرب عالمية.
ومثلت حملة بوتين العسكرية على أوكراينا، أيضًا تحولًا جيوسياسيًا أكبر، ويرى خبير الأمن القومي مارك توث وضابط المخابرات الأميركية السابق العقيد جوناثان سويت، كما نقلت عنهما صحيفة ديلي ميل، أن غزو أوكرانيا كان بمثابة الإشارة إلى نهاية نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويؤكدان على أن “غزو بوتين لأوكرانيا كان بمثابة المرحلة الافتتاحية (للحرب العالمية الثالثة)، وكانت علامته للمجتمع الدولي، أن النظام العالمي، كما كان موجودًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يعد موجودًا”، وأن العالم ـ كما فعلت مرات عديدة في عصر الحرب الجماعية ـ قد يمشي نائمًا في طريقه إلى صراع شامل”، على حد تعبير مجلة نيو ستيتسمان الأسبوعية الأكثر شهرة في بريطانيا.
بيد أن خبراء آخرين، يعتقدون أن الحرب العالمية الثالثة، قد بدأت فعلًا، وأن العالم الآن انخرط في أتونها، ويستندون في ذلك، إلى أن الحرب العالمية الثالثة، ليست مثل الحروب العالمية في القرن العشرين.
“هذا الحريق العالمي الثالث لا يبدو أو يشبه ما تصورته هوليود. لا توجد غيوم فطر أو أراضٍ قاحلة مروعة. وكما قال مارك توث والعقيد جوناثان سويت، في المقابلة مع صحيفة ديلي ميل المشار إليها فيما تقدم: “إنها حرب بآلاف الجروح، تجري عبر ساحات قتال متعددة المناطق ومتعددة المجالات”.. وأطلقا عليها “الحرب الهجينة” التي لا تُخاض المعارك فيها بالأسلحة المادية فحسب، بل بمزيج من الهجمات السيبرانية، والمعلومات المضللة، والتلاعب الاقتصادي.
ولا يتم خوض الصراع العالمي فيها ـ أي في الحرب الهجينة ـ على الجبهتين المادية والرقمية فحسب، بل أيضًا في مجال الأيديولوجية، وفي السياق قال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند: “نحن في حرب عالمية بين الديمقراطية والاستبداد”.
وقد أصبح هذا الانقسام الأيديولوجي واضحًا على نحو متزايد، مع اصطفاف روسيا، والصين، وكوريا الشمالية ضد الديمقراطيات الغربية. وشدد هولاند على أن أوروبا يجب أن تتوحد للدفاع عن ديمقراطيتها..
وعلى الرغم من التوترات المتزايدة، لا يزال بعض المحللين حذرين. وتحذر أديلين فان هوت، كبيرة محللي أوروبا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، من أنه على الرغم من ارتفاع خطر التصعيد، فإن الحرب العالمية الثالثة ليست مؤكدة بعد.
ويعتقد جاسين كاستيلو وجون شوسلر، الأستاذان المساعدان للشؤون الدولية في كلية بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس أن الصورة التي نراها اليوم مختلفة للغاية، لأن الدولة الروسية – ما بعد الاتحاد السوفياتي وغيرها من الخصوم المعاصرين للولايات المتحدة- لا تشكل نفس التهديد الذي شكله الاتحاد السوفياتي. وقال كاستيلو “إن الجيش الروسي اليوم هو مجرد تقليد رديء للجيش الأحمر”.
وهذا لا يترك سوى الصين، كما يقول شوسلر وكاستيلو. وباعتبارها الدولة الوحيدة التي تتنافس مع الولايات المتحدة على التفوق الاقتصادي والعسكري العالمي، فمن المرجح أن تكون الصين ــ وليس روسيا ــ الخصم الرئيسي لأميركا في حرب عالمية في القرن الحادي والعشرين.
واليوم، من الصعب أن نتصور حربًا عالمية لا تضع الولايات المتحدة في مواجهة مع الصين. وما إذا كانت روسيا ستتحالف مع الصين في مثل هذه الحرب، وهو سؤال مفتوح، كما يقول شوسلر. “ما لم يتم جرّ الولايات المتحدة إلى حرب ضد الصين وتنضم هذه الحرب بطريقة ما إلى تلك في أوروبا والشرق الأوسط، فإننا لا نتحدث عن حرب عالمية”.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.